حائل.. مفتاح الصحراء وعروس الشمال ومهد الكرم العربي

منطقة خصبة لهواة الآثار

قلعة اعيرف بحائل
TT

لا يخلو كتاب يتناول تاريخ شبه الجزيرة العربية أو جغرافيتها من ذكر مدينة حائل، تلك المدينة التي تتميز بموقعها الاستراتيجي الذي جعلها على الدوام في قلب الأحداث التي مرت بالمنطقة منذ أقدام الأزمان ويعتقد أن لحائل علاقة بالحضارات البابلية والآشورية وبدولة المناذرة في الحيرة وبحضارات بلاد الشام، وقد أطلق عليها أسم «مفتاح الصحراء» نظرا لكونها المعبر الرئيس للمتجهين شمالا أو جنوبا في شبة الجزيرة العربية، وكانت حائل معبرا لجيوش المسلمين الذين اتجهوا شرقا وغربا للدعوة إلى الله والجهاد في سبيله، كما أنها كانت ممرا لحجاج بيت الله الحرام القادمين من العراق والشام.

وفي أواخر عهد الدولة العباسية وبعد أن دخل على اللغة العربية كثير من التحريف والعجمية أخذ علماء حائل على عاتقهم حماية اللغة وتقويمها وتدريسها بحيث باتت هذه المدنية مقصدا لطلاب العلم.

كذلك يحفظ التاريخ العربي خصالا و بطولات وأشعار عرفت حائل بها ومنها الكرم الذي يتجاوز الحد المعقول والذي كانت تمثله قبيلة «طي» التي انحدر منها حاتم الطائي الذي يضرب به المثل.

وكانت تسمى حائل سابقا «بمفتاح الصحراء» لأنها المعبر الرئيسي للمتجهين شمالا وجنوبا في شبه الجزيرة العربية كما تلقب حاليا بعروس الشمال أما عن سبب تسميتها فهناك آراء عديدة في تفسير سبب إطلاق أسم حائل عليها فالحائل لغة هو الحاجز الذي يحول دون مكان وآخر فيقال إن وقوع حائل على ضفة وادي «الأديرع» الغربية يجعلها حائلا بين سكان جبلي «أجا» و«سلمى»عندما تسيل مياه الوادي. وحائل بحق تعتبر واحة من أغنى مناطق شبه الجزيرة العربية وأثراها بالرسوم الصخرية والنقوش الأثرية وبالذات المصنف منها بالثمودي فقد وصل عدد النصوص في أحد المواقع الأثرية بالمنطقة حسب أخر إحصائية رسمية أعدت من قبل الفريق الأثري التابع لوكالة الآثار والمتاحف بوزارة التربية والتعليم بالسعودية إلى 5431 نقشا ثموديا، كما يوجد فيها ثاني بئر في العالم من حيث اندفاع الماء بعمق 1000م حيث يبلغ ارتفاع لماء من فوهة الأنبوبة ما يزيد على60 متر والماء شديد الحرارة.

كما حظيت حائل بقسط كبير مما كتبه بعض الرحالة والمستشرقين الذين زاروا المنطقة خلال القرنين الماضيين فقد تناول دراسة النقوش الأثرية بحائل فيما مضى عددا من العلماء الأجانب أمثال العالم الفنلندي جورج والن الذي زارها سنة 1845م وألف عنها كتابا أسماه «صورة من شمال جزيرة العرب»، كما زارتها الإنجليزية الليدي آن بلنت عام 1879م وكتبت عنها كتاب أسمته «رحلة إلى بلاد نجد» والإنجليزية جرترودبل مساعدة المندوب السامي البريطاني في العراق، وقد أوردت مشاهداتها في مدينة حائل في مذكراتها والأمريكي مايكل بارون الذي نال شهادة الدكتورة من جامعة ميتشيغان عن رسالته في«تاريخ حائل» كما قام أيضا الباحثان الكندي وينت والأمريكي ريد بزيارة منطقة حائل عام 1970م وتمكنا الاثنان خلالها من تصوير 205 نقشا تاريخيا كان أغلبها ثموديا حيث يعود تاريخ بعضها وفقا لدراستهما إلى القرن الثامن والسابع قبل الميلاد. فزائر منطقة حائل والمحب للتاريخ يستطيع أن يتنقل بين عبق التاريخ الممتد لأكثر 10من ألف سنة الماضية كمنطقة الحائط وجانين مرورا بمنازل حاتم الطائي إلأى درب زبيدة ومدينة فيد التاريخية بالإضافة إلى الأماكن الطبيعية مثل الجو والسلف وقرية عقده في جبال أجا وفوهة بركان طابه ومواقع أخرى في جبال سلمى وكذالك جبال رمان وجبال العلم والجبل الأبيض إضافة إلى مناطق جميلة في الحرات وفي صحراء النفوذ الكبير إلى جانب المنتزهات الطبيعية والحدائق والمنتزهات العامة المنتشرة في منطقة حائل. يقول مدير جهاز السياحة في حائل مبارك السلامة: «تشهد حائل خلال الثلاث سنوات الأخيرة طفرة اقتصادية وأكبها تطور في نمو المرافق السياحية فقد بلغ نمو قطاع الإيواء أكثر من 15 بالمائة ونما بتسارع عدد الرحلات السياحية ومثلها الخدمات الأخرى كشركات تأجير السيارات والأسواق التجارية والمطاعم وأماكن التخييم والاستراحات الزراعية وغيرها».

وتابع السلامة «وتتجه حائل لتكون عاصمة السياحة الصحراوية في السعودية وساعد على تأصيل ذالك رالي حائل للسيارات «تحدي النفوذ الكبير» ويستطيع السائح بالتواصل مع جهاز السياحة بالمنطقة والهاتف السياحي المجاني الحصول على عناوين المرافق السياحية من حدائق ودور الإيواء والاستراحات الزراعية وملاهي الأطفال والقرى السياحية العديدة».

وأضاف السلامة «يعمل جهاز تنمية السياحة بالمنطقة من خلال برامج تحقق الرؤية التي حددتها إستراتيجية السياحة للمنطقة والتي عملت بها الهيئة العليا للسياحة بمشاركة مع أمارة المنطقة والأمانة والأجهزة الحكومية الأخرى، الذي يهتم بإيجاد الأسس التي تدعم وجود تنمية سياحية مستدامة كإعداد الدراسات الإستراتيجية وخطط العمل وتحديثها وتطويرها بطريقة عملية ،كما يتم تسويق الوجهات السياحية وتدريب وتأهيل العاملين بالقطاع السياحي وتتبنى الهيئة العليا للسياحة ممثلة بجهاز تنمية السياحية في منطقة حائل العديد من البرامج الخاصة لحائل مثل تنمية القرى التراثية والعمل على تطوير وتهيئة المواقع السياحية وتحفيز الاستثمار في المجالات السياحية كالاستراحات الريفية والنزل البيئية وتطوير ودعم البرامج والمنتجات السياحية والترخيص للمرشدين السياحة واستراحات الطرق متكاملة الخدمات بالإضافة لدعم الهيئة لمنظمي الفعاليات السياحية التي تقام في الصيف والربيع وخلال أيام الخميس والجمعة».

وأضاف سلامة «كما يجري الإعداد لتنظيم مهرجان صحراوي تراثي على مستوى العالم العربي ينظم للمرة الأولى بالمنطقة نأمل أن نوفق عند اكتمال إجراءات تنظيمه أن يكون حدثا مهما لفائدة المنطقة كما إننا شاركنا في دعم الرحلات الصحراوية مثل رحلات قوافل الإبل هذا العام حيث شجعنا القطاع الخاص على تنظيم مثل هذه الرحلات».

المعالم الأثرية: ورغم أن البحث عن المناطق الأثرية بالمنطقة سواء الظاهر منها للعيان أو المطمورة تحت أنقاض الأطلال أو المدفونة تحت الأرض لم يكن كافيا ويحتاج إلى وقت وجهد كبيرين فقد تجاوز عدد المواقع الأثرية المكتشفة بمنطقة حائل والمسجلة رسميا لدى وكالة الآثار والمتاحف بوزارة التربية والتعليم السعودية حتى الآن أكثر من 65 موقعا وقد تم بالفعل تسييج بعضها وحراستها من قبل الوكالة ذاتها حرصا منها على بقاء هذه النقوش والمعالم الأثرية بعيدا عن متناول العابثين وكشواهد حية على ثراء تاريخ حائل بالحضارات.

تتعدد الآثار في منطقة حائل من حيث تاريخها وإجمالا تعتبر المنطقة من أغنى المناطق السعودية بالآثار، وفيها نقوش تاريخية لعصور مختلفة وأهم مناطق الآثار فيها هي:

ياطب: أسم لجبل متوسط الحجم يقع على بعد 38 كم شرق مدنية حائل وتنتشر على صخوره مجموعة كبيرة من الرسوم والكتابات الثمودية القديمة كالنخيل والجمال والأسود كما عثر بجوار الجبل على بقايا مباني قديمة يعتقد إنها مخلفات لقرية قديمة.

جانين: وهو جبل كبير يقع في وسط بحرة جانين الغنية بالمياه الجوفية على بعد 60كم شرق مدنية حائل ويتميز الجبل بوجود كهف يمتد بطول 100 متر تقريبا وعلى جدرانه وحوله الكثير من الكتابات والنقوش ورسوم لأشخاص وحيوانات ثمودية وأمهرية تعود إلى عصر ما قبل التاريخ.

الحائط: مدنية تاريخية كانت تشتهر قديما إلى ما بعد صدر الإسلام باسم فدك حيث ورد ذكر أسم فدك من بين أسماء المدن التي أحتلها الملك البابلي نيونبذ الذي حكم في القرن السادس قبل الميلاد وتقع الحائط في منطقة حائل شرق حرة خيبر على بعد 230كم جنوب غرب مدينة حائل، وقد عثر فيها على أثار قيمة لا يزال بعضها في حالة جيدة كالقصور والقلاع والحصون المبنية من حجر الحرة السوداء، كما عثر على كتابات كوفية على بعض القطع الصخرية.

قفار: مدنية تاريخية تعود بداياتها غير المحددة بدقة للقرن السادس الهجري وفيها آثار أكبر مدنية نجدية وقلاع وأسوار ضخمة وتقع على بعد 15 كلم عن حائل. فيد: وهو اسم واحة قديمة يمر منها درب زبيدة الشهير، الذي أنشأته زبيدة زوجة هارون الرشيد لخدمة حجاج بيت الله الحرام القادمين من الكوفة إلى مكة المكرمة،كما يوجد فيها كثير من البرك والآبار القديمة وأنظمة الري وقصر خراش الأثري الذي يعود إلى ما قبل الإسلام.

جبل حبشي: وهو جبل يقع جنوب شرق مدنية حائل على بعد 150 كم، وقد لفت هذا الموقع الأنظار عام 1387هـ عندما عثر بجواره على بعض السيوف والمنطقة غنية بآثارها فهو عبارة عن مجموعة من المخازن والدوائر الحجرية والأبراج والمقابر التي أرجع تاريخها إلى ما قبل الميلاد.

توارن: وهي قرية تقع بين ضفاف وادي في عمق السفح الشمالي الغربي من جبل أجا وعلى بعد 55 كم شمال غرب مدينة حائل وترجع شهرة توارن إلى الكرم العربي الشهير حاتم الطائي حيث يوجد بمدخل القرية حصنا لا تزال أطلاله واقفة ويقال أنه كان قصرا لحاتم وفي وسط القرية يوجد بها أطلال قصر من الطين وبالقرب منه مقبرة صغيرة تحتوي على قبرين مفرط في طولهما إذ يبلغ طول أحدهم 9.5 متر والآخر 7.25 متر ويعتقد أهالي القرية أن الأخير هو قبر حاتم الطائي.

سميراء: وهي منطقة تبعد عن حائل حوالي 140 كلم وقد كشفت السيول عن معالم الأثرية ومن أهمها غرفة تحت الأرض بمسافة متر ونصف المتر، كما عثر بها على جرار من الفخار تحوي نقودا إسلامية يعود بعضها إلى العام134هـ.

ضايف: موقع أثري وجدت على صخوره خطوط كوفية و ثمودية ورسوم لأشخاص وحيوانات.

قلعة اعيرف: قلعة تاريخية تقع على جبل صغير في وسط مدنية حائل ويعود تاريخ إنشائها إلى العصر الجاهلي قبل الإسلام وهي إحدى المعالم الشهيرة بمنطقة حائل ومرتعا للزوار الأجانب والرحالة منذ القدم وقد كانت القلعة في بداياتها قبل مئات السنين مبنية من الحجر ثم أعيد بناؤها من الطين في عهد أسرة آل على عام 1200هـ، كما شهدت القلعة منذ ذلك التاريخ عدة عمليات ترميم كان آخرها عام 1422هـ وقد استخدمت بها وسائل طينية حديثه تكلفت بها وكالة وزارة المعارف السعودية للآثار والمتاحف، والقلعة عبارة عن مبنى طيني مستطيل الشكل يتكون جزء منه من دورين بطول 40 مترا وعرضه 11 متر، وقد استخدمت القلعة في الماضي ضمن سبع قلاع كانت تحيط بحائل المدنية لأغراض عسكرية ومراقبة الجيوش والقوافل القادمة إلى حائل أما اليوم فهي تستخدم كمنصة لإطلاق مدافع الإفطار والإمساك لشهر رمضان المبارك ومدفع الأعياد والمناسبات.

وهناك أيضا مناطق أركان والمعلق والسبعان والماوية والشملي وجبة وغمرة وجميعها تضم نقوشا ومقابر وحجارة تحوي كتابات مختلفة.

المواقع السياحية والترفيهية: يوجد في مدينة حائل أكثر من 30 حديقة و25 موقعا لمسطحات خضراء وتبلغ المساحة الإجمالية للحدائق والمسطحات الخضراء حوالي 1.735.163 مترا مربعا وقد أنشأت بلدية حائل عدة منتزهات عامة إضافة إلى منتزه حائل العام الذي يجري تنفيذه حاليا ليكون أحد المنتزهات الكبرى.

كما أنشأت البلدية مركزا ثقافيا تشرف عليه إدارة العلاقات العامة فيها ويضم مجموعة من الصالات ومسرحا ومعرضا لنشاطات البلدية ومتحفا شعبيا ومكتبة وقاعة لاجتماعات وأخرى للمعارض.

منتزه مشار الطبيعي: يقع في الطرف الشمالي الغربي من مدينة حائل ويتميز بطبيعية الجميلة حيث الجبال العالية ذات الأشكال الفريدة وكثرة أشجار الطلح والشعاب ذات التربة النظيفة ولقد أقامت به البلدية منتزه وبحيرة صناعية ومسطحات خضراء وشلال يغذي هذه البحيرة من أعلى الجبل بالإضافة إلى ملاهي الأطفال والأسواق وفلل للعائلات وأخرى والكثير من الخدمات. عقده: تقع غرب حائل على بعد 8 كم في حضن جبال أجا وهي بمثابة منتزه للأهالي المنطقة وضيوفهم حيث تتوفر فيها طبيعة القرية الهادئة ببساتينها وبيوتها الطينية والتي تشكل مع الجبال مناظر سياحية وبامتداد سلسة جبال أجا نحو الشمال الشرقي هناك العديد من المنزهات مثل نقبين وعانقه والسفن و الأزور تتخلها خصوصية في تجسيد مناظر رائعة حينما تختلط رماله مع الربيع والزهور مشكلة هذه التلال الكبيرة مع الجبال السمراء مناظر خلابة.