مدينة أوكسفورد وروح العراقة الإنجليزية

سياحة بين ثنايا الكتب وجدران الجامعات

TT

كان متحف أوكسفورد الأول نوعا من رفوف تثير الفضول (أسنان الفيل، وعظام سمك المنشار)، وقد عرفت بـ Tradescant"s Rarities وعرضت في ثلاثينات القرن السابع عشر، ثم وضعت في وقت لاحق في متحف المدينة الثاني، الذي يحمل اسم (أشموليان). وفي أواخر القرن التاسع عشر شيد متحف بيت ريفرز، وفيه قاعة حجرية من الطراز القوطي الجديد لا تشبهها قاعة اخرى في أي متحف، وفيها حشدت كنوز قبلية من مختلف انحاء العالم. فهناك محافظ لرؤوس منكمشة، وقوارب تجديف صغيرة ذات تصاميم مختلفة، وهي معلقة من السقف، وعدد لا يحصى من الفؤوس والمجارف والأقواس والسيوف والأنابيب والأحذية وأشياء أخرى كثيرة، موضوعة في صناديق زجاجية وكابينات ونوافذ عرض. كما نجد في المبنى عددا كبيرا من تعويذات الجوجو للعالم المعروف، وقد جمعها فكتوريون، بينما كانوا يسافرون في امبراطوريتهم الهائلة وخارجها.

ولكن حتى هذا المتحف لا يشكل شيئا مقارنة بالكنوز، التي تثير الفضول، والتي هي أوكسفورد ذاتها. فقد تأسست الكليات الثلاث الأقدم في اواسط القرن الثالث عشر، بالي ميرتون، ويونيفرسيتي، (التي درس فيها بيل كلينتون) وفي منتصف القرن السادس عشر تأسس الكثير من الكليات الـ 39 الأخرى. وكانت النتيجة وما تزال معمارا حجريا مزدحما في مساحة ميل مربع، مليئا بأبراج وأجزاء مزينة بنقوش، ومحاطة بباحات مربعة وممرات وكنائس وقاعات.

وداخل جدران المدينة، التي تعود الى العصور الوسطى، وقد ضاع الكثير منها. ووسط متاهة المعمار القوطي هناك رسوم بوتيشيلي وأوسيلو وفرانز هالز. وهناك اسطرلابات قديمة من العالم العربي، والغرفة التي جرى فيها احتساء اول فنجان قهوة في انجلترا (عام 1637 في باليول)، ودار الاجتماعات التي التقى فيها برلمان تشارلز الأول، خلال فترة الحرب الأهلية. فضلا عن اواني الفضة والزجاج الجميلة، التي كانت تستخدم في ولائم الكلية، وهي مما لا يمكن العثور عليه في أي قصر ملكي أو امبراطوري. بناية جميلة اثرية أخرى، وكلها مشيدة من أحجار كوتسولد الرملية، التي تغير الوانها تبعا لتغير الضوء. ويمكن للمرء ان يضيع هنا وينسى ان هناك في الزمان قرنا غير السادس عشر، الا اذا توجه الى الشارع الرئيسي العام، الذي يعد بانحنائه الشفاف من اجمل شوارع العالم.

وعندما يأتي المرء من محطة القطار، فان اول موقف هو الباحة المربعة لكلية وورسستر بمرجه الخفيض وشريط يبدو مثل أكواخ حجرية من الطراز القوطي في جانب واحد، ويواجه مبنى من الطراز الكلاسيكي الجديد في الجانب الآخر.

وبينما يواصل المرء سيره صاعدا في شارع بيمونت القصير والمهيب باتجاه المركز، يمكنه ان يلقي نظرة سريعة على شارع سانت جون، حيث يوجد صفان بسيطان من بيوت القرن الثامن عشر مشيدة من الحجر الرملي ذي الألوان الجذابة.

وقد عاش هنا عدد من مشاهير الكتاب بينهم جي. تولكين وسي. لويس وكانوا معتادين على اللقاء في مقهى ايغل آند تشايلد الواقعة في الزاوية. ومنذ ثلاثينات القرن الماضي وحتى الستينات كانوا يلتقون مع أصدقائهم اسبوعيا في جلسات مميزة. وفي متحف أشموليان، حيث يلتقي بيمونت وسانت جايلز يمكن للمرء صعود السلالم الى قاعة النهضة الايطالية لرؤية أعمال مانتيغنا وبليني وأوسيلو وعمله الشهير الموسوم بـ«صيد في الغابة». ونزولا الى شارع ماغدالين ثم شارع برود، حيث نجد ثلاث كليات وصفوفا من محلات القرن الثامن عشر، وننتهي الى مسرح شيلدونيان بقبته البيضاء المميزة والتماثيل النصفية للأباطرة الرومان.

وعندئذ يصل المرء الى قلب أوكسفورد، حيث الكنوز المنتشرة في كل مكان. فهناك الحجرة الوردية المشيدة من الحجر في باحة مكتبة بودليان المربعة. وهناك جسر الآهات الحجري فوق شارع الملكة، وغرفة رادكليف المستديرة التي يبلغ ارتفاعها 90 قدما، التي تذكر المرء بفلورنسا عصر النهضة.

واذا صادف وجود المرء في المدينة يوم الأربعاء، خلال الفصل الدراسي، فان هناك عزفا على الأرغن في كوينز كوليدج في فترة الغداء، والدخول الى هذه الفعاليات الموسيقيه في الكنيسة الصغيرة ذات الطراز الروكوكي مجاني.

وباتجاه شارع برزينوز وحتى كوفرد ماركت، يجد المرء الجواب على سوق اوكسفورد، المليء بالأشياء الجذابة وباعة الزهور والقهوة والتجار والقصابين، الذين يعرضون بضائعهم المختلفة، فضلا عن باعة الأكشاك. ويمكن للناس الموجودين في هذا الحشد أن يرشدوك الى افضل محلات بيع السندويتشات. وفي نيو كوليدج نجد صفوف اشجار البلوط القديمة، وأسراب ماغدالين من الأيائل، وحديقة كوربوس كريستي البرية عند جدار المدينة القديم، حيث كل ما يراه المرء هناك يعود بتاريخه الى ما لا يقل عن 500 سنة. وتشبه مكتبة ميرتون سفينة محورة في مبنى موب كواد الرباعي، وهي اقدم مكتبة أكاديمية في العالم، حيث تأسست عام 1373. كما يمكن للمرء ان يستمتع بمشاهد الكنائس والقاعات وقنوات المياه الحجرية. وهناك تلك الوفرة من الأشجار التي جعلت أوكسفورد شبيهة بغابة من الجو ودفعت الشاعر الفرنسي مالارميه الى التشكي من «المرض الأخضر» لأوكسفورد، وأشجار السنديان في مرج كنيسة يسوع وأشجار الصفصاف على امتداد الأنهار واشجار الصنوبر المتوسطية المصطفة في باحة مربعة خلف يونفيرسيتي كوليدج، أمام فيللا مشيدة من الجص الأبيض، مثل آيس كريم على وشك الذوبان. وفي خاتمة المطاف ما الذي يمكنك ان تفعله ازاء هذه المدينة، غير التعبير عن الثناء والمديح لكل هذا الجمال الجذاب.

* خدمة «نيويورك تايمز»