وهران.. عروس «بهية» من عرائس المتوسط

مدينة الفن التي انطلق منها غناء الراي الجزائري

صورة بانورامية لمدينة وهران الجزائرية («الشرق الأوسط»)
TT

تردد اسمها كثيرا في الأخبار بمناسبة احتضانها في نهاية العام الماضي 2008 الاجتماع الطارئ الـ151 لمنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك). إنها مدينة وهران (ORAN)، ثاني أكبر المدن في الجزائر، وعاصمة الغرب الجزائري، أو الباهية (من البهاء) كما تعرف في الجزائر، وهي فعلا باهية؛ إنها عروس من عرائس البحر الأبيض المتوسط، مدينة الفن التي انطلق منها فن الراي الغنائي إلى العالمية، وانطلق منها مغنو الراي المشاهير، مثل الشاب خالد والشاب مامي. وإذا كنت تبحث عن الاستمتاع بالبحر المتوسط في زرقته البهية وشواطئه الذهبية، فلن تجد أفضل من وهران الجزائرية، وإذا كنت من هواة الاكتشاف الفني فإن وهران توفر لك أطباقها الفنية المتنوعة، من غناء الراي ومهرجانه السنوي، إلى السينما ومهرجان الفيلم العربي الذي بدأ يترسخ تقليده في المدينة، إلى المهرجان المتوسطي للفنون البصرية، وهذه المهرجانات تنظم عادة في أثناء فصل الصيف. وإذا كنت تريد اكتشاف إرث حضاري وتاريخي وتنوع معماري يجمع بين الهندسة المعمارية العربية الأندلسية، والإسلامية العثمانية والهندسة المعمارية الأوروبية الإسبانية والفرنسية والمعمار الحديث، فلن تجد أفضل من وهران، التي تقدم لك كل هذا الموزاييك المعماري على طبق من ذهب. وإذا كنت تريد تغيير الأجواء واكتشاف مدينة مليئة بالحركة والحياة بتعداد سكاني يقارب مليونا ونصف مليون نسمة، مدينة متعددة الآفاق، في حوار دائم مع البحر والصخر وكورنيش بديع، وضواحٍ بحرية وجبلية تدهش وتمتع النظر، فلن تجد أحسن من وهران. أصل اسم المدينة يعود إلى اللغة الأمازيغية (البربرية)، معناه الأسدان (المفرد وهرا والمثنى وهران)، وما زال الأسدان شعار المدينة حتى اليوم، وهناك تمثالان للأسدين أمام مقر بلدية وهران اليوم. وهناك أسطورة شعبية تقول إنه في القرن التاسع قبل الميلاد كان يمكن رؤية أسود في المنطقة، وإن آخر أسدين قُتلا في جبل قرب وهران يسمى جبل الأسود. وقد قام البحارة الأندلسيون بتأسيس المدينة عام 902م، أصبحت مدينة وهران بعدها محط نزاع بين الأمويين في الأندلس والفاطميين بالقيروان التونسية، إلى أن عادت الغلبة للأمويين ليضموا المدينة إلى نفوذهم عام 1016 م. وبسبب موقعها الاستراتيجي وأهميتها كميناء تجاري، ظلت وهران لقرون طويلة محطّ صراع بين عدة دول في المنطقة، من بينها دولة المرابطين ودولة بني عبد الواد، والدولتان الحفصية والمرينية، إلى جانب الدولة الزيانية. وليس هناك مَن يوثق أهمية وهران أفضل من المؤرخ المشهور ابن خلدون، الذي يقول عن المدينة إنها تتفوق على المدن الأخرى بتجارتها، ويصفها بجنة الحزين، وأن من يصلون جدرانها فقراء، سيتركونها وهم أغنياء. وأدى الصراع وتفكك الدول الإسلامية المتصارعة في المنطقة إلى تمكين الإسبان من الاستيلاء على وهران عام 1509. وقد ظلت المدينة تحت السيطرة الإسبانية لنحو ثلاثة قرون، إلى أن برزت الدولة العثمانية كقوة في منطقة البحر المتوسط. وقد حاصر الأسطول البحري العثماني المدينة عشرات أسابيع وأشهرا، بغية السيطرة عليها، وساعدتهم الهجمات المتكررة للقبائل المحلية في منطقة وهران في إضعاف الإسبان، ليستطيع الباي (الحاكم الجهوي العثماني) مصطفى بن يوسف المعروف باسم بوشلاغم، دخول المدينة عام 1705 بعد حصارها، إلا أن الإسبان عادوا واستولوا على المدينة مجددا عام 1732 بعد تجميع أسطول بحري كبير. وقد استمرت سيطرة الإسبان على المدينة نحو 60 عاما إلى أن عاد العثمانيون مرة أخرى عبر الباي محمد بن عثمان الكبير ليحاصروا المدينة مجددا. ويروى أنه في أثناء اليوم الأول من الحصار البحري ضرب المدينة زلزال كبير فدمرها عن آخرها. و رغم أنه كان بمقدور الباي عثمان الكبير مهاجمة المدينة والاستيلاء عليها بسهولة، فإنه من موقع الاحترام آثر ترك الإسبان يدفنون موتاهم. وقد بدأت بعدها جولة مفاوضات طويلة بين الباي والملك الإسباني كارلوس السادس، انتهت بقبول هذا الأخير التنازل عن المدينة والمرسى الكبير وجلاء الحامية الإسبانية من البلاد نهائيا، ليرسو حكم المدينة إلى العثمانيين من 1792 إلى 1831، وقد أصبحت وهران في هذه الفترة عاصمة الجهة الغربية للحكم العثماني في الجزائر، وما يعرف باسم «البايلك»، وتداول على حكمها عدد من البايات (الحكام) الأتراك كان آخرهم حسن باي، الذي استسلم للفرنسيين وتنازل لهم عن المدينة عام 1831، أي بعد نحو عام من بداية الاحتلال الفرنسي للجزائر بالسيطرة على مدينة الجزائر العاصمة عام 1830. وقد أُجبر الباي حسن على الاستسلام للفرنسيين بقيادة الماريشال بورمون الذي استطاع الاستيلاء على المرسى الكبير وحاصر المدينة، وكان من شروط الاستسلام حينها رحيل الباي برفقة عائلته إلى مكة المكرمة. وقد احتفظ الفرنسيون طيلة فترة استعمارهم للجزائر (من 1830 إلى غاية 1962) بمدينة وهران كعاصمة لجهة الغرب الجزائري. وحافظت وهران على مكانتها الاقتصادية والثقافية والفنية بعد استقلال الجزائر، وقد تدعمت بعدد من المشاريع الاقتصادية الكبرى، من ببينها ضاحية أرزيو الصناعية التي تعتبر من أهم مراكز الصناعة البتروكيمياوية في الجزائر، كما تحتوي على ثلاث جامعات من بينها جامعة للعلوم والتكنولوجيا (بالسانية)، كما ظلت وهران مركز إشعاع ثقافي ومركز حركة فنية ثرية ومؤثرة، فمنها انطلق واشتهر أدباء وفنانون بارزون من أمثال الكاتب والشاعر الراحل بختي بن عودة والمطربين والملحنين أحمد وهبي وبلاوي الهواري، ومن وهران أيضا انطلق وانتشر فن الراي الغنائي إلى أن بلغ العالمية عبر أصوات مغنين من أمثال الشاب خالد، الذي يعتبر أشهر مغنٍّ عربي في العالم. وبوهران معلمان ثقافيان بارزان: قصر الثقافة، والمسرح الجهوي الذي يعتبر من أبرز المدارس المسرحية في الجزائر، وفيها تخرج عدد كبير من أبرز الممثلين والمخرجين المسرحيين في الجزائر، مثل الراحل عبد القادر علولة. ماذا تزور: إذا أردت زيارة وهران، فإن أسرع طريقة ممكنة هي عبر الجو، وتتوفر وهران على مطار دولي بضاحية السانية (على بعد نحو 12 كيلومترا عن وسط المدينة). هناك العديد من الرحلات المباشرة من وإلى وهران، وإلى عدد من الدول العربية (المغرب وتونس خصوصا) والأوروبية (عدد من المدن الفرنسية والإسبانية من بينها العاصمتان باريس ومدريد). ووهران مرتبطة أيضا بمطار الجزائر العاصمة الدولي ومدن جزائرية أخرى برحلات جوية يومية تقريبا. كما أنه في الإمكان بلوغ وهران عبر البحر، حيث تتوفر رحلات بحرية بشكل شبه يومي من ميناء مدينة مارسيليا الفرنسية وميناءي المريا واليكنت الإسبانيين. وتتوفر وهران على فسيفساء معمارية متنوعة وغنية، ومن بينها الأحياء القديمة في المدينة مثل حي سيدي الهواري الذي أطلق على الولي الصالح الذي يعتبر مزاره من أشهر معالم المدينة، ويستقطب زوارا بشكل يومي من المدينة ومن خارجها، وتنظم فيه ما يمسى «زردًا» أو ولائم في مناسبات دينية إسلامية مختلفة تتم إما عبر تعاون جماعي وإما بتبرع من ميسورين، والغرض منها إطعام المحتاجين. ومن الأحياء الأخرى التي تغري بالاكتشاف حي المدينة الجديدة المشهورة بصناعاته التقليدية. من المعالم الأخرى القديمة المسجد الكبير أو مسجد الباشا الأثري، الذي يعود إلى القرن الثامن عشر الميلادي، وهو جزء من قصر الباي محمد الكبير الذي يعود تاريخ بنائه إلى نهايات القرن السابع عشر. وتعتبر قصبة وهران بالمرسى الكبير من المواقع الأثرية المهمة، وتشمل آثارا إسبانية من بينها حصون. ووسط وهران تحفة معمارية جميلة، به الكثير من الأيقونات المعمارية الثقافية مثل المسرح الوطني الجزائري الجهوي بوهران، وقصر الثقافة. كما أن المتحف الوطني (متحف زبانة) محطة يجب التوقف عندها، ويحتوي المتحف العديد من التحف والآثار التي يعود تاريخها إلى ما قبل الميلاد، وتؤرخ للحقب التاريخية والحضارات التي تعاقبت على وهران وعلى المنطقة الغربية من الجزائر عموما. وإلى جانب المعالم المعمارية، فإن النهر الصغير من المعالم الطبيعية الجميلة التي تستحق الزيارة في وهران، وهناك خطط لجعل المنطقة المحيطة به قطبا سياحيا للرياضات المائية، والنهر هو ثاني أكبر نهر بالمنطقة بعد «سبخة وهران»، وهو نهر مالح. وبالإمكان أيضا اتخاذ وهران منطلقا لاكتشاف مناطق أخرى في الجهة الغربية من الجزائر، وزيارة مدن قريبة من وهران مثل مستغانم وسيدي بلعباس وتلمسان. أين تقيم: تتوفر وهران على عدد من الفنادق المتعددة النجوم، من بينها فنادق تابعة لسلاسل عالمية، ومن بين هذه الفنادق الشهيرة: فندق «شيراطون» ذو خمس النجوم والمطل على البحر المتوسط، وتبدأ أسعاره من 129 يورو لليلة الواحدة www. sheraton. com/oran)). وهناك فندق «رويال هوتيل» ذو خمس النجوم كذلك والذي يقع وسط المدينة، وتبدأ أسعاره من 112 يورو لليلة (www. royalhoteloran. com ). وهناك فندق «الموحدين»، ذو أربع النجوم، والذي تبدأ أسعاره من 79 يورو. وهناك فندق «إيدن بالاس»، ذو خمس النجوم بضاحية عين الترك والذي تبدأ أسعاره من 69 يورو، وفندق «إيدن المطار»، ذو أربع النجوم، والذي تبدأ أسعاره من 60 يورو (www. chaineeden. com ). أين تأكل؟ إضافة إلى مطاعم الفنادق التي تقدم أطباقا محلية إلى جانب الأطباق العالمية، وبخاصة الفرنسية والإسبانية، بحكم الارتباط التاريخي للمدينة بكل من فرنسا وإسبانيا، فبإمكانك العثور بسهولة على مطاعم جيدة، خصوصا في وسط المدينة، تقدم أطباقا بنكهة محلية خالصة. ويقترب المطبخ الوهراني كثيرا من المطبخ المغربي، على اعتبار القرب الجغرافي، وطبق «الحريرة» مثلا من الأطباق المشهورة. كما تشتهر وهران بأطباق الأسماك، وفواكه البحر من بينها شربة السمك الشهيرة.