حديقة يقول فيها البشر ما يريدون ويفعلون ما يشاءون

«دوبونت» معلم من معالم «واشنطن السياحية»

TT

هنا خليط من البشر لامثيل له. سياح وغرباء، شباب وصبايا، مسنون واطفال، موظفون وعاطلون، طلاب وطالبات، أولاد وبنات، رسامون ومصورون، حالمون وحالمات، متسكعون وعاطلون، مخنثون وصعاليك.

هنا حديقة «دوبونت»، هنا واشنطن اخرى، لا علاقة لها بالسياسة. تقع هذه الحديقة شمال غرب واشنطن عند ملتقى اهم خمسة شوارع وهي: ماسوشيست، كناكتيكت، نيوهاشمير، بي ستريت والشارع رقم 19، بجوارها يوجد واحد من الاحياء المتميزة بمعماره. المنطقة عموماً تعد من أعرق مناطق العاصمة الاميركية، حيث توجد بها هندسة معمارية منقرضة، تعبر عن ذوق رفيع. هذا الحي يعود تاريخه الى عام 1871 عندما شرع مهندسون في تشييده وكانت المنطقة وقتها تعرف باسم «باسيفيك سيركل»، ثم أقر الكونغريس 1882 اقامة نصب تذكاري للادميرال صوميل فرانسيس دوبونت، تقديراً للدور الذي لعبه اثناء الحرب الاهلية الاميركية.

ومن غير التاريخ، ماذا يحدث الآن في هذه الحديقة؟.

أول ما يلفت الانتباه ذلك الركن الذي يلعب فيه كثيرون الشطرنج. محترفون وهواة يأتون كل يوم ويجدون من يلعب معهم، ومن يتفرج عليهم. طاولات خشبية مرصوصة خلف بعضها البعض في شكل قوس منحن خلف سور الحديقة الواطئ. والطريف ان معظم الذين يلعبون هذه اللعبة يفعلون ذلك وهم واقفون. وبعضهم يلعب مع زميل لا يعرف احياناً حتى اسمه. وهناك متفرجون ايضاً.

ثمة مقاعد خشبية توجد قرب سور الحديقة الدائري. كثيرون، كثيرون يجلسون يتأملون رواد الحديقة أو المارة. بعضهم يلتزم الصمت لساعات لا يحرك ساكناً فقط: جلوس وتأمل.

قرب النافورة يجلس طلاب وطالبات يراجعون دروسهم. المياه خلفهم تسيل من النصب التذكاري وتبعث خريراً على ايقاع هذا الخرير يراجعون مذكراتهم المدرسية او الجامعية.

ذلك العصر كانت هناك مجموعة من المراهقين. وضعوا آلة تسجيل تبث موسيقى راقصة، كانوا يرقصون على ايقاعها. يقولون إنهم طلاب يأتون الى الحديقة بعد انتهاء الدروس، من اجل التدرب على الغناء والرقص. يطلقون على فرقتهم اسم «فري ستايل». بنتان وولدان. هم كايل ودونا وبرنت وليكس. شعار فرقتهم يقول «انت لا تعرف ماذا سيأتي». قالوا إن فرقاً شهيرة في اميركا كانت تغني وترقص في الشوارع ثم انتقلت الى المسارح، وعندما انطلقت اصبح افرادها من اصحاب الملايين.

طلبت منهم ان يقدموا فاصلاً راقصاً وفعلوا. يرقصون رقصاً أقرب ما يكون لرقصة «سمورف» التي انتشرت في الثمانينات، حيث يرقص الاولاد والبنات على رؤوسهم (البريك دانس). بعد ذلك الفاصل قال لي احدهم: هل ستساعد فرقتنا؟ قلت: كيف اساعدكم؟ سأكتب عنكم قطعاً. لم يحفل كثيراً بموضوع «الكتابة» ورد: تساعدنا بالدولارات. لكم ان تخمنوا بماذا أجبت.

كانت هناك ايضاً فرقة شبه محترفة تعزف للناس الحاناً، كما كان هناك أطفال مدرسة يتعلمون العزف على آلة الكمان في الهواء الطلق من بين ظواهر هذه الحديقة المدهشة، أن عددا كبيرا من مستعملي الدراجات الذين يمارسون هذه الرياضة في شوارع واشنطن بعد ساعات العمل يأتون للحديقة «لتبادل الخبرات» حول كيفية اصلاح دراجاتهم. حديقة «دوبونت» هي ايضاً للراحة. هناك مشردون، هؤلاء يبيتون في الحديقة. لكن هناك «متسكعين» تعجبهم بعض مظاهر الحياة البوهيمية، هؤلاء يأتون الى الحديقة، وغالباً ما يكونون شباباً وشابات، يلقون باجسادهم فوق العشب الاخضر ثم يتهامسون قليلاً.. ويغطون في نوم. لا أدري إن كان عميقاً.