المرشد السياحي .. سفير في وطنه ومصدر معلومات السائح

من هو دليلك في السفر؟

TT

يكتسب دور المرشد السياحي أهمية بارزة في نجاح الرحلة السياحية واعطائها طابعا ثقافيا يرتكز على معرفة معلومات وحقائق تغني ذاكرة السائح وثقافته العامة لتشكل بذلك صورة كاملة تجمع بين مشاهد حية ومعلومات موثقة وصحيحة تساعد على ترسيخها في المخيلة.

لذا، ورغم رغبة الكثيرين في اكتشاف البلد المقصود بمفردهم من دون التقيد ببرنامج معين أو مناطق محددة، يبقى للمرشد السياحي دوره المهم في اضفاء أهمية اضافية على الرحلة.

ولا تقتصر مهمة هذا المرشد على مرافقة السياح وارشادهم الى الأماكن السياحية المهمة والمعالم الأثرية والتاريخية والمتاحف واعطائهم معلومات عنها، ذلك لأنه يساهم الى درجة كبيرة في اعطاء صورة سلبية أو إيجابية عن بلاده، خاصة أن السائح قد يمضي أياما في البلد المقصود من دون أن يتعرف أو يتواصل مباشرة الا مع الشخص الذي يرافقه لساعات طويلة قد تصل في بعض الأحيان الى أيام.

ولأن لبنان يعتمد اعتمادا كبيرا على القطاع السياحي، افتتح قبل حوالي ثماني سنوات قسم الارشاد السياحي في كلية السياحة والفنادق التابعة للجامعة اللبنانية، لتخريج أدلاء سياحيين وإعدادهم اعدادا عاليا ومتخصصا وفق الأسس العلمية الحديثة، بعد أن يخضع الطالب لامتحان دخول يرتكز على اللغات الأجنبية. ومدة الدراسة لنيل الاجازة الجامعية أربع سنوات يدرس خلالها الطالب مواد متنوعة تُعنى باللغة والثقافة العامة والبيئة المحلية والعالمية والمعلومات التاريخية والجغرافية والأدب الشعبي ومعرفة تقاليد البلاد المتنوعة، ويفترض به قبل التخرج أن يتقن على الأقل لغتين أجنبيتين اضافة الى العربية.

«المرشد السياحي هو سفير داخلي للبلاد من دون أوراق اعتماد» بهذه الجملة يعرف نقيب المرشدين السياحيين في لبنان هيثم فواز المرشد السياحي، معتبرا أن دوره يرتكز على ثلاثة أمور أساسية، تحتل منها مهمة تزويد السائح المعلومات العامة عن الأمكنة نسبة تصل الى 65 في المئة وتتوزّع النسبة المتبقية بين الهدف الترفيهي للرحلة والتمتع برؤية الآثار. وشدد على ضرورة نقل المعلومات الصحيحة بموضوعية مطلقة الى السائح الباحث عن الحقائق بعيدا عن التشويه أو اضافة الأفكار والآراء الشخصية.

ويؤكد فواز أن النجاح في مهنة الارشاد السياحي يتطلب ممن يزاولها التمتع بصفات أساسية، مشبها المرشد بالأستاذ المحاضر في الحافلات والرحلات، وأهم الصفات الثقافة العامة في كل المجالات من التاريخ والجغرافيا الى الاقتصاد والسياسة، وامتلاكه الشخصية المحببة واللياقات الاجتماعية والطريقة السلسة في ايصال المعلومات، لأن هدف الناس ليس الاستماع الى شرح درس وحفظه. وهذه الصفات تساعده الى حد كبير على التقرب من السياح والتواصل معهم بسهولة. اضافة الى ذلك تقع على عاتقه مهمة توعيته الى أمور عديدة متعلقة بأنظمة الدولة وقوانينها الاجتماعية، وقد يلعب أحيانا دور المفتش الاقتصادي في مراقبة الأسعار خلال مرافقته للمجموعات التي قد يتعرض أفرادها في بعض الأحيان الى ضروب من الاحتيال يتقنها الباعة.

وعن دور المرشد السياحي في نقل صورة جميلة عن بلاده، يقول فواز: «المرشد هو وسيلة اعلامية متحركة تساعد على الترويج غير المباشر للبلد عبر طريقة التعامل مع السياح والمعلومات التي ينقلها إليهم. وعلى هذا الأساس اما أن يصل الى هدفه المرجو وبالتالي نجاح مهمته وكسب ثقة الزائرين الذين يبدون استعدادهم لتكرار الزيارة ويروّجون للبلد المضيف في بلدهم بناء على ما اختبروه، وإما أن تكون النتيجة سلبية وعلى العكس تؤدي الى عدم عودة هؤلاء والتسبب بالصيت السيئ عن البلد وعن أبنائه». ويرى فواز أن سماع المعلومات من المرشد تفوق بأهميتها الاستعانة بكتيبات قد يكون محتواها سطحيا وغير صحيح ولا يشتمل على التفاصيل المهمة، مشيرا الى أن عملية التواصل بين المرشد والسائح والأسئلة والاستفسارات التي يطرحها الأخير ويتلقى اجابات مباشرة عليها تساهم في ترسيخ الصورة في الذاكرة.

ويقول فواز: «في نقابة المرشدين السياحيين ندعم فكرة عدم حصر مهنة الارشاد السياحي في أصحاب الاختصاص لأنه يجب فتح المجال أمام المثقفين وكل من يحب هذه المهنة ويتمتع بمقومات النجاح شرط أن يتقن لغات ويمتلك معلومات وافية تخوله خوض غمار هذه المهنة».

ويشير الى أن المشكلة الأساسية التي يعانيها المرشدون السياحيون هي المنافسة غير الشرعية وسببها عدم اقرار قانون خاص على غرار كل الدول يفرض على منظمي الرحلات السياحية الى لبنان الاستعانة بمرشدين لبنانيين، ما يتيح للأشخاص من جنسيات مختلفة القيام بهذه المهمة ومنافسة أبناء البلد.

بعدما زارت مناطق لبنانية عدة واكتشفت جمال طبيعة لبنان وأهميتها، انتقلت المرشدة السياحية جنين نوفل من العمل الاجتماعي الى مهنة الارشاد السياحي، تقول: «أحببت أن أعرّف الناس، ولا سيما اللبنانيين الذين لا يعرفون بلدهم بشكل جيد، على لبنان».

وتعتبر نوفل أن مهنة المرشد السياحي متعبة بقدر ما هي ممتعة، وتمنح من يزاولها فرصة بناء علاقات اجتماعية وشخصية مهمة والانفتاح على أنماط شعوب مختلفة تساهم في اغناء معلوماته الشخصية، عبر التعرف على تقاليدهم وعاداتهم.

وتضيف نوفل: «كل هذه الأمور مرتبطة بالتأكيد بشخصية المرشد وقدرته على التكيف وسعة صدره ليكون على استعداد دائم للتواصل مع السياح والاجابة عن أسئلتهم بطريقة موضوعية وتصويب المعلومات الخاطئة مع عدم اخفاء الحقائق وان كانت سلبية، بل محاولة تلطيف الصورة قدر الامكان والتخفيف من وطأتها، خصوصا أنه في ما يتعلق بلبنان يأتي السياح ولديهم أفكار مسبقة عن الوضع العام قد لا تكون كلها صحيحة. وهنا تكمن مهمة المرشد في وضع الأمور في نصابها الصحيح، كما تتركز أسئلتهم بشكل أساسي على احوال الناس خلال الحرب وطريقة تأقلمهم مع الأجواء الأمنية المسيطرة».

ونظرا الى خبرتها الطويلة في هذا المجال، تقول نوفل: «الأجانب هم أكثر من يولي الآثار والمعالم التاريخية اهتماما، لذا يفضلون أن يرافقهم مرشد سياحي ليزوّدهم بالمعلومات المتعلقة بالأماكن التي يزورونها خلال رحلاتهم السياحية في لبنان. أما العرب فيشعرون أنهم يعرفون البلد جيدا وليسوا بحاجة الى اكتشافها، كما أنهم يحبذون ممارسة النشاطات الترفيهية والتمتع بالطقس الجميل والتنقل بين البحر والجبل في عطلاتهم».

وعن الصعاب التي تواجه المرشد السياحي، تقول نوفل: «عملنا موسمي ولا نتقاضى أجورا ثابتة، كما أن ارتفاع عدد السياح وانخفاضه مرتبط بشكل أساسي بالأوضاع الأمنية والسياسية في البلد».

أما في ما يتعلق بالعلاقة المباشرة مع السائح، ترى نوفل أن المشكلات تختلف بحسب جنسية السائح واللغة التي يتكلم بها كاليابانيين والصينيين الذين لا يتكلمون الانجليزية او الفرنسية، ما يشكل صعوبة وحاجزا أمام فهمهم للمعلومات، وان رافقهم مترجم، يبقى للتفاعل المباشر أهمية تساعد المرشد على التمتع بعمله وايصال فكرته بسهولة أكبر. وتضيف: «قد نجد صعابا أيضا اذا كانت اهتمامات السياح في المجموعة الواحدة متناقضة أو مختلفة، نضطر عندها لتعديل البرنامج ليتلاءم مع متطلبات الجميع وأهوائهم».