سردينيا تتكلم لغة اليخوت وروعة المرجان والياقوت

جزيرة ضائعة بين أوروبا وأفريقيا

TT

ستحب زيارة سردينيا دون ادنى شك وان لم تكن من المحظوظين الذين يملكون يختا للابحار، لأنك ستحس فيها بشعور خاص لن تجده الا في وسط البحر الأبيض المتوسط فهي ثاني اكبر جزيرة في المتوسط وروعة جمالها الطبيعي ومهرجان الفروسية المتأثر بالعادات العربية ومياه البحر الصافية كالكريستال تفوق سمعتها كملاذ للأغنياء والمشاهير الذين يمتلكون الفيلات الفخمة في الشاطئ الأخضر الزمردي وعلى رأسهم الملياردير سيلفيو برلسكوني رئيس الوزراء الايطالي، حيث يزخر ميناء بورتو شيرفو بعشرات اليخوت الكبيرة والسفن الشراعية الصغيرة، تقيم فيها أحيانا في عرض البحر شخصيات دولية مرموقة مثل ملكة هولندا والأمير السعودي الوليد بن طلال والفنانتين جوليا روربتس ومادونا. تبعد الجزيرة ما يقرب من 200 كيلومتر عن اليابسة الايطالية وأكثر من ذلك بقليل عن تونس، وقد وصفها الكاتب المشهور دي ايتش لورنس عام 1921 بأنها «ضائعة بين اوروبا وافريقيا».

وصلت بالباخرة من مدينة شيفيتا فيكيا القريبة من روما الى كالييري عاصمة سردينيا في أقصى جنوب الجزيرة التي لا تبعد أكثر من 15 كيلومترا عن جزيرة كورسيكا الفرنسية حاليا والايطالية سابقا وبالامكان اختصار الوقت والسفر بالطائرة من العاصمة الايطالية الى كالييري أو اولبيا في الشمال الشرقي أقرب مكان للانتقال الى أغلى رمال العالم في الشاطئ الزمردي أو الغيرو ذات الطابع الاسباني في شمال غربي الجزيرة، ومن اللحظة الأولى تحس أن الأرض والجو والهواء تختلف عن ايطاليا، فالطبيعة الساحرة ما زالت على فطرتها ما عدا معقل الأغنياء في الساحل الشمالي الشرقي والمطر قليل طوال العام والأجواء نقية لأن الجزيرة تحافظ بجد على مستلزمات البيئة النظيفة والآثار موغلة في القدم والغرابة، فهناك في سونوراكسي لغة محلية غامضة لا يفهمها حتى الايطاليون، جعلت من الموقع أحد المواقع الأثرية المهمة في العالم التي وضعت تحت اشراف منظمة اليونسكو لأن القلعة القابعة فوق الهضبة تعود الى العصر البرونزي قبل وصول الفينيقيين الى الجزيرة من ساحل المتوسط الشرقي.

فينيقيا ثم قرطاجة: سافرت بالسيارة مع الأصدقاء من كالييري المحطة التي تنطلق منها غالب الرحلات السياحية متجهين الى أقصى جنوب الجزيرة باتجاه بلدة تدعى تيولادا ووصلنا الى قرية بولا المعروفة بآثارها الرومانية وبعدها الى قرية نورا، حيث تتكشف المفاجآت التاريخية، اذ حط الفينيقيون رحالهم فيها قبل آلاف السنين وبعدهم جاءت جيوش قرطاجة من تونس وبنت الميناء ثم أصبح المكان مستعمرة للرومان اثر هزيمة قرطاجة فغمرت مياه البحر مع الزمن أغلب معالمها. فهمت الآن لماذا اختار الفينيقيون هذا الموقع الجميل الذي تتناثر حوله بقايا آثار المعابد فقد كانوا يفتشون عن مكان مرتفع له كثبان صالحة للملاحة كي تحتمي سفنهم من الرياح بينما يختبئون في اعلى الجبل ليدافعوا عن أنفسهم في حال تعرضهم للهجمات. القنوات المائية التي ما زالت باقية حتى اليوم يمر فوقها الهواء الساخن الذي كان يسخن الحمامات التي انشأتها قرطاجة بطريقة بسيطة مع صور مرسومة بالفسيفساء. كان البحر هادئا أثناء زيارتنا، فتمكنا من رؤية بقية الآثار من علو شاهق وتصورنا كم من هزة أرضية ورياح عاتية سببت تآكل المباني وتعرض لها هذا الموقع التاريخي الاستراتيجي.

ميناء الوعل: اكتشف كريم اغا خان جمال سردينيا في أوائل السبعينات وغامر ببناء الفنادق الفخمة في الجزيرة التي كانت تعج بالأغنام، ودفع الفدية، بل قد تجد نفسك آنذاك في حانة يدخلها الاشقياء ويتبادلون اطلاق الرصاص في ما بينهم على طريقة رعاة البقر في الغرب الاميركي. أصبح الشاطئ الحديث المسمى الزمردي (كوستا ازميرالدا) الآن أفخم وأغلى شاطئ في العالم في المنطقة المسماة ميناء الوعل (بورتو شيفرو) وما حوله أي بايا سردينيا وبورتو روتوندو. الجميع يعترف بجمال الطبيعة والبحر في تلك المنطقة لكن قد لا تروق لهم الأبنية الجديدة والسياحة على طريقة فنادق ميامي الاميركية ولا يعتبرون هذه المنطقة ممثلة لطبيعة وجمال الجزيرة المذهل انما يتفقون على أنها تضج بالفرح والحياة وتعتبر المكان المفضل لرؤية المشاهير والنجوم الذين تقارب ثروتهم مدى غنى الآغا خان. لن تندم على زيارة هذه المنطقة، فالطبيعة فيها خلابة والنباتات والأشجار تفترش أرضها وتصل الى شاطئ البحر ذي اللون المائل من الأزرق الى الأخضر لشدة صفائه لكن من الأفضل المجيء بعد ذروة الموسم الصيفي في اغسطس (آب) لأن الحرارة العالية والأسعار الفلكية تجعل من هذا الشهر آب اللهاب فعلا وصدقا.

المطبخ المحلي: تمتاز سردينيا بأفخر أنواع الأسماك وفواكه البحر ـ كما يسمونها ـ مثل الكركند (لانغوست أو لوبستر) وقنفد البحر وكافيار بيض سمك التن (بوتارغا)، كذلك لحم الغنم أو الماعز من داخل الجزيرة وهضابها ومراعيها التي تعطي نكهة خاصة لجبن الغنم تشبه السمن العربي وتجعله أحسن نوع لأجبان الغنم في ايطاليا. وتشتهر بحلويات من نوع خاص مغموسة بالعسل ومطيبة بماء الزهر واللوز لا تجدها في أية بقعة من البلاد.أما الخبز المحلي فيشبه الخبز العربي الرقيق ويسمونه باللغة السردينية (كاراساو) وباللغة الايطالية (كارتا دي موزيكا) (أي: ورقة الموسيقى) والمعجنات تحضر مخلوطة بالزعفران، وعلى العموم يلاحظ الزائر مدى تأثير المطبخ العربي خاصة بلاد المغرب في الأطباق المحلية من دون أن ننسى تأثير المطبخ الاسباني، خاصة من منطقة كاتالونيا وعاصمتها برشلونة، ولا شك أنك ستستمتع بالكركند الطازج المفوح بالعرعر والآس الذي لا مثيل له في العالم اذا لم يكن ثمنه الباهظ عبئا على جيبك.

اذا تبقى لك المزيد من الوقت والمال فعليك بمدينة اليغرو الساحلية الوديعة الفتانة التي يسمونها برشلونة الصغيرة نظرا للتأثير الاسباني فيها فهناك ستبقي زوجتك أو خطيبتك على ما تبقى من ميزانية الرحلة لأنها لن تقاوم اغراء المرجان الأحمر المستخرج من أعماق البحر والمصنوع بشكل فني متقن بشكل عقود أو قروط واذا ظننت أنها ليست بهدية كافية فعليك بخاتم من الياقوت الأحمر أو الأزرق من أحد محلات المجوهرات في الفنادق الفخمة على الشاطئ الزمردي وسيكون تذكارا رائعا لصيفية هذا العام لن تنسى سعره ما حييت الا اذا كنت من قبيلة المشاهير.