«عين أسردون» المغربية ملهمة الشعراء والسياح

تتكلم جميع لغات العالم

TT

«عين أسردون» أحد المزارات السياحية الرائعة التي يقصدها آلاف السياح المولعين بالسياحة الجبلية والماء والخضرة والظلال الوارفة. وتعني كلمة «عين أسردون»، باللهجة الأمازيغية المتداولة في المناطق القريبة من جبال الأطلس المتوسط «عين البغل»، وهو اعتراف من سكان هذه المناطق الجبلية بالدور الذي تؤديه البغال في حياتهم اليومية، فحتى أقوى السيارات لا يمكنها أن تخترق شعاب الجبال الشامخة مثلما تفعل البغال ذات العيون الصافية تماما مثل صفاء ماء «عين أسردون».

وتحكى الكثير من الأساطير والقصص المنسوجة حول العين التي تنبع من تخوم الجبل، فتسقي الأرض والعباد وتنشر الخضرة في كل مكان.

يقف زائر «عين أسردون»، مشدوها بالجمال الذي أنعم به الخالق على المكان، حيث العيون الرقراقة والسواقي والشلالات الجارية والماء الزلال والأشجار الوارفة الظلال، فتغمره السعادة وينشرح صدره، ويخالجه شعور عابر بأنه يعيش تفاصيل الحياة الأولى التي لم يتدخل فيها البشر كثيرا.

ويقع المنتجع على ربوة صغيرة حيث العين في الأسفل وبقربها تمتد حدائق ساحرة زينت بالكثير من أنواع الأزهار والورود والأشجار والنباتات الطبيعية الرائعة، وتجري الينابيع المائية في المنحدر مخترقة بساتين الرمان والزيتون في شكل بديع يعجز الوصف عن النفاذ إلى أعماقه.

وتتميز العين بماء عذب يخرج من بين صخور بلورية في أسفل أحد جبال الأطلس، التي تكسو قممها الثلوج بكثافة، خاصة في فصل الشتاء. وفي موسم الصيف تذوب، فتعطي للفضاء سحرا نادرا وأجواء فريدة عندما يوشحها الضباب.

ومن أسرار «عين أسردون» أن ينابيعها لا تنضب منذ أن وجدت رغم أن المنطقة عرفت سنوات متتالية من الجفاف، وهو ما يجعلها في نظر الكثيرين إحدى العجائب السياحية الجميلة في المغرب.

وتقع العين في أسفل الجبل، في حين توجد في القمة بناية تاريخية قديمة مشكلة على الطراز التقليدي الأصيل وتسمى «قصر ملال» وتعود إلى أحد وجهاء المنطقة القدامى، والذي كان يستعملها (البناية)حصنا ضد الأعداء ومكاناً للتعبد. ويقف القصر بجدرانه الطينية، كمعلمة شامخة تتحدى الزمن فواحة بعبق التاريخ و الحضارة المغربية، والتي يقف بجانبها دائما العشرات من السياح متأملين منظر مدينة بني ملال (شرق الرباط) من عل حيث الشفق يلبس رداءه الأحمر أثناء الغروب، وتشعل أضواء المدينة التي يخلط سكانها في حديثهم بين العربية والأمازيغية، في حين تتكلم «عين أسردون» جميع لغات العالم. ووسط أشجار الحدائق المحيطة بـ«عين أسردون» ينتشر باعة بسطاء يطهون طواجين مغربية باللحم أو الدجاج، وبينما تنهمك النساء في إعداد هذه الوجبات المغربية الأصيلة يرسل الأطفال إلى قرب العين من اجل استقطاب الزبائن معتمدين في ذلك على نظراتهم البريئة وكلماتهم المتعثرة التي عادة ما تضحك السياح وتجعلهم يتعاطفون مع الصبية ويتبعونهم بضعة أمتار قبل أن يصلوا إلى مكان الطهي في العراء وتخترق أنوفهم رائحة الطواجين المشهية التي أعدت بأيدٍ أمازيغية وبأسعار بخسة. ويشكل الفضاء محطة خصبة للتعريف ببعض العادات والتقاليد الامازيغية وكذا لبيع بعض الصناعات التقليدية اليدوية التي يعشق السياح اقتناءها للاحتفاظ بها في منازلهم لتذكرهم بين الفينة والأخرى بتلك اللحظات الجميلة التي عاشوها بقرب «عين أسردون».

واشتهرت هذه العين بكونها ملهمة الكثير من الشعراء المغاربة والأجانب الذين أوحى لهم خرير مائها بأعذب القصائد، إذ تغنوا بصفاء مائها وطبيعتها.

وعُرفت على مدار سنوات طويلة مرتعا سياحيا للعائلات التي تفر من حرارة فصل الصيف، حيث كانوا ينصبون خيامهم ويعيشون حياة أشبه بالبدائية تنسيهم صخب المدن الكبرى وضجيجها الذي يشد أعصابهم طيلة السنة. كما يقصدها الشباب المغامر من أوروبا الذي تجتذبه جبال الأطلس بشموخها وصلابتها وكرم سكانها وطيبتهم التي تمحو من ذاكرتهم قساوة الطقس والحياة في البلدان الغربية. وتستعد «عين أسردون» للتحول إلى منتجع سياحي جذاب بفضل مشروع تهيئة متنزه «تامكنونت»، الذي سيربط العين بوسط مدينة بني ملال، ليشكلا مداراً سياحيا يكشف جزءا من اسرار جمال المنطقة وتاريخها والخيال الأخضر الذي ظلت تثيره عند البعيدين عنها، وهو ما تمثل «عين أسردون» أحد عناوينه الجميلة والمتألقة ويجعلها تنافس شلالات «أوزود» الشهيرة بالمغرب ولِمَ لا شلالات نياغرا.