صلالة .. خريفٌ في عز الصيف

جنة عُمان باتت مقصدا للسياح

TT

عندما تلتقي السماء بالارض حاضنة كرة بلورية حمراء وتكشف عن ثوبها الاخضر النضر والسهول والجبال تكون قد وصلت الى صلالة مدينة الشمس والمطر. وللمرء ان يتصور روعة هذا المكان عندما تشهد معظم مناطق شبه الجزيرة العربية ارتفاعا في درجات الحرارة التي تصل الى 45 درجة مئوية في فصل الصيف او اكثر بينما لا تزيد في صلالة عن 25 درجة مئوية. وبينما يبدأ المواطنون والمقيمون في المناطق المجاورة بالبحث عن جو اكثر اعتدالا لقضاء عطلاتهم الصيفية، يبدأ خريف صلالة بأمطاره وازهاره ومروجه الخضراء.

خريف صلالة: في السنوات القليلة الماضية بدأ خريف صلالة يأخذ ابعادا سياحية وبدأت انظار الناس تتجه اكثر فأكثر نحو هذه المدينة الواقعة في محافظة ظفار جنوب سلطنة عمان. وتعتبر تلك المحافظة من أكثر المناطق في السلطنة والجزيرة العربية اعتدالاً في الطقس وجمالا في الطبيعة حيث تعانق الجبال البحر في أجمل صورة طبيعية بالإضافة إلى الخضرة الدائمة والطبيعة الخلابة وكثرة العيون العذبة التي تجري على مدار السنة وتتكاثر حولها الاشجار والأعشاب الخضراء. ويتميز خريف صلالة بنسماته الباردة المنعشة وتساقط الرذاذ طوال اليوم كما تحتجب اشعة الشمس خلف ستار ضبابي يزيد المكان سحرا. ويعتبر هذا الفصل الأكثر هدوءاً في السنة، حيث تتميز مياه البحر بالصفاء والهدوء لتفسح المجال أمام الأشخاص الراغبين في الغوص البحري لممارسة هواياتهم ويعتبر مناسبا جدا للصيد حيث تتنوع وتكثر الكائنات البحرية مثل الروبيان والجمبري. وقبل كل هذا، تسحرك الشواطئ الرملية البيضاء التي تمتد لمساحات طويلة بمحاذاة الساحل حيث يوجد شاطئ القرم جنوب مدينة صلالة وشواطئ خور البليد والخندق. وتتيح هذه الشواطئ الأخاذة إمكانات هائلة لممارسة الرياضات البحرية كالسباحة والغطس والتزلج على الماء ورياضة القوارب.

مهرجان الخريف: يبدأ موسم الخريف في صلالة من شهر يونيو (حزيران) حتى نهاية شهر سبتمبر (أيلول) يتخلله مهرجان خريف صلالة الذي ساهم الى حد كبير في الترويج والتعريف بهذه المدينة على نطاق واسع تعدى الدول المحيطة. ويتضمن المهرجان فعاليات فنية وثقافية وترفيهية مختلفة، ويقول مدير دائرة المهرجان والمنسق العام عوبد سالم الغواص إن هناك اقبالا متزايدا على فعاليات المهرجان عاما بعد عام. «ومن هذا المنطلق يجري العمل على تنويع الانشطة المقامة حيث يتميز المهرجان هذا العام بمشاركة عدد من الولايات في السلطنة يعرض خلاله المشاركون لتقاليد كل ولاية وفنونها وحرفها. ويضيف الغواص ان هذه المشاركة خلقت جوا تنافسيا محببا بين مختلف المناطق كما لفتت انظار السياح. ونحن نسعى للمحافظة على هذه الليالي العمانية المميزة خلال ايام المهرجان بما يساهم بالتعريف على تقاليد وعادات بلادنا».

صلالة المدينة السياحية: دخل مهرجان خريف صلالة عامه الثامن ولكن لم تدخل المدينة على خارطة السياحة في المنطقة والعالم فعليا الا بعد ان اطلقت وزارة السياحة العمانية خطة شاملة للترويج السياحي في السلطنة. ويقول مدير عام السياحة في محافظة ظفار خالد بن مسلم الرواس «إن الوزارة قامت هذا العام بحملة ترويجية دعائية تلفزيونية لخريف صلالة شملت التلفزيون السعودي والكويتي ومحطة ام بي سي. كما تقوم الوزارة وبالتنسيق مع الجهات الحكومية الاخرى بتمويل وتنفيذ عدد من مشاريع خدمات البنى الاساسية في قطاع السياحة بمحافظة ظفار الى جانب عدد من المشاريع في المواقع ذات الجذب السياحي سيتم الاعلان عن مناقصاتها في الفترة المقبلة». واوضح الرواس «ان من اهم المشاريع التي يجري بناؤها المشروع السياحي بمنطقة شاع الذي سيقام فيه عدد من الفنادق والوحدات السكنية بالاضافة الى ملعب للغولف ومرسى لليخوت ومحلات تجارية ومن المقرر ان تستكمل الاعمال فيه خلال الفترة بين عامي 2007 و 2009. وكذلك يجري العمل على انشاء مجمع تجاري وشقق فندقية باستثمار خليجي سيتم تنفيذه بين عامي 2007 و 2008. وستستكمل الاعمال في مشروع القرية السياحية بمنطقة حينو بولاية مرباط العام المقبل».

واشارت احدث احصاءات وزارة الاقتصاد الى ان عدد زوار خريف صلالة من الفترة الممتدة من 21 يونيو (حزيران) ولغاية 17 من شهر اغسطس (آب) الجاري بلغ نحو 241 الف زائر. ويشكل مواطنو دول مجلس التعاون الخليجي النسبة الاكبر من الزوار اي نحو 227 الف زائر، عدد كبير منهم يأتي من دولة الامارات العربية المتحدة تليها المملكة العربية السعودية. وتأتي دول منطقة آسيا في المرتبة الثانية بعدد زوار يتجاوز التسعة الاف. ولكن عند قراءتنا للارقام لا بد من التوقف عند نقطة اساسية وهي ان النسبة الاكبر من اجمالي زوار خريف صلالة تبقى وبدون منازع من المواطنين العمانيين انفسهم وهي تقدر بحوالي 60 بالمئة من اجمالي الزوار القادمين من دول مجلس التعاون، وهذا يدل بالطبع على ان السياحة الداخلية هي الطاغية حتى اليوم على اجمالي زوار صلالة. كما يبين الحاجة الى المزيد من التسويق والترويج السياحي لهذه المنطقة على اكثر من صعيد ومستوى.

القطاع الفندقي: تلعب الشركات السياحية والقطاع الفندقي دورا اساسيا بالترويج واستقطاب المزيد من السياح الى ظفار. وقد قام فندق كراون بلازا صلالة كشركة تابعة لمجموعة انتركونتيننتال بالتسويق لموسم الخريف في الفنادق التابعة للمجموعة في الشرق الاوسط. واوضح ادوارد شعيا مدير عام فندق كراون بلازا صلالة أن نسبة الاشغال في الفندق هذا الموسم تجاوزت 95 بالمئة بتحسن بلغت نسبته 10 بالمئة عن العام الماضي. ويضم الفندق اليوم 150غرفة وجناحا وتجري دراسة حاليا لبحث امكانية زيادة عدد الغرف بما بين 150 الى 200 غرفة. ويعزو شعيا السبب «الى الازدياد المتوقع في عدد السياح في السنوات المقبلة والى عدم اقتصار السياحة على موسم الخريف فقط حيث بدأنا في الفترة الاخيرة نلاحظ قدوم سياح في موسم الشتاء الذي يمتد من شهر اكتوبر وحتى شهر مايو حيث تزيد نسبة الاشغال فيه بمعدل 30 بالمئة سنويا». ويبدو ان العاملين بهذا القطاع عينهم على هذا الموسم ايضا ولا سيما مع قيام وزارة السياحة العام الماضي وبالتنسيق مع احدى الشركات السويدية المتخصصة، بتسيير رحلات سياحية اسبوعية الى صلالة. ويقول الرواس «ان هذه التجربة لاقت نجاحا كبيرا واستقطبت الكثير من السياح من الدول الاسكندنافية ولولا قلة الغرف المتوافرة لاستطاعت الشركة ان تسير اكثر من رحلة في الاسبوع. هذا بالاضافة الى الزيارات التعريفية التي تنظمها الوزارة لعدد من ممثلي الشركات السياحية الاوروبية الذين زاروا السلطنة خلال الفترة الماضية».

سحر وجمال: تجمع مدينة صلالة اصالة الماضي وحداثة الحاضر. المدينة القديمة ملاصقة للبحر والميناء تتمازج مبانيها بأشجار جوز الهند وفي اطرافها مزارع الحبوب والموز، اما ميناؤها فيعد من اكبر الموانئ العربية. وبما ان صلالة تقع في السهل الظفاري بين البحر والجبل، فقد كان لهذا الموقع اهمية بالغة في مجال السياحة والتجارة على مر العصور مما اكسب اهلها وداعة وطيبة وكرما كما اكسبها هذا التباين في الطبيعة بين البحر والجبل، السهول والاودية سحرا خاصا. وخلال زيارتك لصلالة لا بد ان تزور سهل اتين والنوافير الطبيعية والخيران المزدحمة بالطيور والسوق الشعبي الذي يمتلىء بالمنتجات والصناعات التقليدية ولا سيما فيما يتعلق بمستلزمات النساء من عطور وبخور ومكاحل وحلي بالاضافة الى المباخر الظفارية التي تتميز بزوايا مدرجة في الاعلى وهو شكل هندسي يستخدم كثيرا في البناء بمحافظة ظفار. وهناك العديد من الاودية والعيون القريبة من صلالة وتعد من اجمل الاماكن الطبيعية مثل عين رزات وعين صحنوت وعين حمران. وقد اقيمت بالقرب من هذه العيون متنزهات وحدائق، فيستمتع الزائر بمناظر العيون الجارية والخضرة الجبلية الاخاذة ونسمة الهواء العليل في فصل الصيف الذي يعرف محليا بموسم الخريف. انه خريف يرفد الروح بالجمال والراحة والمطر المنعش.