رحلة إلى كاشنغار الصينية عبر طريق الحرير

كتب حمراء ودبابيس ورايات تروي التاريخ

TT

تسعى العولمة إلى منحنا قناعة بأن الزمن الذي نعيشه الآن هو جديد حقا. ففي كل زاوية من العالم هناك تفاعل راح يحوله إلى العولمة.

وهذا واضح في المدينة الواقعة على طريق الحرير: كاشنغار، وهذه الواحة تقع في أقصى غرب الصين حيث ظلت أعداد كبيرة من الناس المختلفين تأتي معا إلى سوق أسبوعي ذي ألوان لا يمكن تصورها.

كانت تجربتي الأولى من هذا النوع على بعد أمتار قليلة من الفندق الذي نزلت فيه في نوفمبر(تشرين الثاني) الماضي. والمدينة هي غروغي التي وصلت إليها من شنغهاي حيث استغرقت رحلتي إليها سبع ساعات مع تبديل للطائرة في أورمكي العاصمة التي تعرف ازدهارا حاليا في منطقة زينيانغ أيغور التي تتمتع بالحكم الذاتي.

ولعلك تتساءل ما الذي يدفعك للقدوم إلى مدينة كاشغار، خصوصا إنها ليست الأكثر سهولة في الوصول وليست الأكثر أهمية، فبكين أو شنغهاي هما الأكثر سهولة في الوصول بالنسبة إليك والأكثر جاذبية.

لكن عنصرا واحدا يجعل هذه المدينة متميزة وهذا هو موقعها كنقطة تقاطع.

فلفترة لا تقل عن الفي عام ظلت كاشغار واحدة من أكثر مدن الأسواق الثرية التي أصبحت في الأخير تعرف بطريق الحرير. فقوافل الإبل أحيانا تمتد لأميال وهي تتقدم عبر أسوارها، حاملة معها الحرير أو التوابل والذهب والفضة بين الشرق والغرب.

وأفضل طريقة للإجابة عن سؤال السبب وراء تبرير زيارة كاشغار هو الذهاب إلى أسواقها مثلما فعلت أولا مع دليلي عبدل. وقمنا بجولتنا في قلب المدينة القديمة التي كانت ذات يوم يحميها سور عريق يمكن حتى الآن مشاهدة آثارها.

وعند ترك الشوارع العريضة في المدينة وتهبط إلى شارع على سفح هضبة يأتيك شعور غريب بدخولك إلى عالم آخر. وفي حالة كاشغار لا يتطلب الانتقال إلى الماضي إلى بضعة أمتار عن فندقك.

فجدران السور العالية ذات القرميد العتيق لها تأثير على الأفق. وهناك نجد رجالا ملتحين يتبادلون الحوار وبعضهم غارق في التسبيح مع مسبحاتهم. وهناك يمكن رؤية شخص غطت رغوة الصابون لحيته وهو جالس على كرسي أمام حلاق، ليذهب الأخير بعد ذلك في حلق لحيته بموس مستقيم.

وأمامنا تبرز مجموعة نساء يرتدين حجابا، وهو أول دليل على فهمي لقاعدة عامة في هذه المدينة: حالما تبلغ المرأة العشرين يصبح الحجاب مبدأ عاما لها. وهنا يمكن مشاهدة مسجد في كل منطقة ويبعد أحدها عن الآخر مسافة مائة متر.

قرعت باب أحد المساجد ففتحه شخص ملتح ثم بادر إلى تحيتي. وهو مؤذن المسجد وحارسه، وجلس معنا لمدة ساعة، حيث قدم لنا شايا ثم أشعل السراج وسط قاعة الصلاة المعتمة. وكشف الضوء قرميد الكاشاني الجميل خطوط الآيات القرآنية فوق المحراب وترك انبهارنا بالمشهد سرور ورضا مضيفنا.

عند نقطة تقاطع في الشارع الذي عدنا إليه بعد زيارتنا للمسجد، رأينا رجالا مشغولين في نقاش حي. ولا أعرف إن كان هناك حادث ما لكنني أخبرت أنهم يتهيئون لتنظيم حفل زفاف.

وعند نقطة استدارة الطريق كان هناك مخبز حيث كانت أقراص الخبز مفروشة على شبكة حديدية كي تبرد بينما وقف عدد من النساء المشاركات في العرس وهناك يتحاورن فيما بينهن.

حينما استدرت إلى زاوية أخرى في الشارع وجدت ولشدة دهشتي أن ستالين ما زال حيا. أو على الأقل تلك الحلي التي تحمل صوره. وفي شتى أنحاء الصين يمكن للمرء أن يشاهد تذكارات لماوتسي تونغ تعود إلى فترة الثورة الثقافية، وهذه تتراوح ما بين الكتب الحمراء والدبابيس والرايات. وهنا داخل دكان يبدو كأنه فجوة في جدار وضع صاحب المحل بوسترا لستالين وهو يرسم ابتسامة واسعة. وهذا البوستر يذكّر بطبيعة المنطقة من الناحية الجغرافية.

ومثلما هو الحال مع أي مخفر أمامي على طريق الحرير كانت مدينة كاشغار هي خط الفصل ما بين روسيا وبريطانيا من حيث النفوذ والسلطة في وسط آسيا. وكانت القوى المتنافسة قد اختارت كاشغار باعتبارها واحدا من المواقع المتقدمة للتحاور ما بين أفغانستان والهند والصين والجزء الإسلامي من الامبراطورية الروسية ومن هنا كان الجواسيس والدبلوماسيون ينطلقون من قنصليات الدول المتنافسة.

* خدمة «نيويورك تايمز»