مطاعم مراكش لا تغلق أبوابها نهاراً في رمضان

سياحها يتجنبون التدخين والطعام في الأماكن العامة

مأكولات لذيذة ومتنوعة في الهواء الطلق في ساحة الفناء («الشرق الاوسط»)
TT

حلَّ شهرُ رمضان، بالمغرب، هذه السنة متزامناً أو مترافقاً مع مجموعة من الأحداث والمواعيد المهمة، كان أولها الانتخابات التشريعية، ثُم الدخول المدرسي والجامعي، فضلاً عن أنه يأتي في ختام عطلة صيفية استغلها جزء كبير من المغاربة في الترويح عن النفس والاستجمام.

وإذا كانت الانتخابات التشريعية حدثاً استدعى الاهتمام والمتابعة، فإن الدخول المدرسي والجامعي ظل يشكل على الدوام عبئاً إضافياً يثقل جيوب الآباء، وذلك بالنظر إلى ما يتطلبه من مصاريف وأعباء مادية.

ومن عادة المغاربة أن يتعاملوا مع الشهر الكريم بكل ما تتطلبه المناسبة من فرحة ترحيب واستعداد، كما أن استقباله والاحتفاء بمقدمه لا يختلف في كثير من طقوسه بين سائر جهات ومناطق المغرب.

وما إن تتأكد رؤية الهلال، حتى يتبادل المغاربة التهاني بمقدم الشهر الكريم. ولا يكتفي المغاربة بالتهنئة المباشرة، بل صاروا يوظفون التكنولوجيا الحديثة، كالهواتف أو الرسائل الهاتفية.

وفي أسواق مراكش، كما في بيوتها، مثلاً، تزداد، قبل أيام من دخول رمضان، حالة التأهب، حيث يصير المراكشيون أكثر لهفة لإعداد وشراء كل ما يتطلبه الشهر الكريم والاستعداد له، من أوان وحلويات وفواكه جافة، وغيرها.

وتتميز مدينة مراكش عن باقي مدن المغرب بأنها لم تعد مدينة عادية، نظراً لمجموعة من العوامل، لعل أبرزها تحولها، قبل سنوات، إلى مدينة سياحية، يقصدها زوار من مختلف الجنسيات والديانات والأعراق، سواء للزيارة أو للاستقرار النهائي.

ولأن للسياحة متطلباتها وللاستقرار بالمدينة أسئلته، التي تستدعي واجب التمعن في الفروقات الثقافية والحضارية بين "السكان الأصليين" و"السكان الجدد"، فإن شهر رمضان يشكل، بامتياز، لحظة مهمة لقياس مدى تأقلم مدينة يوسف بن تاشفين مع ما يتطلبه توجهها السياحي على مستوى تلبية انتظارات الزوار و"المقيمين الجدد"، من أكل وشرب ووسائل ترفيه.

ويدرك المراكشيون أهمية السياحة وأثرها في تنمية مدينتهم وإشعاعها، لكنهم يحرصون على الاحتفاء بمقدم شهر رمضان، وجعله أولوية في الحديث والاهتمام، طالما أن همهم هو أن يكون الشهر الكريم فرصة متجددة للتقارب وصلة الرحم.

ويقول يوسف، وهو نادل يعمل بمطعم "مبروكة"، الموجود في ممر البرانس القريب من ساحة جامع الفنا، "إن معظم رواد المطعم هم سياح أجانب من دول غير إسلامية، لذلك يفتح أبوابه بشكل عادي خلال شهر رمضان، محترماً توقيت الوجبات من إفطار صباحي وغداء وعشاء، كما أن هناك مطاعم ومقاهي، تشتغل خلال هذا الشهر مقدمة خدماتها للأجانب". وأضاف يوسف، الذي كان يتحدث مع "الشرق الأوسط"، قائلاً "إن كثيراً من الأجانب يجدون حرجاً في التدخين أو تناول وجبة غذاء أو ارتشاف مشروب، في وقت يكون فيه المغاربة الصائمون، يحثون الخطى في ممر البرانس لقضاء أغراضهم أو قتل الوقت في انتظار آذان المغرب"، مشيراً إلى أن "الأجانب الذين يقصدون المطعم لتناول الإفطار أو وجبة الغداء يتعجبون من قدرة المغاربة على الصوم وقضاء ساعات اليوم الطويلة ببطن فارغة". وبأحد مطاعم ساحة جامع الفنا، التي تقدم مأكولاتها في الهواء الطلق، قال النادل أحمد، الذي يشتغل بالساحة منذ أكثر من عشر سنوات، إن "بعض الأجانب، ممن يصادف وجودهم بمطاعم الساحة موعد الإفطار، يطلبون نفس ما يطلبه الصائمون المغاربة من شوربة (حريرة مغربية) وحلويات (شباكية) وتمر وبيض، وغيرها".

وبمقهى فرنسا الشهير، الموجود بالقرب من عمق المدينة القديمة، التي صارت دُورها مستقرة وسكناً لكثير من الأجانب، قال سعيد، ابن الحي، إنه يعرف بعض "الأجانب المسيحيين"، الذين "صاروا يعاندون "المراكشيين المسلمين" فيصومون أياماً من شهر رمضان، أو يتجنبون الأكل أمام جيرانهم المسلمين، بل ويحرصون على تقليد المراكشيين في لباسهم التقليدي ونمط أيامهم الرمضانية، كما يشاركونهم فرحة الاحتفال بعيد الفطر".

وفي الوقت الذي يتحدث فيه النادل يوسف عن تحرج السياح الأجانب من تناول الأكل والمشروبات أمام أنظار المغاربة الصائمين، أو يتحدث سعيد، عن أجانب يصومون رمضان ويحتفلون بعيد الفطر، فإن محمد، سائق سيارة الأجرة، يتذكر حكاية طريفة وقعت له مع سائح فرنسي نقله من شارع فرنسا، ذات يوم من أيام رمضان الماضي، "فبمجرد ما أخذ هذا السائح مكانه داخل السيارة حتى أشعل سيجارة، قبل أن يمد إلي بعلبة السجائر، سائلاً إن كانت لدي رغبة في التدخين. وأجبته بأني صائم وبأنه لا يجوز له، أصلاً، التدخين داخل السيارة".

ولم يستغرب السائق محمد تصرف السائح الفرنسي، وقال إن "كثيراً من السياح لا يفعلون أكثر من التصرف وفق نمط حياتهم وتربيتهم"، وإنهم "يأتون متشبعين بقيم غربية تتلخص في احترام معتقدات الآخر، وبأن كل واحد حرٌّ في تصرفاته وحياته واختياراته، وبالتالي فهم لا يجدون أي حرج في التأقلم سريعاً مع أجواء مراكش، طالما أن المراكشيين والمغاربة يحترمون عقيدة غير المسلمين ولا يتحرجون من أن يدخن السائح الأجنبي سجائره أو يلتهم وجبة طعامه في الشارع العام، وقت صيامهم". ولكن المثير في حديث السائق أحمد هو أنه سيتحول، في إحدى لحظات حديثه، إلى محلل اجتماعي، قائلاً "إذا تساءلنا، ونحن نتحدث عن مراكش، عن سياح زائرين أو بضعة آلاف من المقيمين الأجانب بيننا، فإن علينا أن نتساءل، أيضاً، عن ملايين المغاربة المسلمين الذين يعيشون في الغرب المسيحي، ونتتبع ونقارن طرق تأقلمهم مع نمط الحياة، هناك، في استحضار تام لسؤال الاندماج وقضية التمسك بالهوية".