الغوص.. رياضة المغامرين

لعلاقة أكثر عمقا مع البحر

الغوص من الرياضات المفضلة خلال الرحلات البحرية («الشرق الأوسط»)
TT

مهما كثر محبو البحر وزرقته، فإن علاقتهم به تبقى «سطحية» تقتصر على السباحة والتمتع بخيوط الشمس، فيما توطيد هذه العلاقة وجعلها اكثر عمقا يحتاج الى الذهاب الى ابعد من ذلك. يحتاج الى الغوص وسبر اغوار تلك الزرقة التي تشكل عالما بحد ذاتها. عالم سرعان ما تتكشّف اسراره مع كل «غطسة»، وكأنها أشبه بستار يرتفع ليكشف كنوز ذاك العالم المائي. عالم قائم بذاته قابع في ذاك العمق كمن ينتظر ضيوفا يقدّرون كنوزه ويحترمون «سكانه» من أسماك وحيوانات وأعشاب.

خفر بجماله، هادئ بروعته، صاخب بألوانه، واحيانا كثيرة غني بآثاره وغنائمه. عالم البحار والمحيطات يقدّم لرواده مروحة واسعة من اللوحات الخلابة التي تتطلّب ايجاد فن الغوص. وهذا بدوره، ليس اعتباطيا او عفويا، بل يتمتّع بأصول وقواعد يجب التقيّد بها واحترامها بدقة والا... فالمفاجآت لن تكون سارة، والامثلة للاسف كثيرة. وغني عن القول ضرورة حيازة شهادة معترف بها، تخوّل محب هذه الرياضة استئجار بزة الغوص والعدة اللازمة.

لتوضيح جوانب هذا الموضوع، تحدثت «الشرق الاوسط» الى المدرّب اللبناني جان جبران من نادي «اتلانتيس دايفينغ كولدج»، فأكد ان «الغوص ليس خطرا انما الغواصون هم الخطرون، عندما لا يتقيّدون بالتعليمات الاساسية او حين يقصدون مراكز لتعليم الغوص غير موثوق بها. لذلك عليهم السؤال والتأكد من ان المركز موثوق به وان الشهادة التي يعطيها موثوق بها ايضا. فمنذ ان بدأت تعليم هذه الرياضة اي في عام 1997 لم نترك مجالا لاي حادث، ذلك اني حريص على التقيّد بالقواعد بدقّة، ولهذا السبب أختلف احيانا كثيرة مع تلاميذي لانه بالنسبة الي ممنوع التساهل بالقواعد».

ولفت الى ان هناك انواعا مختلفة جدا من الغطس، ولكل نوع عدّته وقواعده. فهناك «Open water Diver» وهذا يتيح الغوص الى عمق 18 مترا، فيما الغوص الى 40 مترا يتطلّب الخضوع مثلا لدورة «Deep Diver».

وعن المعايير الواجب توافرها في من يريد تعلّم الغوص، قال: «المهم ان يجيد القراءة والكتابة لأن هناك دروسا نظرية تسبق عملية الغوص. كذلك يجب ان يجيد العوم وأن يكون مرتاحا وليّنا ومتآلفا مع المياه. فلدى التقدّم من المركز لتعلّم رياضة الغوص، يخضع الفرد لاختبار صغير. يرمي المدرّب شيئا في حوض سباحة عميق ويطلب من الفرد احضاره، فإذا كان أداؤه جيدا تم قبوله في الدورة، أما اذا بدا مرتبكا فيرفض. بعد اجتياز هذا الاختبار يتبع الفرد دروسا نظرية، ويحضر شريطا مصوّرا نطلعه فيه على تفاصيل الغوص، بعدها نقوم بمناورات في حوض السباحة ولا نتوجّه الى البحر الا بعد التأكد من سلامة اداء الفرد».

ونبّه الى ان سرعة الصعود الى سطح المياه يجب الا تتخطى 18 مترا في الدقيقة والا فسيتعرض الغواص لمشكلات بسبب تكاثر غاز الازوت. كما يجب ان يغوص الفرد برفقة شخص آخر شرط الا يفترقا. ويجدر الانتباه ايضا الى العدة المستخدمة والتأكد من سلامة قارورة الهواء، فيجب الا تعبأ إذا كان تاريخ تصنيعها قد تخطى الخمس سنوات، والا فستكون عرضة للانفجار. عن انواع الغطس، قال إن هناك مجموعة واسعة ولكل نوع قواعده ومعداته. فيمكن التخصص في «الغوص في المغاور» (Cavern Diving) أو في «التصوير تحت الماء» (Under Water Photography) او في «التصوير السينماتوغرافي» (Under Water Cinematography) او في «الملاحة تحت الماء» (Under Water Navigator) حيث يتعلّم الفرد استعمال الشمس والرمل والبوصلة ليعرف طريقه تحت المياه. وهناك أيضا «الغطس الليلي» (Night Diving) الذي يتيح رؤية الاسماك النائمة، وهنا لا بد من الاشارة الى ان السلطات اللبنانية تمنع استخدام البندقية مع عبوات الغطس في اصطياد الاسماك.

وهناك «الغطس داخل الحطام» (Wreck Diving) الذي يتطلّب تدابير خاصة جدا وتجهيزات مختلفة، تجنبا لاي حادث وأخيرا «الغطس تحت الجليد» (Ice Diving) وهذا طبعا ليس موجودا في البحر المتوسط انما في الدول الباردة. وهناك دورات أخرى للانقاذ وللارشاد السياحي (Dive Master) ولتعليم الغوص.

وقال جبران ان المركز يتيح حيازة شهادتين تابعتين لمدرستين مختلفتين، الاولى «بادي» (PADI) تركّز على طرق الغوص واستخدام العدة اي انها تهتم بالجانب الرياضي والثانية «ناشونال جيوغرافيك» (National Geographic) ومركزنا هو الوحيد المعتمد في العالم العربي لاعطاء هذه الشهادة. وهذه المدرسة تركّز على اهمية البيئة البحرية وجمالها. تعلّم الغواص احترام الاسماك والحيوانات البحرية، باختصار يتعلّم كيف يكون ضيفا لدى هذه الكائنات من دون ازعاجها. وبإمكان حائز هذه الشهادة ان يصوّر «مكتشفاته» ويوثقها ويرسلها الى قناة «ناشونال جيوغرافيك» التي تهتم ببث هذا النوع من الاشرطة الوثائقية. وبشكل عام تستمر دورة الغوص العادية 10 ايام أما الاختصاصات الفرعية فتختلف لكنها تتراوح بين يومين و4 ايام.

ماذا عن بحر لبنان؟ ما هي الامور التي يمكن للغواص مشاهدتها؟ يقول جبران ان هناك الكثير من الجبال والوديان والجدران المستقيمة وحطام السفن، ولعلّ الامر الايجابي الوحيد للحروب هو ما اورثت بحرنا. فهناك سفينة «ويند سونغ» البريطانية التي غرقت في الحرب العالمية الاولى عام 1914، وغواصة «سوفلور» الفرنسية التي غرقت في يونيو (حزيران) 1941، وباخرة الشحن «أليس ب» التي غرقت خلال الحرب اللبنانية وتحديدا 1988. وهناك مجموعة مهمة من المعالم الاثرية. ففي صور على سبيل المثال، يسمح الغوص لرؤية آثار رومانية من طرق واعمدة تبدأ من عمق 3 امتار وتصل الى 14 أو 15 مترا. وفي صور ايضا هناك نبع مياه ساخن وآخر بارد. وفي شكا على الساحل الشمالي هناك نبع مياه بارد. والساحل الشمالي غني ايضا بالآثار، ففي جبيل هناك آثار صليبية اما في البترون وعمشيت فهناك الكثير من المغاور. محبو التعرف الى اعماق البحار بإمكانهم المشاركة في رحلات سياحية واستكشافية للغوص. وفي هذا الاطار، اوضح جبران ان من المهم ان تعنى وزارة السياحة اللبنانية بهذه الرياضة، فالى مصر يتوجه سنويا نحو 200 ألف غواص من كل انحاء العالم بفضل اهتمام وزارة السياحة بالترويج لهذا النشاط.