وكالات السياحة تتنافس لجعل السفر في متناول الجميع

التسهيلات أفرغت الغربة من وحشتها

TT

لم يعد السفر ذلك المشروع الكبير أو ذاك الحلم التعجيزي، الذي يتطلب من الانسان سنوات من الكد والتعب لجمع مبالغ طائلة للقيام به. ولم تعد مغادرة الديار بداعي العمل تعني بالضرورة ألم الغربة والوحشة. فظروف السفر في لبنان كانت مرتبطة بالهجرة، حتى ان أعداد المغتربين اللبنانيين وأولئك المتحدرين من أصول لبنانية تفوق أعداد المقيمين. وفي كل مرة كان يتوجه فيها المسافر الى المطار، كان يهب كل أفراد العائلة والاقارب والاصدقاء لمرافقته لتتسنى لهم رؤيته، ذلك ان الموعد المقبل للقاء قد يكون بعيدا، أو أنه قد لا يكون بتاتا. فمشهد الوداع بالدموع دخل اليوميات اللبنانية منذ قرون، ولم يفارقها الا أخيرا، بعدما أصبح السفر في عصرنا، أشبه بركوب سيارة للأجرة للانتقال من مكان الى آخر، لا بل أكثر من ذلك، فسهولة الانتقال من بلاد الى أخرى وما يرافقها من تطوّر في وسائل الاتصال أفقدت الرحيل هالته المريبة وجردته من أشواك الابتعاد وما يولده من حنين الى الارض والاهل.

فتلك الاتصالات الهاتفية بين المغترب وذويه، وهي عادة ما تكون متقطعة بالغصات والدموع وكلمات التشجيع، أصبحت من الصور التقليدية، إن لم تكن صورا شبه غابرة، ذلك ان تطوّر وسائل الاتصال خفّض ثمن المكالمات وقرب المسافات. وفي هذا المجال اضطلعت شبكة الانترنت بدور محوري جعلها الرائد في هذا المجال، ذلك انها تكفل الاتصال السريع وبأقل كلفة ممكنة. ومع شيوع هذه الوسيلة تراجع تبادل الرسائل البريدية، التي تتطلب أياما للوصول، حتى انها انتفت في بعض الحالات. كما ان العولمة وما ولدته من انفتاح بين الدول والقارات، أوجدت لدى عدد كبير من الناس فضول المعرفة والاكتشاف، وجعلت العالم قرية صغيرة. فلم يعد هناك من مكان بعيد أو ناء، إضافة الى ان بث الريبورتاجات المتلفزة، التي تعرض بيئات وأماكن سياحية مختلفة، حفز الناس على زيارة معالم جديدة خارج حدود بلادهم. حتى ان السفر أصبح من الاولويات الرائجة جدا لدى عدد كبير من الشبان والشابات بعد دخولهم سوق العمل. هذا الاقبال على السفر في الاعوام القليلة المنصرمة استدرج شركات الطيران ووكالات السفر الى تقديم عروض تنافسية، الى حد جعل بطاقات السفر ذات أسعار معقولة جدا ومعها أصبح السفر في متناول جميع الفئات والاعمار. فقد أصبحت زيارة القريب أو الصديق من المحطات السنوية شبه التقليدية في حياة من لديهم مغترب. وفي ظل هذا الواقع شهد القطاعان الجوي والسياحي نموا كبيرا، حتى ان بعض الشركات خفضت ثمن التذكرة الى نحو 100 دولار للرحلات القصيرة، مقابل إلغاء وجبة الطعام، استجابة منها لحاجات بعض المسافرين الذين يفضلون السفر بأرخص كلفة ممكنة. وهكذا اصبح التنقل بين بعض الدول العربية مثلا متاحا أمام الجميع. في هذا المجال، تحدث الى «الشرق الاوسط» اللبناني جورج شديد، الذي يقطن الكويت منذ نحو 10 سنوات، فقال ان الغربة أصبحت أسهل من السابق، لا بل ان مفهومها بالنسبة اليه اختلف، ذلك انه يبقى مطلعا على كل ما يجري في لبنان عبر الاتصال اليومي بذويه وكذلك عبر الانترنت والفضائيات الاخبارية، التي تتيح له معرفة الاخبار لحظة بلحظة. وقال: في السابق كنت أكتب الرسائل وأسجل شريطا صوتيا لأرسله الى أهلي في لبنان. أما اليوم فلا حاجة الى ذلك فالمخابرات أصبحت أسرع وأقل كلفة وتذاكر السفر كذلك. ولفت الى ان أساليب الوداع اختلفت أيضا: في الماضي كنت أحمل معي أطباقا لبنانية وفاكهة وخبزا ومؤونة، أما اليوم فالمحال المتخصصة ببيع الأطباق اللبنانية والجمعيات التي تعنى ببيع المؤونة أصبحت متوافرة في كل الدول تقريبا، فلا أحتاج الى شيء. كما انه بفضل العولمة أشعر بأن الكويت لا تختلف كثيرا عن لبنان، خصوصا لناحية الأسواق التجارية وسلسلة المطاعم.

كذلك أثنى على الموضوع الدكتور جورج الحاج، الذي توجه الى فرنسا قبل أعوام ليتابع تخصصه في طب الاسنان. وحاليا يمضي وقته متنقلا بين لبنان وفرنسا فتحول السفر بالنسبة اليه الى روتين غير سهل، لان توضيب الحقائب واجراءات المطار متعبة. وقال: أسافر شهريا لامضي أسبوعا من العمل في فرنسا، فضلا عن السفر الى دول أخرى لحضور مؤتمرات علمية. حين أسافر الى فرنسا أحضر معي من لبنان بعض الهدايا لاصدقاء فرنسيين، إنما سابقا كنت آتي مرة في السنة الى لبنان وأعود الى فرنسا محملا بالاطباق اللبنانية والحلويات العربية والبن والنقولات. كما كان عدد كبير من الأهل والأصدقاء يرافقونني الى المطار، أما الآن فأصبح الامر مختلفا. لقد أعتاد الجميع على فكرة تنقلي المستمر.

أما الشابة سمر شهاب فتقول إن «السفر كان من أول المشاريع التي كنت أطمح الى تنفيذها ما إن بدأت العمل. وهكذا أحرص دوما على تمضية اجازتي في مكان ما خارج البلاد، لانني أحب الاطلاع على ثقافات جديدة والاختلاط بالناس والتعرف الى عاداتهم. والامر بخلاف ما هو شائع لا يكلف الكثير من المال».

المسؤول في شركة نخال للسياحة والسفر، اللبناني ادوار مفرّج تحدث لـ«الشرق الاوسط»، عن التسهيلات التي درجت الشركة على تقديمها منذ بضعة أعوام، فقال: إننا نقدم للراغبين في السفر تسهيلات في طرق الدفع. فإذا كانت قيمة الرحلة تبلغ ألف دولار يمكنه أن يسددها على دفعات شهرية تبلغ 180 دولارا من دون فوائد. وأضاف: هناك رحلات التشارتر (charter) التي تسمح لنا بتقديم أسعار تشجيعية جدا للمسافرين. هذه الخدمة لم تكن موجودة في لبنان قبل عام 1995. وتطرق الى التنافس الكبير بين وكالات السفر والسياحة قائلا: «هناك عوامل مختلفة تزيد رصيدنا لدى الناس وأولها الثقة. فعروضنا واضحة أي حين نحدد سعرا يكون من ضمنه ثمن التذكرة ومصاريف الاقامة في الفندق والتنقلات بين المطار والفندق، إضافة الى مرافق للمجموعة في الرحلة. كما إننا نتصل بالمسافر بعد عودته لنتأكد من استمتاعه بالرحلة». ولفت الى ان اعمار المسافرين تغيرت والفئات كذلك. نشهد مجموعات من الفتيات يسافرن معا وهذا لم يكن شائعا في السابق. أصبحنا نقدم عروضا خاصة بالشباب، الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و28 سنة. هؤلاء هم طلاب جامعات وشباب دخلوا سوق العمل حديثا ويريدون زيارة أماكن جديدة إنما غير باهظة، ويبحثون عن مناطق تضج بالحياة والسهر. هذه الفئة لا نرسلها الى الاماكن التي تسافر اليها العائلات أو الازواج المتقدمون في السن أو المتزوجون حديثا، لانهم لن يمضوا اجازة سعيدة. فئة الشباب تريد زيارة مطاعم وأسواق ونواد ليلية. أما الفئات الاخرى فنوصيها بالرحلات البحرية، حيث الاجواء هادئة، وفي حال اختيار الطائرة تكون الوجهة مختلفة فيبحثون عن معالم سياحية ومطاعم ملائمة للأجواء العائلية. وأشار الى أن شبكة الانترنت ساعدت كثيرا على تسويق عروض السفر، فأحيانا يكون الزبون مطلعا على الاماكن السياحية ويعرف ما يريد من زيارته.