في مرسى مطروح: لازم تحب الاتنين سوا «الميه والهوا»

شواطئ برائحة النعناع وبذور اللب المحمص وذكريات الفن والحب والحرب

حمام كليوباترا.. مقصد السياح من كل حدب وصوب
TT

ما بين رائحة النعناع ورائحة بذور اللب المحمص، وما بين عبق الريحان النابت في الصحراء ونسيم اليود القادم من البحر، تقبع مدينة مرسى مطروح برمالها البيضاء والواقعة على ساحل البحر المتوسط بالقرب من الحدود المصرية الليبية وعلى بعد 490 كيلومتراً غرب القاهرة، والتي تزداد جمالاً بمرور الزمن عليها تماماً كحبات اللؤلؤ التي تزيد قيمتها بمرور الوقت. وهو ما تسبب في زيادة الإقبال عليها الى الحد الذي بلغ عدد زائريها هذا العام ما يقرب من 2 مليون سائح. جاءوا ليستلقوا على رمالها البيضاء غارقين في ذكريات الفن والحرب والغرام. مرددين أغنية الفنانة ليلى مراد الشهيرة: "يا ساكني مطروح جنيَّة في بحركم.. الناس تِيجي وترُوح وأنا عاشقة حيّكُم".

وتعد مرسى مطروح من أكبر محافظات مصر، حيث تبلغ مساحتها نحو 166 ألف كيلومتر مربع، أي نحو 20% من مساحة مصر الكلية، وتمتد 61 كيلومترا غرب الإسكندرية، على ساحل البحر الأبيض المتوسط، حتى الحدود المصرية الليبية، في شريط ساحلي مقداره حوالي 450 كيلومترا، وعمق قدره 400 كيلومتر إلى الجنوب. وتحمل شواطئ مرسى مطروح أسماء عدد من الشخصيات والأحداث التاريخية المهمة. من بينها "شاطئ الغرام" الذي يحمل اسم الفيلم السينمائي الذي صوَّره فيه المخرج هنري بركات عام 1950 وقامت ببطولته الفنانة ليلى مراد وحسين صدقي وتحية كاريوكا. ويقع على الضفة الأخرى من الكورنيش الرئيسي للمدينة. وتوجد عليه صخرة تحمل اسم "صخرة ليلى" وهي صخرة جلست عليها المطربة ليلى مراد أثناء أدائها لأغنية "باحب اتنين سوا يا هنايا بحبهم الميه والهوا". شاطئ آخر من شواطئ مرسى مطروح يحمل بين طياته عبق التاريخ الممزوج بالسحر والجمال والغموض أيضاً. ذلك هو شاطئ كليوباترا الذي يقع على بعد نحو 5 كيلومترات إلى الشمال الغربي من مدينة مرسى مطروح، وتعود تسميته بهذا الى قصص مبهمة عن ملكة مصر "كليوباترا" ذات الجذور البطلمية، والتي انتحرت عام 1930 قبل الميلاد، وعمرها 39 عاماً بعد قصة حب مع القائد الروماني أنطونيو. ويوجد في هذا الشاطئ تشكيل صخري مغلق من الجانبين ومن أعلى، تمر من جانبيه الآخرين مياه البحر متجددة مع كل حركة للأمواج، ويعرف باسم "حمَّام كليوباترا" حيث اعتادت الملكة الحريصة على المحافظة على جمالها، على النزول في تلك المياه يوميا لأخذ حمام في مياه البحر الدافئة. وحتى يومنا هذا، نجد بعض الفتيان والفتيات يغامرون باجتياز الصخور الزلقة والأمواج، للوصول لـ"الحمَّام" الخاص بالملكة المصرية. ومن هناك تدرك أن حراسها وخدمها كانوا يتلصصون عليها من خلف الكثبان الرملية والمرتفعات الصخرية.

هناك أيضاً شاطئ رومل الذي يحمل اسم القائد الألماني الشهير أروين رومل-1891 -1944- الذي قيل إنه اختبأ داخل نفق هناك بالقرب من الشاطئ بعد خسارة ألمانيا ودول المحور حرب العلمين التي انتصر فيها الإنجليز والحلفاء. وتحول النفق لمتحف به متعلقات عسكرية لقادة وجنود جيش المحور. منها بزة عسكرية لـ"رومل" وملابس وأسلحة لجنود ألمان. هناك أيضاً شاطئ باجوش وهو عبارة عن خليج في المياه ويعتبر من أجمل الشواطئ ويبعد عن مدينة مطروح بنحو 48 كيلو مترا شرقا. وشاطئ الأبيض الذي يبعد عن مرسى مطروح بنحو 18 كيلومترا غرباً ويمتاز برماله البيضاء.

روايات تاريخية تقول إن جَمَال شواطئ مرسى مطروح لفتت انتباه الإسكندر الأكبر عند دخوله مصر سنة 332 قبل الميلاد، فأمر ببناء ميناء بحري بها وحفر آبار لزراعة شريطها الساحلي بالقمح. وما زالت تُكتشف بين الحين والآخر آثار من أيام "الإسكندر"، خاصة بالقرب من الشواطئ التي تحمل أسماء مشتقة من اسم الإمبراطورية الرومانية، مثل "شاطئ الرُّومان"، و"شاطئ عالم الرُّوم"، شرق مرسى مطروح وغربها. وفي السنوات الأخيرة أقيم في مدينة مرسى مطروح وحولها العديد من المشروعات السياحية الضخمة، بدأت بسلسلة الشقق المصيفية والألعاب المائية التي أقامتها شركة أندلسية، وانتهت بإنشاء أول فندق سياحي من درجة سبع نجوم"Sol Y Mar Almaza Beach Resort"، وهو عبارة عن منتجع يطل على خليج صغير قبل مدينة مرسى مطروح بنحو 37 كيلومتراً أقامته واحدة من الشركات السياحية الكبرى المتخصصة في الفندقة والمنتجعات الترفيهية. وتم التنبه عند إقامته قبل نحو عامين الى إضفاء لمسات منطقة البحر المتوسط على تصميمه، سواء من حيث طراز المباني ورحابة الغرف ومراسم الضيافة والاحتفاء بالزوار..هذا إلى جانب العديد من الألعاب المائية، وحفلات السمر وغيرها.

ويمكن لزائر مرسى مطروح أن يمضي عدة أسابيع سائحاً بين العديد من المعالم الشهيرة، ومنها متحف العلمين الحربي الذي يضم بين جنباته آخر معالم المواجهة الفاصلة بين الحلفاء والمحور في شمال إفريقيا، وهي المعركة التي تجلى فيها جنون هتلر وانصياع رومل لأوامره. يمكن أن تقرأ هناك باللغة الألمانية استغاثات رومل بزعيمه النازي. ومنها ما يقول له فيها: "هل نتراجع؟ الذخيرة قاربت على النفاد". ورد هتلر:"قاتل حتى آخر رصاصة". فيستنجد رومل: "الجنود يتساقطون في الميدان"، فيرد هتلر:"قاتل حتى آخر جندي". وهو ما حدث. ففي جنوب متحف العلمين يرقد الآلاف من الجنود معظمهم من الألمان والإنجليز في مقابر جماعية تعرف باسم مقابر "الكومنولث" بها 7367 مقبرة، بالإضافة الى 11.945 اسما لجنود لم يعثر على أشلائهم. وعلى بعد عدة كيلومترات في الصحراء تنتشر علامات تحذيرية من الألغام التي زرعها أولئك الجنود في الحرب وما زالت تمثل خطراً في تلك المنطقة. في ذات المنطقة يمكنك مشاهدة وزيارة متحف العلمين الذي يضم بقايا الذخائر والدبابات المتبقية من حرب العلمين. ويزور المتحف سنوياً آلاف السائحين من المصريين والعرب والاجانب.

وعلى بعد نحو 300 كيلومتر إلى الجنوب من مدينة مرسى مطروح يقصد السياح، وغالبيتهم من أوروبا وأمريكا الشمالية، واحة سيوة التي تعرف في التاريخ الفرعوني باسم "واحة آمون"، والتي قصدها الإسكندر الأكبر عند غزوه مصر للحصول على رضا المصريين. وفوق صخرة أغورمي، بالواحة، يوجد أيضاً المعبد الذي شيده آخر ملوك الفراعنة "أمازيس". وبالإضافة إلى طابعها الفرعوني المثير للخيال، تنتشر في واحة سيوة، الواقعة في عمق صحراء قاحلة، العديد من البحيرات الصغيرة، بسبب انخفاضها عن مستوى سطح البحر، ولوجودها فوق خزان مائي هائل، حيث تنطلق المياه العذبة مندفعة من باطن الأرض في نافورات طبيعية تخلب الالباب. وتعتبر الواحة من أهم واحات الاستشفاء في مصر، ويقصدها مصريون وعرب لدفن أجسادهم في رمالها الساخنة للشفاء من أمراض الروماتيزم.

كما تشتهر مرسى مطروح بسياحة السفاري في مناطق الكثبان الرملية المترامية بمنطقة سيوة وكذا العيون التي تمتاز بدفء مياهها والتي تحيط بها مناطق ذات طبيعة خلابة وأشجار ونخيل مثمرة مما يشجع على إقامة المخيمات السياحية بهذه المناطق الساحرة، كما ان دروب ومدقات الطرق استهوت المغامرين من راكبي السيارات، فتقام في منطقة الكثبان الرملية في صحراء سيوة سباقات الراليات والتي تلقى اهتماما عالمياً.

بالإضافة الى كل هذا، تقع القرى السياحية الشهيرة على الساحل الشمالي الغربي في مصر داخل النطاق الجغرافي لمحافظة مطروح، ومنها قرى "مارينا" و"مراقيا" و"ماربيا" وغيرها، وهي القرى الساحلية التي صارت مقصد الاثرياء من المصريين والعرب. وقد تم إنشاء تلك القرى في فترة الثمانينات والتسعينات، في محاولة لجعلها البديل الاقرب الى البحر المتوسط لسكان القاهرة من مدينة مرسى مطروح. حيث تبعد عن العاصمة المصرية ومدن الدلتا بمسافة نحو 300 كيلومتر فقط، بينما لا تزيد المسافة بين الإسكندرية وتلك القرى عن نحو 40 كيلومتراً.

الوصول إلى قرى الساحل الشمالي ومدينة مرسى مطروح يتم عبر السيارات الخاصة وباصات السوبر جيت عبر الطريق السياحي الدولي الذي يربط شمال مصر بحدودها الغربية مع ليبيا.. وتستغرق الرحلة من القاهرة الى تلك المنطقة نحو 5 ساعات في المتوسط، ومن الإسكندرية حوالي 3 ساعات.. أما أسعار الحافلات المكيفة فلا تزيد عن 60 جنيهاً للفرد، من القاهرة، ونحو 30 جنيهاً من الإسكندرية. في حين لا يستغرق زمن الرحلة بالطيران الداخلي من العاصمة المصرية إلى مطار مدينة مرسى مطروح إلا نحو 40 دقيقة..ويبلغ متوسط سعر التذكرة حوالي 500 جنيه ذهاباً وإياباً.