غراند كانيون.. رحلة لمحبي المغامرات

عندما تمر بمحاذاة الكهف لا بد أن تنام فيه

اجمل منظر من اعلى الصخور («الشرق الأوسط»)
TT

كرجل شاب كنت أقوم بمغامرات في الصحراء، تعلمت درس صغير بالغ الأهمية، وهو أنه حينما أمر بكهف ينبغي علي الدخول إليه وقضاء الليلة به إن أمكن ذلك. وقد خدمني هذا الدرس كثيراً على امتداد سنوات عديدة، خاصة خلال رحلاتي هذا الربيع عندما قمت أنا وأصدقائي برحلة جديدة كتلك التي اعتدنا القيام بها سنوياً. هذه المرة وقع اختيارنا على نهر أويهي بالمنطقة المقفرة الواقعة في الطرف الجنوبي الشرقي من أوريجون، وهو نهر نادراً ما يذوب الجليد عنه وتسيل مياهه لرجة أن الإبحار فيه لا يحتاج إلى ترخيص. في الواقع، قوبلت طلباتنا بالحصول على موافقة للإبحار عبر الأنهار الأكثر شهرة بالرفض، وأحياناً لم نتلق أي رد على الإطلاق. وبذلك وعلى مدار يومين وجدنا أنفسنا نبحر عبر ممرات صخرية. وتعرض أحد القائمين بالتجديف للسقوط في مياه النهر التي غلب عليها اللون البيض، وتمكنا في نهاية الأمر من إنقاذه. وكان ذلك هو الإنقاذ الثاني في ذات اليوم. والآن يبدو أننا اتخذنا قرارات خاطئة، وذلك رغم أن مجموعتنا المؤلفة من سبعة أشخاص كانت تضم خمسة يعملون مرشدين نهريين، وواحد يعمل في دورية حراسة بأحد الأنهار. بيد أنه يبدو أن ارتفاع مستوى الخبرة يسفر في بعض الأحيان عن الإقدام على خطوات جريئة تفتقر إلى الكفاءة بشكل نادر الحدوث. والآن، كانت أجسادنا ترتجف وهي مبللة بالمياه بينما كنا نجدف بالقوارب في النهر عندما لمحنا أحد الكهوف. كانت أقارب الساعة تشير إلى الثالثة وكنا لا نزال على بعد ستة أميال من المعسكر الذي نقصده. وبدون مناقشة، تحركنا باتجاه الشاطئ وأدخلنا جميع الصناديق التي بحوزتنا إلى الكهف الضخم. من الداخل، بدا الكهف رائعاً للغاية برماله البيضاء الجافة والناعمة. وتمكنا نحن السبعة من الاستلقاء بداخله والنوم وتوافرت مساحة كبيرة للمتعلقات التي كانت بحوزتنا والتي تضمنت طاولات ومقاعد. وسرعان ما بدلنا ملابسنا بأخرى جافة وجلسنا نرقب الأمطار وهي تنهمر على بعد أقدام قليلة من ملاذنا الدافئ الذي قضينا فيه قرابة 20 ساعة. والملاحظ أنه لسبب ما فشلنا جميعاً في إقناع أي من زوجاتنا بالمجيء معنا في هذه المغامرة. يذكر أنه في بداية الأمر لم يوافق سوى عدد ضئيل للغاية على الإبحار في هذه المنطقة من نهر أويهي بولاية أوريجون والتي تعرف باسم "غراند كانيون" أو الوادي الكبير. إلا أنه خلال الأيام القليلة السابقة مباشرة لبدء الرحلة، بدأت أعداد المشاركين في الارتفاع من تلقاء ذاتها واحداً تلو الآخر. يذكر أننا شرعنا في رحلتنا في مايو (أيار) خلال موجة الحر الأولى التي يشهدها العام، وذلك داخل وادي فسيح يلتقي به ثلاثة فروع من نهر أويهي. وتعتبر هذه المنطقة الصحراوية التي تلتقي بها أطراف أوريجون وإيداهو مع الطرف الشمالي لنيفادا، أكثر المناطق وعورة على مستوى البلاد. أثناء إبحارنا عبر النهر، قمنا بالتجديف في خمسة زوارق جلدية صلبة يطلق عليها «كياك»، واثنين آخرين من ذات النوع لكن يمكن إعادة ملئهما بالهواء، علاوة على طوف مزود بمجاديف. وفي طريقنا عبر النهر، بدت جوانب الوادي خضراء يكسوها لون يميل إلى الفضة، وتظهر بها قطع سوداء عبارة عن صخور بركانية. في خلال ميل من هذه المنطقة، أصبحت ضفاف النهر أكثر انحداراً، وقمنا بربط القوارب على الشاطئ وشرعنا في استكشاف أولى المنحدرات التي واجهناها في النهر. ولفت انتباهي وجود حطام لقارب يطفو على الماء ونظرت باتجاه أعلى النهر لأجد طوفاً يناضل داخل إحدى الدوامات النهرية بقيادة قائده «ناتي». وبعد مرور ما يقرب من خمس دقائق، نجح الطوف من الخروج من هذه الدوامة وجمعتنا من جديد مياه النهر الهادئة. في صباح اليوم التالي وبعد أن أقمنا معسكر لنا على شاطئ تزدهر به أزهار الزعرور البري، تعاهدنا على أن نتعامل مع مخاطر النهر بجدية أكبر.وكانت الخطوة الأولى نحو ذلك ربط أمتعتنا داخل القوارب بشدة أكبر، لكننا واجهنا مشكلة نقص الحبال لأننا كنا تركناها وراءنا في الشاحنة. بعد ذلك أدركت أننا سنجدف عبر أحد المنحدرات الخطيرة في النهر والتي لم يسبق لي قط عبور أحدها باستخدام زورق كياك. واكتشفت لاحقاً أنني أخطأت في قراءة الوصف الموجز المعروض على شبكة الانترنت لنهر أويهي. لذا، عندما وصلنا إلى منحدر «هاف مايل» وبدأنا في استكشافه، أصابني فزع شديد من المياه والشقوق الصغيرة بها. وقررت ألا أخبر أي شخص بأن تلك هي المرة الأولى التي أعبر فيها منحدر بهذه الخطورة. وعلى الشاطئ الرملي، احتفلنا بخروجنا من النهر أحياء بتناول ساندويتشات البسطرما ورقائق البطاطس المقلية وتناول جميع زجاجات الجعة التي كانت بحوزتنا. ومع عودتنا إلى النهر مجدداً، كانت السحب الداكنة غطت السماء وبدأت الرياح في الهبوب. أدنى النهر بدأ الوادي يضيق، وبدأت الحواف في الارتفاع لتدفن النهر في الظلال. وشعرت بالخوف والرغبة في المضي قدما في ذات الوقت. لو كنت في موقف آخر، ربما كنت اخترت الهروب. لكن داخل نهر مرتفع الحواف والجوانب، لم يكن هناك خيار سوى التحرك خلال المياه. وتحت الأمطار المنهمرة، تمكنا من الوصول إلى كهف كان بمثابة طوق نجاة لنا. وداخل الكهف، سيطر علينا الشعور بالإرهاق والتعب. وقمت بطهور بعض اللحم لرفاقي. وعندما توقفت الأمطار أخيراً، عدنا من جديد للإبحار في النهر، ومع بزوغ صباح اليوم التالي، كنا قد استعدنا نشاطنا تماماً. ورغم برودة الجو الشديدة، كانت لدينا القدرة على التجديف مجدداً. واستمر الطقس البارد وبعد مساء آخر من الارتجاف تحت وطأة الطقس، تكبدنا أخيراً ثمن سوء تخطيطنا، حيث وصلنا إلى المعسكر المنشود الذي شكل بديلاً دون المستوى للكهف الذي سبق وأن خيمنا به. وأمضينا الجزء الأكبر من الليل حول النار من أجل الإبقاء على الرمال المتطايرة بعيداً عن فمنا، بينما سيطر علينا الأمل في أن تتوقف الأمطار. كنا بذلك على بعد يوم واحد بالتجديف عبر النهر من السيارة التي ستقلنا في طريق عودتنا، وكنا على ثقة من أنه سيكون يوم طويل وعاصف وشديد البرودة. وفي النهاية، ينبغي التنويه بأنه إذا لم تكن متمرساً بمجال التجديف، عليك الاستعانة بمرشد لعبور منطقة وسط نهر أويهي. وهنا خياران أمامك لذلك، إما الاستعانة بشركة «مومنتم ريفر إكسبديشنز» و«كوكبيلي ريفر جايدز». وإذا ما رغبت في خوض المغامرة بمفردك، يمكن القيام بذلك دون الحاجة للاستعانة بمرشد في الجزء الأدنى من النهر. ولا يحتاج الإبحار في هذا الجزء إلى الحصول على تراخيص، لكن عليك الاستعانة بقوارب مناسبة. من أجل الحصول على المزيد من المعلومات، عليك الاتصال بمكتب الإدارة البرية. أما أقرب المطارات الكبرى من هذه المنطقة فيوجد بمدينة بويس في ولاية أوهايو، على بعد ما يقرب من 120 ميلاً.

* خدمة «نيويورك تايمز»