تبوك.. مفتاح الشمال

مدينة سعودية تلتقي فيها كل عناصر الطبيعة

الجلسة العربية تجذب السياح بمختلف جنسياتهم («الشرق الأوسط»)
TT

على مساحة واسعة من شمال السعودية تقع منطقة تبوك التي تجوب الذاكرة بين القديم والحديث ليرجع زائرها بتاريخ إلى أكثر من 500 سنة قبل الميلاد.

ويعتقد الكثير من المؤرخين أن منطقة تبوك كانت أرض مدين ودادان كما وردت أسماؤها في الكتب المقدسة، ولعل الآثار المنتشرة فيها تشهد بذلك، وعلى رغم من اختلاف الآراء في تسمية منطقة تبوك فإن المقطوع به أنها كانت تُعرف قبل الإسلام باسم TABOO أو TABU، وكلاهما يعني «المنطقة المنعزلة».

وكانت المنطقة على مر العصور ممرا لطرق الحج إلى الديار المقدسة والتجارة لتربط جنوب الجزيرة العربية بشمالها، مع بلاد الشام ومصر والعراق. كما شهدت المنطقة في العصور التاريخية أدوارا حضارية متنوعة فظهرت فيها مملكة مدين وحضارة الأدوميين، وكانت واحات تبوك وتيماء والبدع من أهم مراكز الحضارة المدنية، كما تتميز المنطقة بانتشار الرسوم الصخرية والكتابات والنقوش القديمة ومنها الثمودية والآرامية والنبطية.

واستمر الدور الحضاري للمنطقة في العصر الإسلامي حيث شهدت منطقة تبوك أحداثا تاريخية مهمة في تاريخ الإسلام، وورد ذكرها في القرآن الكريم والسيرة الذاتية، وازدهرت الحضارة الإسلامية في تبوك في فترة الخلافة الراشدة وفي العصر الأموي والعباسي مرورا بفترة الأيوبيين والمماليك والفترة العثمانية حتى هذا العهد الزاهر، وتدل على ذلك الإرث الحضاري من المواقع الأثرية والتاريخية والعمرانية.

وأوضح المدير التنفيذي المكلف لجهاز التنمية السياحية بمنطقة تبوك المهندس فهد الحميدي: «بدأت الهيئة العامة للسياحة والآثار في إعداد خطة التنمية السياحية وإدارة المناطق السياحية بالبحر الأحمر، وتهدف الخطة التي تنفذ بالشراكة مع عدد من الجهات ذات العلاقة إلى الاستفادة من بعض المواني التاريخية في التنمية السياحية واستثمار المقومات البيئية والثقافية والبنية التحتية والظهير الجغرافي على امتداد محور البحر الأحمر السياحي، وربطها بعضها مع بعض لتشكل منظومة سياحية متكاملة، بالإضافة إلى تطوير برامج الرياضة الصحراوية والنشطات البحرية وإقامة المزيد من المتاحف لغنى المنطقة بالآثار كمتحف سكة الحديد وغيرها من المتاحف». السياحة الصحراوية والبيئية: تمتاز منطقة تبوك بتنوع تضاريسها المتمثلة في التلال والجبال والسهول والكثبان فهناك التكوينات الصخرية للجبال الضاربة إلى الحمرة الجميلة، كذلك الجبال التي تنبع منها العيون الجارية من المياه طول العام كما في وادي داما وأوديه غمرة وأنقد وسخين ومدان قرب الديسة، وهناك الجبال الصخرية التي تعانقها الكثبان الرملية الذهبية كما في حسمي والزيتة التي يُعتبر وادي رم الشهير الذي يقع جنوب الأردن امتدادا لها، ويقصده السياح من مختلف أنحاء العالم، وهذه الجبال الصخرية توفر فرصا رائعة لرياضة تسلق الجبال، حيث تتوفر المنحدرات الصخرية الحادة والمتدرجة الملائمة لمختلف أنواع التسلق.

كما يوجد بالمنطقة محميتان طبيعيتان في الخنفة والطبيق، وهما محميتان تحتويان علي نباتات طبيعية وحيوانات برية متنوعة مثل الغزلان والذئاب والسحالي والثعابين والطيور، كما تُعتبر شواطئ منطقة تبوك في قيال مكانا مناسبا لصيد الطيور المهاجرة وخصوصا الصقور، حيث يوجد في هذا المكان الكثير من عشاق صيد الطيور في أثناء رحلات هجرة الطيور.

جبل اللوز: من أشهر جبال منطقة تبوك وأعلاها، ويبلغ ارتفاعه نحو 2400 متر فوق سطح البحر، ويتميز بتكويناته الصخرية المتعددة الألوان، ويصلح كمنطقة للتخييم، ويوجد في الجبل عين مياه وأراضٍ مزروعة بالحبق والنعناع، وتنمو به أشجار اللوز البرية في الجهة الشرقية، وفي فصل الشتاء تتساقط الثلوج وتتراكم على قمته وسفوحه، مما يعطي الموقع منظرا بديعا كما تنتشر به الكتابات والرسوم والنقوش على الصخور، وتوجد به أطلال لمستوطنات يرجع تاريخها إلى ما قبل الإسلام.

طعس الحنان: كثبان رملي مرتفع يمكن الوصول إليه من طريق وادي شرما، ويتميز بقربة من ميناء ضباء، ويتميز بلون رماله الحمراء، وسمي بـ«الحنان» لأنه يصدر صوتا كحنين الإبل.

الديسة: تقع قرية الديسة جنوب غربي مدينة تبوك على بعد 180 كيلومترا، وهي واحة زراعية تحيط بها الجبال من الجهتين الشمالية والجنوبية، وهي أرض زراعية خصبة وفيها عين ماء في أعلى الوادي، يقال لها عين الزرقاء، ينبت بجوارها نبات البردي.

وتعد الديسة منطقة استقرار قديم، يدل على ذلك وجود آثار المباني السكنية والكتابات والنقوش والرسوم الصخرية من مختلف العصور التاريخية، بدءا من عصر ما قبل التاريخ إلى الفترة الإسلامية.

وشهدت استيطانا في الفترة النبطية حيث وُجدت واجهة لمقبرة غير مكتملة منحوتة بالصخر مماثلة لما هو موجود في مدائن صالح والبدع. ومن أهم مواقع الديسة موقع المشريف الذي يعود إلى الفترة الإسلامية الأولى، وموقع المسكونة، وهو مستوطنات سكنية، إضافة إلى مواقع النقوش التي يعد موقع عاتر أهمها لكونه متحفا مفتوحا للكتابات القديمة.

البدع: تضم هذه المنطقة موقعا لمدافن نبطية في مدين مغاير شعيب، ويوجد بها مركز للزوار، كما توجد بالمواقع آثار متنوعة منها المدينة القديمة التي تعود إلى الفترة الإسلامية المبكرة، كما توجد بالبدع بئر السعيدني، وهي محفورة في الصخر، وبالقرب منها ثلاث برك ماء مجصصة من الداخل، وهناك مواقع أثرية متنوعة كآثار البرج والويدة، وهي من المواقع الأثرية المهمة، بالإضافة إلى قلعة «ذات الحاج» وآثار روافة وقلعة الأخضر وقلعة المعظم وموقع قرية الأثري ومحطات سكة حديد الحجاز.

سياحة الشواطئ والجزر: تمتاز منطقة تبوك بوجود شاطئ يمتد إلى أكثر من 600 كم على خليج العقبة والبحر الأحمر، وهما موقعان يتميزان عالميا بالأحياء البحرية المتنوعة التي تجذب عددا كبيرا من محبي رياضة الغوص للتمتع بها، كما قامت الجاليات الغربية العاملة في تبوك بتأسيس نادٍ للغوص عام 1979م يقدم لمنسوبيه دورات لتعليم الغوص والإنقاذ والإسعافات الأولية والتصوير تحت الماء والتعرف على أنواع الأسماك، كما ينظم النادي ملتقى سنويا لتنظيف قاع البحر وحماية البيئة.

وأصبح لهذه الرياضة ممارسون من المواطنين سواء من داخل منطقة تبوك أو من خارجها، لما تحتوي هذه الشواطئ من شعب مرجانية ما زلت محتفظة بطبيعتها الأصلية.

كما أن الاستجمام والتمتع بالرحلات في نهاية الأسبوع والمناسبات مناسب علي شواطئ المنطقة التي يتنوع مناخها فيكون معتدلا في الصيف في شواطئ حقل على خليج العقبة ودافئ في الشتاء في شواطئ محافظات ضباء والوجه وأملج، وقد أصبح التنوع في الشواطئ بين الرملية والحصوية والصخرية جاذبا للاستجمام والسياحة، بالإضافة إلى الاستمتاع برياضة ركوب الزوارق البحرية والدبابات والتزلج على المياه وصيد الأسماك.

السياحة الثقافية والأثرية: برزت منطقة تبوك كواجهة سياحية هامة للراغبين في التعرف على التراث الثقافي والمواقع الأثرية الهامة، وهذه السياحة يبحث عنها السائح القادم من خارج السعودية، وتوجد هذه الآثار في مركز البدع حيث مغاير شعيب وعين عينونة النبطية وآثار تيماء التي شهدت استيطانا حضريا قديما بها، وكذلك القلاع والحصون المرتبطة بدروب الحج والتجارة التاريخية، ومكان غزوة تبوك المشهورة التي وقعت في السنة السابعة للهجرة، وكان قائد جيش المسلمين فيها الرسول (صلى الله عليه وسلم)، والتي لا تزال مواقع أحداثها قائمة. من ذلك عين السكر والمكان الذي صلى الرسول فيه وهو ما يُعرف اليوم باسم مسجد التوبة، وتذكر المراجع التاريخية أن أول بناء لهذا المسجد كان في عهد الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز، حيث كان بناؤه من الطين وسعف النخل للسقف، وتم تجديد البناء لهذا المسجد النبوي في العهد العثماني عام 1062هـ، ثم أعاد بناءه مرة أخرى بشكله الحالي الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود (رحمة الله)، حيث أمر (رحمه الله) بتجديد بنائه على طراز الحرم النبوي الشريف.

قلعة تبوك: وهي إحدى محطات الحج المتجهة من الشام إلى المدينة المنورة، ويعود إنشاؤها إلى عهد السلطان سليمان القانوني في عام 967هـ، وتم تجديد بنائها في عهد السلطان محمد الرابع عام 1064هـ، حيث شملت أعمال التجديد على بلاطات خزفية لا تزال موجودة على المدخل، كما جُددت القلعة مرة أخرى في عهد السلطان عبد المجيد في عام 1260هـ، وكُتب بتلك المناسبة نقش وُضع فوق محراب المسجد.

وتقدر مساحة القلعة بنحو 2500 متر مربع، وكانت في الماضي مكانا لاستقبال الحجاج وتتكون من دورين يحتوى الدور الأول على فناء مكشوف وعدد من الحجرات ومسجد وبئر، وهناك دَرَج يؤدي إلى الدور العلوي الذي يحتوي على مسجد مكشوف يعلو المسجد السفلي وغرف ودَرَج يؤدي إلى الأبراج التي تخدم للحراسة والمراقبة، وتم تجديد القلعة وترميمها عام 1413هـ، وتعد الآن من أهم المعالم الأثرية بالموقع.

قصر الحمراء: يقع على طريق سور مدينة تيماء الشمالي الغربي، وهو مبني من الحجارة، ويعود بناؤها إلى منتصف القرن السادس قبل الميلاد، وجدرانه بارزه حتى اليوم وهو مكون من ثلاثة أقسام خُصص أحدها للعبادة.

قصر البجيدي: قصر قديم ضخم مبنيّ من الحجارة والطين، له أبراج، وتحمل جدرانه العديد من النقوش الإسلامية التي ترجع إلى العصر العباسي.

سور تيماء: يحيط بمدينة تيماء سور قديم مبنيّ من الحجارة ويعود بناؤه إلى الألف الأولى قبل الميلاد، ويحيط بالمدينة من الجهة الشرقية والجنوبية والغربية، ويبلغ ارتفاعه ما يقرب من عشرة أمتار، ويمتد إلى مسافة قد تزيد عن عشرة كيلومترات.