«المحافظة السابعة» في جبل لبنان.. «داء لكل دواء»

السياح الكويتيون يصفون بحمدون بـ«المرض الجميل»

ليل بحمدون.. زحمة وصخب وكثافة رواد («الشرق الأوسط»)
TT

كيفما توجهت تسمع «هلا والله»، «سلامات»، «ما تقصر والله» وما الى ذلك من عبارات خليجية بلهجة كويتية محببة. قد تحسب للحظة انك في المحافظة السابعة من دولة الكويت، لولا «الغطيطة» اي الضباب الذي يغشى فجأة المكان، لتعود وتتذكر انك في بلدة بحمدون في قضاء عاليه من جبل لبنان. فهذه البلدة التي تتميز بمناخها وضبابها الذي يثلج الصدور، تضم على امتداد شارعها الرئيسي المعروف بـ«بحمدون المحطة» كل ما يحتاجه زائرها والمقيم فيها، وذلك لتلبية رغبات المصطافين الكويتيين تحديدا الذين لا يرضون بديلا عن تمضية اشهر الحر في ربوعها مهما كانت المغريات او الظروف. تبعد البلدة عن العاصمة بيروت مسافة 35 كم، وترتفع عن سطح البحر 1000 متر تقريبا. تضم بحمدون الكبرى 9000 وحدة سكنية غالبيتها مجهزة للايجار، بما فيها 800 وحدة سكنية تقع في بحمدون المحطة وشقق مفروشة وأكثر من خمسين فيلا. كذلك تضم 350 مؤسسة تجارية إلى جانب أكثر من عشرين فندقا، بينها ثمانية فنادق خمسة نجوم. وكل ذلك اضافة الى المساجد الموزعة في أماكن تسهل على المصلين الوصول اليها اينما كانوا يقيمون. وهذه المعطيات والتسهيلات جعلت بحمدون المنزل الثاني للكويتيين، لذا يطلقون عليها تحببا «المحافظة السابعة»، فهي تعد واحدة من اكثر مدن الاصطياف اللبنانية جذبا لهم، وفيها يملكون عددا كبيرا من العقارات والسبب جوها الجاف والصحي. لكن العلاقة الوطيدة بين الخليجيين والبلدة تعود الى ما يقارب قرنا من الزمن. فهي كانت ولا تزال غنية بالمقومات التي تجذب أجيالاً مختلفة، كباراً وصغاراً وشباباً. واذا سألت رئيس بلدية بحمدون- المحطة اسطا ابو رجيلي، ستسمع الجواب التالي: «بحمدون تعرف حاجات المصطافين والعائلات، الأجواء العائلية تغلب على طابعها. عناصر شرطة البلدية يعملون ليل نهار، على امتداد 24 ساعة ليمنحوا المصطافين الشعور بالأمان الكامل».

وتتوافر في فنادق بحمدون كل العناصر التي تجعلها بجدارة «خمسة نجوم». لكن الألفة تنعكس في كيفية توزع الإطار العقاري بين خليجيين ولبنانيين وبحمدونيين. فالخليجيون يملكون ثلث بحمدون المحطة، والثلث الثاني يملكه لبنانيون، والثلث الثالث مملوك من الاهالي. وبالتالي لا بد لمن يعبر الشارع الرئيسي ان يشعر وكأنه في الكويت. فالسياح العرب بغالبيتهم الكويتية يملأون المطاعم والساحات والمحلات التجارية التي تعرض بضائع تناسب الذوق الخليجي عموما والكويتي تحديدا. كذلك يمكن لهؤلاء السياح ان يتابعوا عن كثب ما يحصل في بلدهم من خلال الصحف الخليجية عامة والكويتية خاصة. ونسج هذه العلاقة الخاصة استوجب من بلدية بحمدون جهودا ورؤية بناءة ومثمرة أدت الى توفير كل ما يسهل اقامتهم. فتم انشاء المؤسسات الخدماتية كفندق «سفير بحمدون» الذي يعتبر أكبر فندق في المنطقة وفندق «الصفاة» و«ديوانية ابو راشد» التي تتيح للمستثمرين الكويتيين التداول في الأسهم المدرجة في بورصة الكويت وأتت الفكرة بعد ان كان المستثمر الكويتي يتعرض لخسارة جراء التأخير الذي يتعرض له عند قيامه بانجاز مثل هذه الصفقات عبر الهاتف، وأيضا تم افتتاح مكتب الخطوط الجوية الكويتية بشكله الجديد، اضافة الى فروع لمصارف كويتية.

وكانت قد بدأت التحضيرات في مدينة بحمدون لاستقبال «أبنائها» الكويتيين كما يطيب لأهل البلدة والمسؤولين فيها ان يقولوا، بعد أن اشتاقت اليهم طوال السنوات الثلاث الماضية بسبب الأزمات والحروب التي عاشها لبنان وأثرت على حركة الاصطياف المعهودة.

ولهذا الهدف بدأت الاستعدادات التي تليق بالمدينة وزوارها الذين يمكنهم التنقل في عربات خيل تجوب الشارع الرئيسي، او في نموذج صغير لسفينة او قطار او عربات يتراكض الاطفال لركوبها. وكانت الاستعدادات قد شملت تأمين التيار الكهربائي، وكذلك الاهتمام بمواصفات البيئة السليمة للحفاظ على النظافة، كما اُمّن وجود رجال الأمن في البلدة، وكذلك نساء الامن اللواتي يشكل حضورهن سابقة تستفيد منها السائحات والمصطافات. واللافت افتتاح مكتب للسياحة وضع في تصرف البلدية وذلك لمساعدة المصطافين.

ولمهرجانات بحمدون حكاية مختلفة، أبرزها مهرجان الكويت الذي تنظمه البلدية كل عامين، وتتخلله حفلات غنائية ومعارض فنية ومباريات رياضية. وهي اليوم بصدد التحضير له على أمل أن يكون الحدث الصيفي الأبرز والأهم، وكان أبو رجيلي قد أكد خلال حفلة فولكلورية أقامتها البلدية لإطلاق قطار الاصطياف من دون الاعلان عن برنامج المهرجانات المقررة. وذلك افساحا في المجال أمام القطاع الخاص لتنظيم ما يناسبه. كما أكد أن صيف 2008 سيكون من أبرز وأهم مواسم الاصطياف في لبنان والتي بدأت معالمها تظهر مع وصول مواكب السياح العرب عموما والكويتيين خصوصا. هذا الامر يبدو واضحا في أسواق البلدة التي تشهد كل مساء زحمة سير وكثافة رواد، فيتحول ليل بحمدون الى نهار كما يؤكد احد المصطافين محمد المنصوري. ويقول: «ان لبنان بلد السهر والحياة وبحمدون خير مثال على ذلك. انظر الى الموجودين في ساحاتها، انهم يعيشون كل لحظة من دون الاهتمام بالوقت المتأخر، انها الاولى بعد نصف الليل ونشعر كأنها الرابعة أو الخامسة من بعد الظهر». ويضيف: «لبنان بلد الحياة والفرح ولا تليق به الحروب». أما زميله عبد الله العيسى فكان في جوابه نوع من تحدي الشائعات التي تثار عن الوضع القلق في لبنان. فيقول: «يبدو أن هناك حملة اعلامية هدفها ضرب الموسم السياحي في لبنان، لا أدري ما السبب وراءها غير اخافتنا، إلا اني أؤكد لكل أبناء الخليج الذين اعتادوا تمضية العطلة الصيفية في وطنهم الثاني لبنان أن الوضع طبيعي جدا لا بل مميز ولم نواجه أي مشكلة أو خطر. أنا وعائلتي نشعر بسعادة وبراحة البال». كما أن نسبة كبيرة من السياح الكويتيين تحديدا، يملكون منازلهم الخاصة في بحمدون. كما هي الحال مع خالد السعود الذي قال: «ان ما يميز لبنان هو قرب بحره الى الجبال، وكذلك الطيبة وحسن الاستقبال اللذان يتمتع بهما أبناؤه». ويضيف: «بعد أن اعتدت زيارة لبنان أعواما عدة، قررت والعائلة شراء منزل فيه. لبنان مرض جميل، أدمنّاه وأصبحنا نزوره كل عام، لذا ما المانع من شراء منزل فيه. وأنا أتمتع كثيرا بأمسيات بحمدون المحطة وأجوائها، كما أني أعشق مناخ وهدوء بحمدون الضيعة حيث منزلنا». كما أضاف ممازحا: «نحن نحب لبنان، ربما أكثر من أهله».

اما السائحة الكويتية زينة الرومي فأكدت: «هذه السنة ورغم كل ما حصل قبل شهرين، انتظر جميع الكويتيين والعرب الفرصة ليأتوا الى لبنان والى بحمدون التي أحبتهم وأحبوها، انظروا الى أسواقها التي تكاد تختنق بالمصطافين الكويتيين». وتضيف: «ان الطائرات الآتية الى لبنان مزدحمة، ووجدنا الحجز بعد طول انتظار وهذا بعكس ما يثار عن الوضع هنا».

بعيدا عن أجواء الصخب التي تشهدها بلدة «بحمدون المحطة» وعلى مسافة مئات الأمتار صعودا تقع بلدة «بحمدون الضيعة». والبلدتان تشكلان في الأساس بلدة بحمدون الكاملة، كما يقول رئيس بلدية بحمدون الضيعة وليد خير الله لـ«الشرق الأوسط». ويوضح أصل التسميتين، فيقول: «جرت العادة في أيام ابائنا وأجدادنا أن يقول أبناء الضيعة، نحن متجهون الى المحطة، التي كانت في الأساس محطة قطارات. لذا ومع مرور الأيام أعطيت تلك المنطقة اسم بحمدون المحطة. لاحقاً قسمت إداريا وأصبح لكل قسم مجلسه البلدي الخاص. اليوم القريتان تكملان بعضهما فبحمدون المحطة هي وجهة السياح للسهر والتسوق أما بحمدون الضيعة فهي للهدوء وراحة البال». ويضيف: «ان أهمية بحمدون الضيعة انها شكلت عبر العقود مرتعا للاصطياف بفضل وحدتها الجغرافية المتماسكة وبارتباطها بالجرد وامتدادها غربا صوب رشميا وبتواصلها اليومي مع بعلشمية وعالية وحمانا. كما أن أغلب العائلات الكويتية لديها منازلها وفللها الخاصة. جميع اصحابها يأتون ويمضون عطلتهم الصيفية. فبحمدون تتميز بمناخها الصحي وهدوئها وحتى اليوم يصفونها بأنها دواء لكل داء». ومع بدء قدوم السياح واستقرار الأوضاع السياسية اقامت بحمدون الضيعة مشاريع عدة. عدد خير الله بعضها، فقال: «انشأنا حدائق عامة. ونحن في طور انشاء المزيد، كما شجرنا جميع الطرق. كذلك نستعد لانشاء مستوصف طبي للمنطقة. وبسبب مشكلة الكهرباء وفّرنا مولدا كهربائيا على حساب البلدية لانارة كل شوارع البلدة في حال انقطاع التيار». ويوضح خير الله ان تعلق السياح بمنطقة بحمدون مرده الى الضيافة البحمدونية وطبيعة أهلها المسالمة. فهم لا يفرقون بين المصطافين وأهل البلد. وبحمدون كانت على امتداد القرنين الماضيين مركز اصطياف للعرب.