شواطئ مصر.. سفر لا ينتهي في البحر والتاريخ

تجمع الأثرياء والفقراء والشتاء والصيف

شواطئ الاسكندرية الخلابة («الشرق الأوسط»)
TT

بين الشواطئ وبين المصريين عشق قديم، تتعدد ألوانه بتعدد حكاياته، ففي رمالها وصخورها ورمالها ومياهها يعانقون ذكرياتهم ويغسلون همومهم ومتاعبهم، ومع تغير دفة الزمن تتغير اتجاهاتهم إليها، لكن يبقى العشق طقسا سنويا يمارسونه صيفا وشتاء. الإسكندرية.. وأخواتها: الإسكندرية هي العشق الأول ودرة الشواطئ رغم أن اختزالها في كونها مصيفا يقصده الملايين كل عام نوع من القسوة لا تستحقها، ولم لا وهي «المرية» التي «ترابها زعفران»، ابنة الإسكندر وشقيقة اليونانيين ومعشوقة الرومان وحبيبة البحر.

تنال شواطئ الإسكندرية نصيبا وافرا من الذكريات فعليها غنى عبد الحليم حافظ «في يوم في شهر في سنة»، ولها شدت فيروز «شط إسكندرية»،ومنها تغنى قنديل «بين شطين وميه عشقتهم عنيه».

في حدائق المنتزه عاش الملوك من أسرة محمد علي أيامهم الصيفية الحافلة بالصخب والغضب، ومن بين جدران قصورها ألقى فاروق الأول نظرته الأخيرة على عرشه قبل أن يعود لمصر جثة هامدة بعدها بسنوات، وفي المعمورة اختار ضباط ثورة يوليو أن يقيموا استراحاتهم التي صبغت الصيف باللون «الكاكي» لون بزاتهم العسكرية، وفي «ميامي» و«سان ستيفانو» و«بئر مسعود» و«سيدي بشر» تتجمع عناصر خلطة غريبة من تراث «الجدعنة» وأخلاق القصور وانفتاح الخواجات تمثل سر احتفاظ تلك المدينة الكوزموبالتينية بسحرها الخاص رغم تعدد المدن التي سميت بالاسم نفسه وبلوغها 18 مدينة.

من الشواطئ الجميلة كذلك «جليم» المعروف بشاطئ العائلات وقد فرضت محافظة الإسكندرية رسوما بسيطة لدخوله مقدارها جنيهان للفرد و3 جنيهات لإيجار الشمسية وكذلك المنضدة، وجنيهان للكرسي لتقليل الكثافة نسبيا.

«المعمورة» تعد مدينة مكتملة المرافق وتستطيع الحصول على كافة احتياجاتك منها، فإلى جانب شاطئها الرائع توجد مطاعم متنوعة وأسواق وتتنوع الإقامة التي تريدها ما بين فنادق و«شاليهات» تطل على البحر وكذلك شقق عادية ، كما يمكن للزائر أن يقضي مساء ممتعا مع تأجير الدراجات أو السهر في إحدى «الكافيهات» الراقية بالإضافة إلى توافر متعة التسوق.

من أكثر شواطئ الإسكندرية روعة «العجمي» ويقع غرب المدينة ويتميز برماله البيضاء الناعمة وهدوئه وخصوصيته التي فضلها نجوم المجتمع لفترة طويلة ولذلك اقتنى فيه أغلبهم فيلات وقصورا قبل أن تتحول الأنظار بشدة نحو قرى الساحل الشمالي حيث مارينا وأخواتها من قرى المجتمع المخملي في مصر .

ينقسم العجمي إلى قسمين رئيسيين الأول هو «العجمي هانوفيل»، والثاني «البيطاش» وهو الأكثر تكدسا بالمطاعم والمقاهي.والى جانب الشواطئ العامة توجد شواطئ لا يدخلها إلا ملاك الفيلات فيها، مثل شاطئ النخيل وشهر العسل وغيرهما.

يد الاستثمار طالت أيضا صيف الإسكندرية بعد افتتاح مشروع «جرين بلازا» الفندقي الترفيهي الضخم بدون شاطئ أو رمال ويقع المصيف الجديد على بعد عشر دقائق فقط من مطار النزهة الدولي وعلى مسافة خمس دقائق فقط من محطة السكك الحديدية بسيدي جابر، أما إذا كنت قادما من القاهرة فستساعدك اللافتات العريضة على مسافة 15 دقيقة من مدخل الطريق الصحراوي التي توضح طريقا مختصرا للوصول إلى جرين بلازا بدون الدخول في منطقة وسط المدينة ذات الكثافة السكانية العالية.

ويتكون المصيف الجديد من عدة مجمعات ترفيهية وتجارية تشمل «هايبر ماركت» ومجمعا للألعاب الترفيهية المفتوحة يمارس فيه الشباب ألعابهم الخطرة مثل تسلق الحوائط الشاهقة بارتفاع 50 مترا وألعاب القفز الحر في الهواء، بالإضافة إلى الملاكمة والفيديو جيم، كما يستطيع الصغار قضاء أوقات طويلة ومفتوحة في منطقة «كيدزبارك» المخصصة للصغار دون الحاجة لجليس بصحبتهم. للأثرياء كذلك نصيبهم من كعكة الشواطئ، وبعد تغيرات كثيرة في خريطة شواطئهم استقر بهم الحال في منطقة الساحل الشمالي، في مجموعة من القرى السياحية الممتدة من غرب الإسكندرية حتى قرب مطروح، وأشهر هذه القرى «مارينا» ملتقى نجوم المجتمع الآن كذلك «ماربيلا» و«مراقيا» وسيدي كرير وسيدي عبد الرحمن وغيرها.. بدأ إنشاء تلك القرى في فترة الثمانينات والتسعينات، في محاولة لجعلها البديل الأقرب إلى البحر المتوسط لسكان القاهرة من مرسى مطروح.

وقد انتزعت قرية (مارينا) اللقب من كافة قرى الساحل الشمالي لتتربع على القمة طوال عشرين عاما خاصة بعد إنشاء مجموعة من البحيرات الصناعية الخلابة التي أضفت على المكان رونقا خاصا وهو ما جعل المستثمرين يستنسخون منها مارينا 2، مارينا 3، مارينا 4 ثم «بورتو مارينا»، وهي الأرقى على الإطلاق والأغلى سعرا فتكلفة الإقامة في فندقها في غرفة عادية بالإفطار 2000 جنيه للفرد (حوالي 400 دولار).

تميز الساحل الشمالي كذلك بمجموعة مميزة من الشواطئ الخاصة التي أصبحت مقصدا لحفلات كبار النجوم مع توافر موسيقى (دي جي) ومنها شاطئ (لابلاج) الأفخم على الإطلاق وهناك شاطئ (أوشن بلو) الذي يشتهر بالحفلات الغنائية الراقصة أيضا.

للنساء فقط!: للمحجبات والراغبات في عدم الاختلاط بالرجال شواطئهن أيضا في الساحل الشمالي ويعتبر شاطئ عايدة الذي يقع بعد قرية مراقيا مباشرة أشهرها، أما في مارينا فهناك شاطئ (لافام) و(يشمك) ـ وهي كلمة تركية تعني النقاب ـ وفيه ترتدي النساء ما يشأن فالخصوصية التي يمنحها الشاطئ لهن تجعلهن أكثر حرية. وعلى الرغم من أن الشاطئ مخصص للسيدات المحجبات إلا أن هذا يشجع الكثير من السيدات غير المحجبات الباحثات عن الحرية للتوجه إليه فهن يفضلن نزول البحر بعيدا عن أعين الرجال، وإن كن يفقدن الجو الأسري في وجود أزواجهن وأبنائهن الشباب.

شاطئ الغرام: جعبة مصايف مصر لا تزال عامرة بالتنوع فعلى بعد 500 كيلو متر شمال غربي القاهرة تستقبلك مطروح ببكارتها ولياليها المقمرة، هناك من الممكن أن تستعيد عبق صوت ليلى مراد على نسيم «شاطئ الغرام» الذي يحمل اسم الفيلم السينمائي الذي أخرجه هنري بركات عام 1950 ولعبت بطولته بجانب حسين صدقي وتحية كاريوكا، وعلى الضفة الأخرى من الكورنيش الرئيسي للمدينة يمكن أن تجلس على (صخرة ليلى) وهي الصخرة التي جلست عليها ليلى مراد وغنت رائعتها (باحب اتنين سوا/ يا هنايا بحبهم /الميه والهوا). إنها مطروح الوثيقة الحية التي سجل على أوراقها نهاية النازية بخسارة الألمان معركة العالمين، ولم يبق من ذكراهم إلا شاطئ «روميل» (ثعلب الصحراء) 1891 ـ 1944 الذي قيل إنه اختبأ داخل نفق بالقرب من الشاطئ بعد خسارة الحرب، وبمرور الوقت تحول النفق لمتحف يضم متعلقات جيش المحور المهزوم أبرزها ملابس «روميل» العسكرية وملابس وأسلحة لجنود ألمان.

من الممكن في تلك البقعة المتورطة في عشق سحر الطبيعة والتاريخ أن تعثر على بقايا قصص عشق «كليوباترا» على شاطئها الواقع على بعد 5 كيلومترات إلى الشمال الغربي من المدينة.. كليوباترا ـ ذات الجذور البطلمية، التي انتحرت عام 1930 قبل الميلاد، وعمرها 39 عاماً بعد قصة حب مع القائد الروماني أنطونيو، يتكون شاطئها من تشكيل صخري مغلق من الجانبين ومن أعلى، ومن جانبيه الآخرين تتجدد المياه من البحر بشكل دوري وتلقائي، وهو ما يعرف بـ «حمّام كليوباترا» التي اعتادت الملكة الأسطورة أن تغسل فيه همومها العاطفية والسياسية.

من الشواطئ الساحرة كذلك في مطروح «باجوش» ويبعد عن المدينة 48 كيلومترا شرقا، وكذلك شاطئ «الأبيِّض» غرب المدينة بنحو 18 كيلومترا ويمتاز برماله البيضاء.

من الممكن أن تقضي في مطروح إجازة تغسل خلالها متاعب العام بأسعار مريحة، فسعر الشاليه يتراوح ما بين 200 ـ 450 جنيه في اليوم الواحد بحسب قربه من مياه البحر، كما تحتوي المدينة على فنادق متعددة منها (بوسيه) و(العلمين) ،(بيتش هاوس)، (القصر)، (ريفيرا بالاس سميراميس) وغيرها.

مصايف الفقراء: لسنوات طويلة ظل شاطئ رأس البر مصيف الطبقة العليا في مصر ولكن الغريب أن المدينة لم تأخذ شهرتها المدوية إلا أثناء سنوات الحرب العالمية الثانية عندما هرب إليها المصطافون خوفا على حياتهم التي هددتها قنابل الإسكندرية في ذلك الوقت وكان أبرز روادها كوكب الشرق أم كلثوم والملك فاروق والمطربة اسمهان.

بدأ تاريخ تلك البقعة التي تسجل احتضان النيل بمياه المتوسط عام 1823 عندما ترجل مشايخ الطرق الصوفية وأتباعهم بدمياط نحو الشمال مع النيل للاحتفال بمولد (الشيخ الجربى) بمنطقة الجربى جنوب رأس البر، ثم كانت ملتقى للتجار أثناء انتظارهم السفن العائدة إلى أن جاء عام 1865 وهو التوقيت الذي دشنت فيه المدينة كمصيف ترفيهي بعد بناء مجموعة من «العشش» المصنوعة من البردي بين شاطئ النيل والبحر ثم أقيمت أرضيات خشبية وخرسانية لتلك الأكواخ. وقد شهد العالم الألماني (كوخ) عام 1883 للمصيف الناشئ وقال في تقرير له «إن رأس البر قد يصبح يوماً ملك المصايف وأشهرها إذ يتميز بموقعه الجميل وهوائه النقي الجاف وإيقاعه الشعبي البسيط، وبعده عن الضوضاء، وهو أقل رطوبة من جو الشواطئ المصرية الأخرى وتكثر في هوائه كمية اليود».

ورغم الركود الذي عانى منه مصيف رأس البر لسنوات طويلة وتقهقره أمام مصايف أخرى إلا أنه اليوم استعاد عافيته من جديد بعد مجموعة الإصلاحات الضخمة التي أجريت به، وتحويل منطقة اللسان التي تتقابل فيها مياه النيل بمياه المتوسط إلى منطقة جذب سياحي، خاصة أن دخولها بالمجان.

من الشواطئ المغرقة في العراقة والتاريخ «بلطيم» الذي يعود إلى عصور البطالمة وفيه نصب عرابي مدافعه ليصد الاحتلال الإنجليزي عام 1882، ورغم كونه المصيف المفضل للملك فاروق واختيار فريد الأطرش له لتصوير فيلمه لحن الخلود إلا أن السنين نزعت عنه رداءه الأرستقراطي وأصبح مصيفا شعبيا رخيص الثمن، فهناك من الممكن أن تقضي الليلة بمائة جنيه فقط في شقة مطلة على البحر، وتتناقص القيمة كلما ابتعدت عن البحر، لتصل إلى 40 ‏ جنيها في الليلة الواحدة‏، وبالمصيف فندقان فقط يتراوح سعر الغرفة فيهما ما بين ‏70‏ جنيها إلى ‏100‏ جنيه‏ شاملة الإعاشة الكاملة.

‏كما تتميز المأكولات هناك بالرخص الشديد ‏فسعر السمك على سبيل المثال يبدأ من ‏14‏جنيها لكيلو البوري‏ أما البلطي فسعره ‏8‏ جنيهات‏، ويصل ثمن الجمبري إلى ‏40‏ جنيها.

تتميز بعض الشواطئ في مصر كذلك بكونها مشتى من الممكن أن تستمتع بجوها في الشتاء والصيف معا ومن بين تلك الشواطئ الغردقة العامرة بعدد من القرى السياحية الفخمة، من أبرزها قرية «الجونة»، وكذلك شرم الشيخ التي تحتوي على أكثر من 70 مركز غوص عالمي المواصفات ناهيك عن مجموعة الفنادق الراقية، وفي شرم الشيخ من الممكن أن تستمتع برحلات السفاري في الصحراء بالإضافة إلى زيارة بعض المناطق التراثية الجميلة كدير سانت كاترين، ويصل إليها الزائر بعد رحلة جوية قصيرة لا تستغرق أكثر من 45 دقيقة .

وكذلك منطقة «رأس محمد» وتبلغ مساحتها 480 كيلو مترا مربعا وتعد واحدة من أهم مراكز الغطس في العالم بالإضافة إلى جزيرة «تيران» الغنية بالشعب المرجانية والكائنات البحرية. وهناك أيضا «العين السخنة» و«رأس سدر» واللذين يتمتعان بجو مشمس دفيء طيلة العام، فضلا عن قربهما من العاصمة القاهرة.