شترالزوند.. فينيسيا الشمال ونافذة البحار الألمانية

فيها أكبر معرض للأحياء المائية في أوروبا

دار البلدية القديم في شترالزوند («الشرق الأوسط»)
TT

ليس غريبا أن يطلق على شبه جزيرة شترالزوند الألمانية الشمالية اسم «فينيسيا الشمال» لأن مياه البحار تطوقها من الخارج، وتحولها البحيرات والأقنية الاخطبوطية في الداخل، إلى مدينة عائمة بالفعل. وزادت جاذبية مدينة شترالزوند التاريخية للسياح أخيرا بعد أن افتتحت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل فيها أكبر معرض للأحياء المائية في أوروبا ينتظر أن يجتذب اكثر من مليون سائح سنويا.

وشترالزوند هي بوابة البر الألماني إلى جزيرة روغن، التي تعتبر أكبر الجزر الألمانية، وجسر السياح إلى الشمال الاسكندنافي. وتقع المدينة على مضيق بين جزيرة روغن وبحر البلطيق وتحولها ثلاث بحيرات داخلية كبيرة، وهي بحيرات فرانكن وشترالزوند وكنيبر، إلى شبه جزيرة. وحول البروسيون شترالزوند إلى قلعة عسكرية محكمة في السابق مستفيدين من طبيعتها البحرية. وبنت دولة «الهانزا» الشمالية في القرن الرابع عشر سورا عظيما، وسدودا، حولت المدينة إلى معقل بحري منيع.

وكانت شترالزوند قرية للصيادين السلافيين في القرن الثاني عشر قبل أن يزحف إليها الألمان من مدن الراين في القرن الثالث عشر. وبقيت المدينة تحت حكم السويديين حتى القرن الثامن عشر حيث احتلها البروسيون في «حرب الشمال» ضد الاسكندنافيين في القرن الثامن عشر. وهي اليوم مدينة للتجارة وبناء السفن والأبحاث البحرية في ولاية ميكلنبورغ فوربومرن الشرقية.

وضمت اليونسكو المدينة القديمة إلى قائمة الإرث الثقافي للبشرية عام 2003. ومن يزور المدينة يلاحظ فعلا بأنها قد حافظت على طرازها التاريخي القوطي، المطعم بالعناصر الباروكية، رغم الحروب والقصف العنيف في الحرب العالمية الثانية. وما زال السائح قادرا على رؤية أجزاء من سور المدينة وبوابتي كنيبر وكوتر، وهما بوابتان من أصل 10 بوابات للمدينة المسورة.

وتعتبر دار البلدية القديمة (بنيت عام 1400) من أهم الآثار القوطية في المدينة القادمة. وإلى جانبها تنتصب كنيسة نيكولاي الصخرية العظيمة (بنيت بين 1270-1350) ودار فولفلامهاوس التي بناها السويديون عام 1380 مقرا لحكومتهم. تشكل هذه المباني مع دير يوهانيس (1245) الفرانسيسكاني والسوق القديمة أهم معالم المدينة القديمة. ناهيكم طبعا عن الميناء القديم الذي تتحرك فيه السفن والعبارات باتجاه بحر الشمال وصولا إلى البر السويدي والنرويجي والدنماركي.

ويجد الزائر متعة بالغة في التنقل بين السوق القديم في شمال المدينة والسوق الجديد في جنوب المدينة والذي لا يقل جمالا وقدما عن الأول. فالسوق الجديد بني عام 1380 من حجارة كنيسة مارين التي حطمتها الحروب المتتالية. ورغم أن مساحة شبه الجزيرة لا تتعدى 40 كم مربعا إلا أنها زاخرة بالغابات والحدائق والبحيرات والقنوات التي يجد فيها السياح ملاذا بيئيا.

وتبدو المدينة في قمة نشاطها في الصيف حيث تزدهر حركة اليخوت وسباقات القوارب والسباحة. وتشهد سواحلها الشمالية صيف كل عام مسابقات لركوب البحر، وسباقات لليخوت تتخذ من يوم الأربعاء مناسبة للاحتفالات على ظهور اليخوت. وهناك سباق سنوي في السباحة، يشارك فيه نحو 1000 سباح، لقطع مسافة 4,6 كم، ذهابا وإيابا، بين شترالزوند وجزيرة روغن.

وتوفر المدينة سلسلة من الفنادق والنزل والبيوت لاستقبال 300 ألف سائح كل صيف. وتشتهر المدينة بوجبات السمك التي تقدمها المطاعم الألمانية والسويدية في المطاعم الفاخرة وفي المطاعم الشعبية في الميناء. وتعتبر وجبة سمك «الرنجة» بالصلصة من اشهر أكلات شترالزوند لارتباط اسمها باسم موحد ألمانيا بسمارك. ويطلق الشترالزونديون على الأكلة اسم «رنجة بسمارك»، مبتكرها هو الطباخ وتاجر السمك كارل فيشمان، ونال الأخير موافقة المستشار بسمارك قبل أن يجرؤ على تسميتها. ويقال ان بسمارك جرب وجبة السمك بالصلصة قبل أن يقبل بإطلاق اسمه عليها. وعلى أية حال، نال هنري راسموس، صاحب المطعم الذي يحمل اسمه، براءة اكتشاف «رنجة بسمارك» ويقول انه الوحيد الذي يقدمها بالضبط حسب وصفة فيشمان.

معرض الأحياء المائية «اوشينيوم»: افتتحت المستشارة انجيلا ميركل معرض الأحياء البحرية «اوشينيوم» يوم 11 يوليو 2008 وهي تقف تحت أكبر نموذج للحوت الأزرق طوله 26 مترا. والحوت الأزرق ليس الساكن الوحيد في الاوشينيوم، الذي بني في ميناء مدينة شترالزوند، والذي يتسع إلى 7000 حيوان بحري كبير، إلى عدد لا يحصى من الأسماك الصغيرة والملونة، وإلى آلاف الأحياء النباتية التي تعيش في أعماق البحار. ويقع المعرض في 39 حوضا هائلا للماء تتسع إلى 6 ملايين لتر من الماء ومحاطة بواجهات زجاجية كبيرة تحت سقف يرتفع 18 مترا.

وهو أكبر نافذة من نوعها على الحياة البحرية في أوروبا، يجمع بين التصميم الهندسي الجميل، وجمال الحياة الطبيعية في البحار. وجرى تقسيم المعرض في ثلاثة أقسام تضم الأحياء المائية، بين فنلندا والمغرب، في بحر الشمال وبحر البلطيق والمحيط الأطلسي. ويمتد المعرض على مساحة 8700 متر مربع واعتبرته انجيلا ميركل أجمل تصميم هندسي منذ تصميم القرية الأولمبية في ميونخ عام 1972.

ونظرا لمساحة المعرض الشاسعة فقد زوده المهندسون بسلالم وأرضيات متحركة تعتبر الأطول من نوعها في العالم. ويضم في أحواضه حيوانات ضخمة بينها الباراكودا وأسماك القرش، إضافة إلى اخطبوط طوله 6 أمتار. وعدا عن الأحواض المائية فقد أقام النحاتون معرضا بالحجم الطبيعي للحيتان والدلافين بدعم من منظمة غرين بيس البيئية. كما يضم المعرض في قاعاته الهياكل العظمية للحيتان الكبيرة وأسماك القرش والدلافين، ويستطيع الزائر أن يتمتع بالاستماع إلى أصوات الدلافين والحيتان وهي تنادي بعضها في أعماق الماء.