السعوديون يسابقون الزمن لاكتشاف أسرار السياحة الصحراوية

رياضات عديدة لها سحرها الخاص

TT

في بلد تشكل الصحراء أربعة أخماس مساحتها الجغرافية، بدأ السعوديون يكتشفون عوالم وأماكن هذا السوار الذهبي المحيط بهم من الاتجاهات الأربعة، في شكل عصري وعبر برامج جسورة لتشجيع المواطنين والمقيمين على خوض تجارب جديدة تحت عنوان (السياحة الصحراوية) والتعاطي مع عناصر جذب سياحي فريدة بوجود الروضات والواحات، إلى جانب الوديان والكثبان الرملية النقية، ناهيك عن تضاريس بكر تتباين معطياتها بين الهضاب والجبال والدحول والكهوف الجبلية. وبالرغم من الألفة مع الصحراء واعتبار ارتيادها في فصل الربيع ومواسم الأمطار طقسا اعتياديا يألفه معظم سكان شبه الجزيرة العربية، فيما تعارف عليه أبناء الصحراء بـ «طلعات البر»، الا أن ذلك لا يتجاوز كونه جهدا شخصيا لمجموعات فردية اشتاقت لممارسة هوايات أصيلة كنصب الخيام والصيد والتطعيس (قيادة المركبات فوق كثبان الرمال)، دون أي خدمات عصرية تضمن السلامة، وتعدد الخيارات، الى جانب التمتع بالأجواء وفق تنظيم وجداول تعدها مكاتب السفر المتخصصة في هذا النوع من رحلات السفاري المحفوفة بالإثارة والمخاطر. وأطلقت الهيئة الوطنية العليا للسياحة أخيرا عدة برامج لدعم وتنظيم رحلات لاكتشاف الصحراء، وإقامة مهرجانات دورية تستوحي أجواء الصحراء ومقوماتها السياحية، تتمثل في مسابقات مزايين الإبل، والحرف اليدوية لمنتجات البادية عبر أسواق الربيع الصحراوية، بهدف تطوير الفعاليات والأنشطة المرتكزة على المقومات والتراث الصحراوي التليد في المملكة.

يقول حمد آل الشيخ مدير عام تطوير المنتجات بالهيئة العليا للسياحة، إن الهيئة بدأت بوضع الاسس لتنمية وتشجيع الاستثمار في انشاء النزل الريفية وهي منشآت سكنية ذات تكلفة منخفضة ومحافظة على البيئة المحيطة بها، تحقق الجذب السياحي للمناطق النائية والصحراوية مع تحقيق العائد الاقتصادي الجيد على المستثمر والمجتمع المحلي.

هذه الجهود الحثيثة لتعميق ثقافة السياحة الصحراوية في السعودية تحتاج الى فترة زمنية ليعتاد عليها السائح السعودي أو المقيم. يقول فهد السلامة وهو مسؤول قسم الرحلات بوكالة الزاهد للسفر والسياحة في جدة إن معظم وكالات السفر في السعودية تحجم عن تنظيم رحلات سياحية للصحراء السعودية لأسباب ذكر منها «عدم وجود التسهيلات أو برامج يمكن أن تشكل عامل جذب لها». إضافة الى كونها سياحة خاصة بالذكور، حيث لا تتوافر فيها الإمكانيات التي تحتاجها العائلة السعودية عند اختيارها لوجهة سفر سياحية.

وأشار الى أن سياحة الصحراء هي سياحة شتوية بامتياز، مما دعا وكالات السفر والسياحة في السعودية العمل على تنظيم رحلات صحراوية لأماكن متفرقة في العالم العربي استطاعت بالخدمات والتسهيلات والإمكانيات المتوفرة في تلك الدول أن تنافس البيئة البكر للصحاري السعودية والتنوع الفطري فيها. وعملت تلك الدول الى تحويل المناطق الصحراوية إلى منتجعات سياحية. مشيرا الى أن مدينة دبي في الإمارات العربية المتحدة تحتل المرتبة الأولى بينها بسبب وجود المنتجعات الصحراوية المهيأة بكل ما يوفر للسائح قضاء عطلة ممتعة له وعائلته.

ويرجع السلامة تزايد إقبال السعوديين على منتجع المها الصحراوي في دبي بالرغم من الكلفة العالية لقضاء ليلة واحدة يصل سعرها إلى 3000 ريال فيه الى «وجود كافة التسهيلات الفندقية بالمنتجع والكفيلة بتناسي التكلفة العالية».

وكشف أن سياحة الصحراء تلقى رواجا بين الأشخاص الذين لم يألفوا أجواءها. وهو ما دعا بتلك الدول الى تصميم برامج وعروض فلكلورية من قبل المنظمين لاستقطاب السياح. وقال «في الدول المجاورة كما هو حال صحراء سيناء في مصر تم إعداد قرية بدوية كاملة يتمتع فيها السياح بأجواء ليلة بدوية كما يطلق عليها، شاملة ركوب الجمال وعروض الفلكلور لبدو سيناء، وهو عامل جذب قوي للسفر الى هناك».

ويؤكد فهد السلامة أن السعوديين والخليجيين من هواة الصيد والقنص دائما ما ينضمون الى قائمة رحلات سفاري متجهة الى الصحاري العربية وغير العربية، بدءا من السودان مرورا بالجزائر، ليستقر بهم المقام في باكستان. وبالرغم من وجود عراقيل تتصل بالجانب الأمني في بعض هذه الرحلات إلا أنه ومن منطلق الحرية الشخصية فإن «تحديد الوجهة أمر شخصي يتعلق بالسائح». وقال رحلات السفاري للأدغال الأفريقية والصحاري العربية يقبل عليها السياح الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 30 عاما وما فوق بحثا عن المغامرة وروح الإثارة والتحدي.

يقول طارق العيسى وهو باحث في الرياضة الصحراوية «تعتبر الصحراء السعودية مؤهلة بشكل كبير لأنواع عديدة من الرياضات الصحراوية منها سباقات الرالي للسيارات ناهيك عن وجود المخيمات التي بدأ التخطيط لها بشكل جيد في غضون السنوات الأخيرة، مثل مخيمات الربيع بروضة خريم والغضا بصحراء عنيزة في الشمال السعودي، إلى جانب «ربيع النعيرية»، الذي يعد أكثرها شهرة ويقام سنويا في شرق السعودية مستقطبا سياحا من الداخل والخارج خاصة دول الخليج، بسبب موقع النعيرية الجغرافي على الطريق البري، الذي يربط بين دول الخليج وبلاد الشام، الأمر الذي يسهل الوصول اليها من مختلف دول المنطقة»..

ولأن الحديث عن الصحراء لا يكتمل الا برياضة الصيد والقنص، فإن هذه الرياضة تستقطب الكثيرين في ظل حرص منظمي المخيمات وهيئة السياحة على تنظيم مسابقات طيور الصيد الصقور التي باتت تخصص لها جوائز كبيرة ومشجعة، من دون أن تتقاطع مع الجهود الرسمية في حماية البيئة الفطرية وإنمائها.

وربما كان أشهر هذه المسابقات والجوائز ما يقام سنويا في مخيم (النعيرية)، حيث يبلغ التنافس بين (الصقارة) مداه، والدليل على ذلك هو تزايد عدد المشاركين من السعودية ودول الخليج عاما بعد آخر، حيث شارك فيها مؤخرا نحو 557 صقارا بطيورهم الأصيلة وبفئاتها الثلاث (الحر والجير والشاهين). فسحة التأمل في المدى الواسع التي تتيحها سياحة الصحراء، لعشاق الليل العابق برائحة القهوة والمتسلل اليها ضوء القمر، لم تمنع تناثر بعض الجبال والكهوف، التي كانت تحت سمع وبصر هيئة المساحة الجيولوجية. حيث شكلت عامل جذب آخر، وفتحت الطريق أمام نوع آخر من الرياضة كانت دائما حكرا على المناطق الجبلية، وهي رياضة تسلق الجبال، وقد حصرت منها هيئة السياحة ما يقارب المائة موقع جبلي كأفضل مواقع لهواة التسلق، في حين شكلت كهوف المفاجأة، وسلطان، والمربع، والكهف الصغير متنفسا للمغامرين، والبالغ عددها حتى الان 300 كهف، وتسلق الحبال نزولا الى باطن الأرض على مسافة تبلغ في بعضها نحو ألف متر. ويصف محمود الشنطي الجيولوجي بهيئة المساحة الجيولوجية هذه الكهوف من الداخل بقوله «السمة الأبرز لهذه الكهوف انها تكونت بفعل ذوبان الصخور، الأمر الذي ساعد على تشكيل منحوتات صخرية غاية في الجمال». وتأتي أهمية وجود هذه الكهوف كمعلم صحراوي سياحي، يصنف من الدرجة الثانية أمام الرمال، أهم تفصيل نسجت منه ثقافة الصحراء، والتي تحظى السعودية منها بنصيب الأسد. حيث تشكل تضاريسها الصحراوية، ثلاث من أكبر الصحاري العربية، وهي الدهناء والنفوذ و ـ بحر الرمال الكبير ـ الربع الخالي. الذي يعد أكبر فضاء صحراوي في العالم، خرجت من بين طيات كثبانه الرملية أساطير الأبطال، وحكايات كنوز جسدتها مناجم الذهب والنحاس وغيرهما من المعادن والأحجار الكريمة.

وفي حين تبدو هذه الرمال للوهلة الأولى شبيهة ببعضها بعضا، يراها المختصون بأسرار الصحراء متباينة ومختلفة بحسب أشكالها المتأرجحة بين القببية والطولية، فيما تتعانق الرمال الهلالية والنجمية لتنسج قصيدة عشق صحراوية تتغنى بجمال البادية كما أوضح الشنطي، الأمر الذي جعل منها «وجهة المكتشفين من علماء الآثار والجيولوجيا وعشاق الصحراء كونها تحتضن عددا كبيرا من الكهوف التي يغلب وجودها في شمال مدينة الرياض على بعد نحو 250 كم».