مسجد الشيخ زايد.. روعة فنية وفخر السياحة في أبو ظبي

ثالث أكبر مسجد في العالم يفتح أبوابه للجميع

تناغم واضح ما بين التصميم الهندسي الرائع والتقنية العالية («الشرق الأوسط»)
TT

لأنه ليس مسجدا كما هي بقية المساجد المنتشرة حول العالم، فإن التعامل معه أيضا كان بنفس المستوى، إنه مسجد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ثالث أكبر مسجد حول العالم، الذي تحول، حتى قبل افتتاحه رسميا، إلى معلم سياحي ومركز إسلامي وثقافي، تتسابق أفواج السياح على زيارته، والتجول في ثناياه.

وإذا كانت زيارة المسلمين للمسجد العملاق والصلاة فيه أمرا طبيعيا، فإن سلطات أبوظبي ارتأت أن تضرب بحجر واحد أكثر من عصفور، فسمحت للسياح من غير المسلمين بزيارة المسجد، فهي من جهة أزالت الحواجز العالقة بين الإسلام والأديان الأخرى، وروجت للإسلام بصورته الحقيقية، وأيضا ساهمت في تعريف العالم بالعاصمة الإماراتية أبوظبي وأصبح بذلك مسجد الشيخ زايد أحد أبرز معالم الإمارة السياحية.

ولا يتوقف البرنامج اليومي للمسجد على أداء الصلوات الخمس، فبين هذه الصلوات يستقبل مسجد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، زواره من السياح والذين بالرغم من حداثة قرار السماح لهم بدخول المسجد، إلا أن قوائم الانتظار لزيارة المسجد أضحت تتزايد، بسبب الرغبة الكبرى للسياح القادمين للإمارات.

إلا أن الغريب أن مسؤولي المسجد سمحوا للزوار بالقيام بجولاتهم والتصوير حتى أثناء أداء الصلوات الخمس اليومية، وهو ما كان واضحا خلال جولة الشرق الأوسط أثناء أداء صلاة الظهر، فبينما كان المصلون يؤدون صلاتهم المكتوبة، كان السياح يتجولون في المسجد ويلتقطون الصور التذكارية، ولأن أداء الصلاة أمر مقدس للمسلمين، من المؤكد أنه كان من المفترض أن تتم الزيارة في غير أوقات الصلوات الخمس، وهي بالمناسبة لا تزيد عن النصف ساعة في كل فرض من الفروض الخمسة.

ولإتاحة المجال أمام أكبر عدد من الزوار لتفقد أروقة المسجد والاطلاع عن قرب على ما تتمتع به من جوانب إبداع معماري وهندسي وفني، اتخذت «هيئة أبوظبي للسياحة» كافة الخطوات الكفيلة بضمان حصول السياح على تجربة متكاملة خلال زيارة المسجد، من خلال تنظيم برنامج من الجولات الميدانية في أروقته يقودها فريق من المرشدين على أعلى مستويات التدريب والكفاءة. وحفزت القيمة الدينية والوطنية للمسجد، مجموعة كبيرة من الشباب الإماراتي على التطوع كمرشدين للأفواج الزائرة، لتسليط الضوء على جوانب إبداعه المعماري والهندسي، وارتباطها بقيم ورؤى الفقيد الكبير إلى جانب التعريف بحضارة الإسلام وتراث أبو ظبي العريق. وتستغرق الجولة في المسجد ما بين 60 إلى 90 دقيقة، وتحظى بتنويه وإشادة كبيرة من الزوار سواء من المواطنين، المقيمين أو السياح الأجانب، علما بأنه يسمح بالتقاط الصور الفوتوغرافية وفق تعليمات محددة، مع الالتزام بارتداء ملابس محافظة تتناسب مع تقاليد زيارة الأماكن الدينية الإسلامية، إلا أن جولة الشرق الأوسط لاحظت أن البعض من السياح لا يفرقون بين زيارتهم للمسجد وبين تسكعهم في الأماكن العامة، من خلال عدم التزامهم بالاحتشام خلال جولاتهم بالمسجد.

على كل حال.. يأخذ مسجد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان زائره في جولة واسعة عبر أزهى عصور الحضارة الإسلامية التي يجمعها هذا الصرح المعماري والهندسي الفريد تحت سقف واحد، في معرض مفتوح لأهم وأرقى إبداعات الفنون اليدوية والحرفية الإسلامية. وبصورة عامة، يجسد مسجد الشيخ زايد خلاصة الإنجاز الحضاري العربي والإسلامي، في تناغم رشيق، مع احدى تقنيات وحلول التصميم الهندسي المعاصرة. والمسجد يعد تحفة هندسية عالمية ويضم أكبر قبة في مساجد العالم، كما هي الحال بالنسبة للسجادة والثريا الرئيسيتين فيه. ويشكل المسجد بالنسبة لأبو ظبي التي تسعى الى استقطاب سياحة بنوعية رفيعة المستوى، وجهة أساسية لكل الباحثين عن سياحة مختلفة عن سياحة الشواطئ والفنادق ومراكز التسوق الرائجة في الخليج.

وكان الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، قد وجه في عام 1996 ببناء مسجد عملاق ليكون صرحا إسلاميا يرسخ ويعمق الثقافة الإسلامية ومفاهيمها وقيمها الدينية السمحة، ومركزا لعلوم الدين الإسلامي.

ومن يتجول داخل المسجد وساحاته الواسعة وملاحقة المتعددة، فلا بد له أن يلحظ أن تاريخ العمارة الإسلامية قد عاد بقوة في بناء هذا المعلم الإسلامي العملاق، فمن قبابه الرئيسية الكبرى الثلاث، التي لم يسبق أن تم وجودها في تصاميم المساجد في العالم الإسلامي باستثناء العدد القليل منها، مرورا ببواباته الرئيسية والفرعية، إلى أرضيات ساحاته الشاسعة، إلى السجادة المصنعة يدويا والأكبر من نوعها في العالم، وانتهاء بطريقة بنائه المعمارية التي تحمل الكثير من الجمالية الأخاذة.

جدير بالذكر أن مسجد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، يستوعب 40960 مصلياً، منهم 7126 في القاعة الرئيسية، 1960 في القاعة المفتوحة، 980 من الإناث في القاعة المفتوحة، 22729 في الساحة الكبيرة، 682 في مدخل القاعة الرئيسية إلى جانب 784 في مدخل القاعة الرئيسية للمسجد.

وساهم في تشييد المسجد، الذي تبلغ مساحته 22412 مترا مربعا أي ما يعادل حجم خمسة ملاعب كرة قدم، أكثر من 3000 عامل و38 شركة مقاولات عالمية. ويتميز المسجد بقبابه التي تصل إلى 82 قبة مستوحاة من الفن المعماري المغربي، والمصنوعة من الرخام الأبيض. ويبلغ القطر الخارجي للقبة الرئيسية 32.8 متر، بينما تقف القبة على ارتفاع 70 متراً من الداخل و85 متراً من الخارج، حيث تعتبر الأكبر من نوعها على مستوى العالم، وفقاً لمركز الأبحاث التركي للثقافة والتاريخ الإسلامي.

ويوجد 28 نوعاً مختلفاً من الرخام تم استخدامه في جميع أنحاء المسجد، منها: رخام «سيفيك» من اليونان/مقدونيا، رخام «لاسا» من إيطاليا، رخام «ماكرانا» من الهند، رخام أكوابيانا وبيانو من إيطاليا ورخام «إيست وايت ومينغ غرين» من الصين. وتم استيراد سبع ثريات ذهب 24 قيراطاً، تحتوي على كريستال شواروفسكي، من ألمانيا. وتعتبر الثريا الموجودة تحت القبة الرئيسية الأكبر في العالم، حيث يبلغ قطرها 10 أمتار وترتفع على مسافة 15 متراً وتزن 8 ـ 9 أطنان.

أما سجادة القاعة الرئيسية، التي تعد الأكبر في العالم، فإنها تغطي 7119 مترا مربعا وتضم 35 طنا من الصوف والقطن. وقام بتصميمها الفنان الإيراني علي خالقي، فيما شارك في نسجها 1200 حرفي في منطقة مشهد في إيران. وتتكون السجادة من 2268000 عقدة.

ويصل ارتفاع الباب الزجاجي الرئيسي للمسجد إلى 12.2 متر، وعرضه إلى 7 أمتار، ويزن 2.2 طن. وتضم الجدران الداخلية زخرفة من ذهب من عيار 24 قيراطاً وزجاجاً وفسيفساء تتركز بكمية أكبر على الحائط الغربي. ويحيط المسجد 7874 متراً مربعاً من البحيرات الاصطناعية تضم بلاطاً داكن اللون. واستخدم في منطقة المحراب ذهب من عيار 24 قيراطاً وأوراق ذهبية وزجاج وفسيفساء. ويحتوي المسجد على 1096 عموداً في المنطقة الخارجية و96 عموداً في القاعة الرئيسية للصلاة التي تتضمن أكثر من 2000 لوح رخام صنع يدوياً ومغطى بأحجار شبه كريمة تضم «لابيس لازولي»، عقيقاً أحمر، حجر أميثيست، وغيرها. ويتميز جدار القبلة، بارتفاع 23 متراً وعرض 50 متراً، بالبساطة لمنع تشتيت انتباه المصلين. وتم تخطيط أسماء الله الحسنى على جدار القبلة باستخدام الخط الكوفي مع خلفية مضاءة باستخدام ألياف بصرية.

يمكن القول إن أبو ظبي أضافت لها معلما سياحيا ثقافيا، وقبل ذلك مركزاً إسلاميا كبيرا، وأضحت زيارة مسجد الشيخ زايد ضرورة حتمية وبرنامجا لا مفر منه للمسلمين الزائرين للعاصمة الإماراتية، أما الزوار غير المسلمين فبالتأكيد فإن إتاحة الفرصة لهم لزيارة المسجد ربما لن تتكرر لهم في أماكن كثيرة أخرى حول العالم.