شاي صيني.. في صحراء موريتانيا

بيع الطعام وتأجير المساكن لا يتفقان مع أخلاق شعبها

الصحراء الموريتانية درة سياحية لم تكتشف بالكامل بعد («الشرق الاوسط»)
TT

تزدهر سوق العقارات في مدينة أطار شمال موريتانيا في موسم الخريف من كل عام، وتنشط الحركة التجارية في تلك المدينة التاريخية التي يؤمها الآلاف سنويا قادمين من مختلف المناطق الموريتانية في موسم جني التمور الذي يطلق عليه الموريتانيون "الكيطنة".

يرحل الموريتانيون إلى واحات النخيل في ولاية "إدرار" ويزورون ضريح احد مشايخ الصوفية حاملين معهم همومهم وأمانيهم إلى مرقد الإمام الحضرمي المتوفى منذ عشرة قرون. أو إلى احد أحفاده الذين يمارسون الرقيا للتزود من بركته. ويقضي زوار ولاية "ادرار" معظم أوقاتهم تحت أشجار النخيل الوارفة والتي تشتهر بجودة تمورها. ويعتقد الكثير من الموريتانيين أن تمور أطار الموسمية تشفي من الأمراض غير المعروفة، لذلك ينتهزون فرصة العطل الصيفية لقضاء أوقاتهم في واحاتها الجميلة فيشربون من مائها الزلال ويقطفون من ثمرها ويغتسلون من بركها التي يعتقدون بأن لها قدرة خارقة على شفاء المرضى الذين استعصى على الأطباء شفاؤهم، وترتبط تلك الولاية بعلاقات تاريخية وعلاقات نسب مع الشعب الفرنسي إذ توجد روابط أسرية بين عدد من الأسر الفرنسية والموريتانية، ولأنها قبلة العديد من أبناء البلاد الذين يعتبرونها عاصمة السياحة الموريتانية فإن سكانها الأصليين يجدون في ضيافة الوافدين عليها فرصة مناسبة للاستفادة ماديا من مداخيل السياحة التي اخذ الإقبال عليها يزداد باطراد، وانتشرت في العقد الأخير شركات تأجير السيارات وزاد عدد المرشدين والادلاء السياحيين مع تطور السياحة الموسمية، وبدأ المستثمرون المنحدرون من الولاية في إقامة الفنادق والمنتجعات السياحية في مدينة جبلية تتمتع بتضاريس وعرة وبكثبان رملية واسعة ووديان وسهول تشكل باقة طبيعية متنوعة، ونسج السكان علاقات وطيدة مع السياح الأجانب الذين يتوافدون عليها من مدن أوروبية عديدة أبرزها المدن الفرنسية.

ويوجد في أطار مطار دولي يستقبل أسبوعيا ثلاث رحلات مباشرة من مدينة مارسيليا الفرنسية، وبحسب الأرقام التي تعلن عنها وزارة السياحة الموريتانية فإن أعداد السياح الأوروبيين شهدت في السنوات الأخيرة زيادة ملحوظة خصوصا مع انطلاقة الخط الجوي المباشر وازدهار الحركة الاقتصادية إبان سباق "رالي باريس داكار"، وقد مكن ذلك السباق من اكتشاف العديد من المواقع السياحية ليس في أطار وحدها ولكن أيضا في مدن تاريخية أخرى، ففي مدينة شنقيط الموريتانية الواقعة 70 كلم شرق أطار يفضل السياح الأجانب قضاء أوقاتهم في بيوتها القديمة المبنية وفق الطراز المعماري الذي يمزج بين الهندسة المعمارية الإفريقية والطراز الأندلسي والمغربي، ويقف السياح الأجانب تحت مئذنة مسجدها الذي بني منذ عشرة قرون يتأملون إبداعات سكان الصحراء، وتشكل المباني الطينية وتلك المصنوعة من الحجارة الحمراء والمزخرفة بالخزف مزار العديد من السياح الأوروبيين الذين يركبون الإبل الصحراوية ويستعينون بمرشدين من المدينة لاكتشاف المزيد من الآثار التي تتناثر في عمق الصحراء الموريتانية. وفي ظل انعدام منشآت سياحية بمواصفات عصرية يضطر الأجانب إلى تأجير مساكن أهالي البلدة ويخرج الأهالي عن بيوتهم التي يقبضون مقابل تأجيرها للسياح مبالغ مالية معتبرة ويبنون خياما للإقامة فيها في مواسم السياحة، فيما يؤجر بعضهم جزءا من داره ويحتفظ بجزئها الآخر للإقامة فيه.

تحاول السلطات الموريتانية تعزيز دور الساحة كمصدر من مصادر الدخل القومي عبر برامج إذاعية ونشرات مكتوبة وحملات إعلانية، لحث المواطنين على قضاء عطلهم في وطنهم، وبحسب المعطيات الشحيحة نظرا لعدم وجود دراسات ميدانية فإن ثلثي أثرياء موريتانيا يمضون إجازاتهم الصيفية في الخارج وينفقون أموالا طائلة في الإقامة بفنادق خمس نجوم في أوروبا وفي بلدان المغرب العربي المجاورة، الأمر الذي يؤدي الى انعكاسات سلبية على الاقتصاد الموريتاني المنهك أصلا بسبب التضخم والبطالة.

ولتعزيز السياحة في الريف الموريتاني تقوم المصالح الحكومية المختصة بتنظيم مهرجانات صيفية تتضمن مسابقات في الشعر والرياضة والمسرح لملء فراغ العطلة الصيفية بالنسبة للطلاب والأساتذة وكي يشتغل المصطافون بنشاطات ترفيهية تغنيهم عن التوجه إلى الخارج لقضاء الإجازات.

ويوجد في موريتانيا عدد قليل لا يتجاوز عشرة فنادق بمقاييس متوسطة معظمها في العاصمة نواكشوط وبعضها الآخر في مدينة نواذيبو المطلة على المحيط الأطلسي.

وخلال السنوات الأخيرة سعت السلطات إلى تطوير البنية السياحية بفتح المجال أمام القطاع الخاص وظهرت فنادق عديدة لكنها لم ترق بعد الى مصاف الفنادق العالمية، وتقدم خدمات للسياح لا تزال بدائية بالمقارنة من نظيراتها في بلدان المغرب العربي ولا يوجد حتى الآن فندق من خمسة نجوم في موريتانيا.

ويعزو الكثيرون بُطء نمو السياحة في موريتانيا إلى العقلية السائدة في المجتمع الموريتاني المعروف بالكرم فحتى المطاعم الصغيرة بالكاد تستقطب زبنائنها من السكان الأصليين، فقد اعتاد هؤلاء على إكرام الضيف بوجبات مجانية وهم لا يستسيغون بيع الطعام لأنه يمثل بالنسبة لهم نشازا في أخلاق وشيم سكان الصحراء المشهورين بالكرم، وموازاة مع ذلك، فإن احتكاك المجتمع بثقافات أخرى وافدة أدى الى ظهور مطاعم الوجبات السريعة وبدأ الموريتانيون في الاتجاه إليها.

تتمتع موريتانيا بشاطئ يصل طوله الى 700 كلم على طول المحيط الأطلسي ويهاجر إليه سنويا ملايين الطيور النادرة، خاصة في فصل الصيف والربيع قادمة من صقيع أوروبا والقطبين الشمال والجنوبي، ومن اجل المحافظة على البيئة البحرية النادرة وتطويرها انشأت السلطات حظيرتين وطنيتين الأولى الحظيرة الوطنية لحوض أركين والأخرى الحظيرة الوطنية لحوض "جاولينغ وهما محميتان طبيعيتان تستضيفان سنويا ملايين الكائنات النادرة من طيور وكائنات بحرية، وتهدف الخطة الى حماية الطيور والكائنات البحرية النادرة من الانقراض، في بلاد غنية بمظاهرها الطبيعية وثروتها البحرية ومناخ مدنها الساحلية المعتدل نسبيا، ويعزف جل الموريتانيين عن الاستمتاع بالمناخ المعتدل على شاطئ المحيط الأطلسي ويجدون في مشاهدة الطيور والمظاهر الطبيعية النادرة ترفا فكريا لا طائل من ورائه، ويقبل الاجانب الذين يفدون إلى البلاد للعمل او للسياحة على الاستمتاع بمظاهر لا تلقى اهتماما من السكان الأصليين لتتحول الى ملاذ مريح للأجانب الوافدين يقضون فيها إجازاتهم، بعيدا عن صخب المدن وتلوثها، ويقبل السياح ومعظمهم من اوروبا الغربية على طول الشاطئ على السباحة، بينما ترمقهم أعين الموريتانيين باستنكار ودهشة إزاء ما يقومون به من سباحة يتعرون من خلالها أمام الملأ وهي عادات يستنكرها غالبية السكان.

ويفضل معظم السكان السفر إلى مواطنهم الأصلية في الأرياف والقرى، حيث تهطل الأمطار في فصل الخريف فتلبس الأرض حلتها الخضراء ويغني الرعاة انشودتهم في فضاء واسع يجد فيه الموريتانيون فرصة حقيقية للاستمتاع بعطلهم وقضاء اجمل اللحظات في قراهم يشربون لبن النوق ويأكلون لحوم صغار الضأن ويمارسون عاداتهم التي ورثوها عن أجدادهم من تنمية للثروة الحيوانية وفلاحة الأرض.

ورغم ذلك فإن البعض يميل إلى قضاء العطلة في المدن الساحلية، خصوصا مدينة نواذيبو في الشمال الغربي، حيث المناخ المعتدل وتيار جزر الكناري الذي يسافر إليه العديد للاستجمام والراحة، وفي غالب الأحيان لا يؤجر القادمون فنادق ولا شققا لكنهم ينزلون عند أقاربهم وأصدقائهم مستمتعين بالمناخ المعتدل ومحتفظين بما لديهم من نقود لشراء المواد الغذائية والتمتع بالوجبات الشهية المصنوعة من السمك الطري، فيما تكتظ الشقق والفنادق بالأجانب الوافدين والعمال المقيمين هناك.

ويفضل بعض السياح زيارة الأماكن الأثرية في موريتانيا والتجوال في الصحاري الموريتانية الواسعة والاضطلاع على عادات السكان، ويستفيد الصناع التقليديون من بيع منتجاتهم إلى السياح الأجانب وهم يصنعون الأواني والأسلحة القديمة كالسيوف المرصعة بسلاسل جذابة واغماد مزركشة، مصنوعة من جلود الحيوانات وأقلام ومخدات مزركشة كما يصنعون الطبول الإفريقية والآلات الموسيقية التقليدية والخيام الأصيلة بالإضافة إلى الحلي والأقراط المصنوعة من الطين والمواد المعدنية والألمنيوم هي مواد تستهوي الأجانب ويقبلون عليها ويشترونها بأثمان غالية.

شنقيط وتشيت: وفي شنقيط وتيشيت وهي مدن تاريخية ينثر الباعة بضائعهم على طول الطريق وفي الممرات والأزقة الضيقة.

وبإمكان الزائر لبس "الدراعة" أو "الملحفة" -أزياء موريتانية- والجلوس مع جماعة من الجنسين لتناول الشاي الصيني الأخضر المعد محليا والاستماع إلى شريط غنائي لمطربين موريتانيين يغنون باللهجة المحلية "الحسانية" أو بقصائد فصحى من مدائح البصيرى أو غزليات نزار قباني في سمر ليلي قد يمتد لساعات الصباح الأولى طوال موسم الخريف.