«فرسان» طبيعة أسطورية تتلفع بعباءة التاريخ

دعوة الى اختبار الهدوء على أنقى الشواطئ

«فرسان» مزيج ما بين الطبيعة الساحرة والاثار العتيقة («الشرق الأوسط»)
TT

يُعتبر السعوديون بشكلٍ عام، من شعوب الأرض الأكثر حركةً من ناحية السياحة والسفر، وهذا ما تدلل عليه السجلات السياحية على مختلف أوجهها، ومواقعها على وجه المعمورة، في الوقت الذي تحوي مملكتهم عددا من المواقع السياحية والأثرية التي استرعت انتباه المُهتمين بالسياحة والآثار من مختلف دول العالم، وخير دليل ما سنتحدث عنه اليوم عن جُزر فرسان السعودية، التي قال عنها أحد رواد الفضاء الروس عقب زيارتها: إنها من أجمل مواقع السياحة والاستجمام على الأرض.

بعض من السعوديين يستند إلى عدم وجود مطار إقليمي في جزر فرسان، فيما ربما يكون هو النقطة الأساسية في عدم إلمام البعض منهم وأبناء منطقة الخليج بجمال تلك الجزر، التي ستكون جاذبة للسياحة الداخلية، والخليجية، ولكن ما أكد عليه أمير منطقة جازان الأمير محمد بن ناصر بن عبد العزيز أن موافقةً مبدئية صدرت لإنشاء مطار إقليمي في تلك الجزر، وذلك لجلب السياح، وبالتالي رفع مستوى التنمية في الجزر، التي تمتاز بالهدوء، والحلم في جميع فصول السنة، أعاد لأبناء الجُزر شيئاً من الحيوية، ربما يقلب المعادلة من ناحية الحركة السياحية الداخلية، الأمر الذي قد يقود إلى اهتمام سياحي من قبل السعوديين في تلك الجزر السعودية، التي تحكي شيئاً من الخيال في جمالها وطبيعتها وإرثها التاريخي.

يلفها السحر وتكسوها الروعة كلما خطوت على أرضها فهي الجمال دون مبالغة، تزداد شوقاً لها كلما ابتعدت عنها ويزداد شوقك كلما اقتربت، طبيعتها، أرضها، مياه بحرها، هدوؤها، طبيعة أهلها وسكانها الذين يحلمون أن تبلغ جزرهم مكانة عالمية.

بين طيات ذلك البحر المكتسي بالحمرة، الذي يبعث في النفس الهدوء والسكينة، هي جزيرة فرسان، إحدى جزر المملكة العربية السعودية، الواقعة في الجهة الجنوبية الغربية من خريطة السعودية.

أسهل ما يمكن أن تراه بعد أن تتخذ قرار زيارة جزر فرسان، مجموعة من الغزلان تجول بكل حرية في صحاري الجزيرة الصغيرة، التي يبدو أنها ألفت أبناء الجزيرة، الذين هم أيضاً ألفوا علاقتهم بغزلان جزيرتهم.

جزر فرسان، التي تعد إحدى محافظات منطقة جازان جنوب السعودية والتي يستغرق الوصول إليها حوالي ساعة ونصف الساعة عن طريق عبارة بحرية، تعتبر من أجمل جزر الأرض حسب بعض التصنيفات العالمية، من قبل المهتمين بالمواقع السياحية، والذين لم يتوقعوا أن تكون الجزر تتمتع بهذا النوع من الجمال، الذي اعتبره الكثير من المهتمين في السياحة أفضل من بعض الجزر العالمية، بل شبهها البعض حسب ما يحلو له بـ(هاواي) العرب، أو هاواي السعودية.

فرسان هي عبارة عن مجموعة جُزر، تصل إلى أربع وثمانين جزيرة، صُنفت من أجمل المواقع من ناحية الغوص تحت الماء، وذلك لنقاء مياهها وصفائها، وكثرة الشعب المرجانية الجميلة التي أصبحت وجهة لمحبي هذا النوع من الرياضة.

مساحتها تبلغ حوالي 600 كيلو متر مربع، وتقع في الجزء الجنوبي الشرقي من البحر الأحمر، فيما تشكل جزيرة فرسان الأم، الأكبر من بين الجزر، والمأهولة بسكانها الذين يمتازون بالكرم، وحسن الضيافة، إضافة إلى فرحتهم الغامرة بمن يقوم بزيارة جزرهم الجميلة.

فرسان التي أولتها الهيئة العليا للسياحة اهتماماً منقطع النظير، تتكون من مسطحات من الأحجار الجيرية الشعابية، التي لا ترتفع عن سطح البحر بأكثر من 20 متراً، ولدت جزيرة فرسان نتيجة لوجود كتل هائلة من الملح المايوسيني المندفع إلى أعلى مكوناً قباباً ملحية صخرية، قامت برفع ما عليها من الترسبات التابعة للزمن الثالث. تعرضت فرسان لعدة انكسارات وتصدعات نتيجة لتوسع البحر الأحمر في زمن البلايستوسين، الذي أدى بدوره إلى عملية رفع مستمرة لهذه الجزر، فيما تحوي أهم التكوينات الجيولوجية، حيث الحجر الجيري الشعابي الذي يغطي كافة الجزر على شكل قشرة.

فرسان التي يصعب الحديث عنها من قبل من لم يسبق أن قام بزيارتها، في نظر أبنائها يرونها حالمة، ومهضومة الحق إعلامياً من ناحية تسليط الضوء على ما تحويه جزرهم من جمال وطبيعة، إلى درجة أن من يُقرر زيارتها للمرة الأولى، حتماً سيعود لها مرةً أخرى بأي حال من الأحوال للاستمتاع بطبيعتها، وجمالها، وصفاء شواطئها.

المهتمون بالنقوش التاريخية، سيجدون في هذه الجزر، ما يهوونه بكثافة، وذلك لتأثرها بالحضارات التي أقيمت في بلاد اليمن، حيث توجد إلى الوقت الراهن آثار كشف النقاب عن بعضها وقيل إنها ترجع إلى عهد مملكة حمير التي أقيمت في اليمن، ووجدت بعض الآثار المشابهة للآثار في بلاد اليمن، الأمر الذي يوحي بارتباط جزر فرسان السعودية بعدد من الحضارات التي خلفت لنا آثاراً تاريخية تستحق الاهتمام على الصعيد المحلي، والدولي في وقت واحد.

العثمانيون كانت لهم في تلك الجزيرة بصمات تاريخية لا تزال عالقة بالجزر بالرغم من آلاف السنين التي مرت عليها، لا تقل عن بصمات أبناء مملكة حمير، فعندما جاءوا إلى البحر الأحمر استطاعوا جعلها بحيرة عثمانية، وذلك في القرن السادس عشر الميلادي، فيما كان العثمانيون ضمن من حوتهم الجزر السعودية خلال مواجهتهم مع البرتغاليين خلال تخطيطهم للهجوم على العثمانيين آنذاك.

تشتمل فرسان على آثار تركية، عثمانية، وآثار إسلامية، وقلاع أثرية قديمة، مثل قلعة لقمان، وقلعة غرين، وقلعة القصار، ووادي مطر الشهير بآثاره الممتدة في أعماق الزمن، والتي يعود تاريخ بعضها إلى عصر ما قبل الإسلام بكثير من العصور.

السفر إلى فرسان يحتاج لشيء من الشجاعة لمن لا يهوون ركوب البحر، حيث يشكل البحر الطريق الوحيد الموصل للجزيرة الحالمة، عن طريق عبارات تقوم بنقل أبناء الجزر، وزوارها في رحلة بحرية تستغرق أكثر من ساعتين بقليل، فالتشويق يبدأ منذ التفكير بزيارة ذلك المكان الحالم، الذي بدوره وفرت الحكومة السعودية به النقل عن طريق العبارات بالمجان.

المهتمون بالطيور، سيجدون في محميات الجزر ما يشدون به وله، حيث تصل الطيور البحرية في الجزر إلى الآلاف في أعدادها، فيما تنقسم إلى ثلاثة أنواع منها الطيور البحرية، والبرية، وطيور الشواطئ، التي تقترب في الجمال من طيور الزينة، إن لم تكن أجمل.

الغريب في الأمر، أنه حتى طيور فرسان، اعتادت على اتباع عبارات المسافرين لجزرهم الجميلة، حيث تتشكل على شاكلة أسراب، تقوم بالتحليق فوق عبارات «ضيوفهم» إلى أن يبلغوا الجزيرة، وكأن لسان حال تلك الطيور يقول أهلا بمن سيتعلق بسحر جمال جزرنا، وسنعتاد على زياراته حينما تأتي الفرصة الأكيدة، التي لا بد أن تأتي لمن زارها وتعلق بسحرها وجمالها منذ الوهلة الأولى. الغزلان التي ستشاهدها تجول بكامل حريتها، لها من تلك الجزر النصيب الأكبر، حيث تحتضن تلك الجزر نوعاً خاصاً من الغزلان، أطلق عليه اسم غزلان فرسان، أو الغزال العربي الادمي، كما يطلق عليه أيضا الغزال الفرساني.

التقيت خلال زيارة نظمتها الهيئة العليا للسياحة، ببعض ممن تعلقوا بتلك الجزر الجميلة الخلابة، فقد قدم البعض منهم من الرياض هرباً من بردها، ومن عدد من الدول العربية ممن سحرتهم تلك الجزر بجمالها، وأعتقد أنني سأنضم لمن تعرضوا لسحر طبيعة تلك الجزر، التي تشبه في جمالها بعضا من نسج الخيال، أو الصور التي في الغالب لا نراها إلا على جدران بعض القصور الفارهة.

فرسان بطبيعتها، تتمتع بأجواء فريدة من نوعها على مستوى المنطقة، حيث تمتاز بالدفء في فصل الشتاء، وباعتدال الأجواء في فصل الصيف، والذي غالباً، يكون حاراً في بعض مناطق السعودية، والخليج بشكل عام.

أهالي جُزر فرسان، الذين بلغ تعدادهم أكثر من خمسة عشر ألفا، على سجيتهم بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، اذ يتمتعون بكرم مُنقطع النظير، لكنهم يخشون من الأيام المقبلة، طبعا على جزيرتهم الحالمة، حيث يخشون من أن يطال التلوث لؤلؤتهم العائمة على أطراف الجزء الجنوبي من البحر الأحمر.

هم يحلمون بدورهم بأن تكون جزيرتهم نقطة جذب سياحي من الدرجة الأولى، على الأقل على الصعيد المحلي، ولكنهم حسب ما أباحوا به، يخشون في نفس الوقت من أن تتحول جزيرتهم إلى مكان لا يقدر، في حال وصول الجزيرة بعض ممن لا يثمنون وجود مثل تلك الجزيرة على الخريطة، ويعنون بالتأكيد السياح العابثين، والذين يختلفون عن بعضهم بعضا في طريقة العبث، وعدم تقدير مثل تلك الأماكن الجميلة، كما هو حادث في بعض المناطق السياحية الجميلة في السعودية، التي طالتها يد العبث والتخريب من الناحية الجمالية.

يشتهر أبناء الجزيرة السعودية الحالمة، بصيد الأسماك، واستخراج اللؤلؤ، حيث يعتبر المصدر الأساسي للبعض منهم لجلب قوت عيشه، وعيش أبنائه، خصوصا أن فرسان تمتاز بنوع من الأسماك الفريدة على مستوى العالم من حيث النوع والحجم، ناهيك عن الطريقة التي تقوم بها نساء فرسان في طهي تلك الأسماك، التي يعتقد أنها الطريقة الوحيدة، والفريدة التي تتميز بها نساء الجزيرة، نظراً لخصوصيتها لديهن.

فرسان بدورها، خلفت العديد من الشعراء والأدباء والمثقفين الذين بلغوا العالمية واحتوتهم، وما زالوا يجابهون بأن جزرهم ستبقى من أجمل مناطق العالم في جلب السياحة وذلك عن طريق شعرهم الذي يعتبر الإرث الوحيد عقب موت البعض منهم، حيث أمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بتحويل منزلي الرفاعي الأثريين بمحافظة فرسان إلى مركز إشعاع حضاري وأثري وثقافي ومعلم سياحي بارز بعد ترميمهما، وإنشاء مكتبة عامة بجوار المنزلين الأثريين، ليشكلا معلما بارزا من المعالم السياحية الجديدة في جزيرة فرسان.

تاريخ المنزلين الأثريين يعود إلى منتصف القرن الهجري الماضي، فيتميزان بالنقوش والزخارف الرائعة وتزينهما آيات قرآنية كريمة محفورة على الخشب ومطلية باللون الذهبي الجميل، وقد تم توفير كافة المستلزمات لهما من الهند.

إبراهيم مفتاح، شاعر ومؤرخ ومثقف سعودي، يعتبر من البارزين في الحركة الثقافية والشعرية السعودية، وهو من أبناء تلك الجزر، ويعتبر الوحيد الذي بقي من أبناء تلك الجزيرة المثقفين والشعراء، بعد أن غيب الموت العديد منهم، والذي يرى نفسه حريصا على الإرث التاريخي لتلك الجزر، وموروثها الخاص بها، حيث تغنى خلال أكثر من قصيدة وعبر عن حبه لمسقط رأسه، الذي يخشى عليه من عثرات الزمن، ويطالب في الوقت نفسه بأن تجد جزر فرسان الاهتمام الكبير من قبل الجهات المسؤولة عن السياحة، والمهتمة بالآثار، والإرث التاريخي.

مسجد النجدي من مساجد جزيرة فرسان القديمة الذي شيده تاجر اللؤلؤ إبراهيم التميمي -رحمه الله-، في عام 1347 ما بعد الهجرة، وأهم ما يميز هذا المسجد هي النقوش والزخارف الإسلامية، التي تشبه إلى حد كبير تلك الموجودة في مسجد قصر الحمراء.

بعض أبناء السعودية، لا يملك أدنى معلومة عن تلك الجزر، نظراً لبعد موقعها الجغرافي كونها تبعد آلاف الكيلومترات بأطراف السعودية، إلا أنها أَسَرت البعض منهم، ممن زاروا تلك المنطقة، إلى أن أصبحت مزارا لهم خلال الإجازات الرسمية، وهو ما أصبح ملموساً من قبل أبناء العاصمة الرياض ومنطقة القصيم اللتين تشتهران بالبرودة الشديدة خلال فصل الشتاء، والذين وجدوا ملاذهم خلال هذا الفصل في جزيرة فرسان لدفء الجو فيها خلال فصل الشتاء.

الهيئة العليا للسياحة السعودية، أولت جُزر فرسان اهتماماً هائلاً، خصوصاً في الفترة الأخيرة، حيث اعتبرتها الهيئة من أهم المواقع السياحية، والأثرية، وتسعى لإيصالها للمستوى المحلي من حيث التسويق لها، وعلى المستوى الخليجي أيضاً، وبالتالي للمستوى العالمي.