برج القاهرة.. من قمته تشاهد أجمل بانوراما لمدينة لا تنام

يستقبل زواره في الأمسيات الصيفية بثوب جديد

برج القاهرة.. صممه مهندس لبناني على شكل زهرة اللوتس («الشرق الأوسط»)
TT

عندما تزوره ستشعر أنك زرت القاهرة كلها، فمن أعلاه سترى العاصمة المصرية من أدناها إلى أقصاها، معالمها الشهيرة، نيلها الخالد، أهراماتها الشامخة، مبانيها الأثرية، وغير ذلك، مما ستجده مختلفا عن مشاهدته من أي مكان آخر، ففي وسط جزيرة الزمالك في وسط القاهرة، يقف برج القاهرة شامخا على ضفاف النيل، شاهدا على تاريخ العاصمة المصرية منذ عام 1961، مجسدا لكثير من المعاني، من أهمها الرفض المصري للرشوة الأميركية في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.

فذلك البرج الذي صممه المهندس اللبناني نعوم شبيب، واستغرق بناؤه خمسة أعوام، بمشاركة 500 عامل، شُيّد بمبلغ 6 ملايين جنيه، كانت أميركا قد أعطتها لمصر لتغيير موقفها المؤيد تجاه الثورة الجزائرية والقضايا العربية بشكل عام، إلا أن الرئيس عبد الناصر أخذ المبلغ وأمر ببناء ذلك البرج ليكون تجسيدا لرفض مصر التخلي عن عروبتها.

ويبلغ ارتفاع البرج 187 مترا ويفوق ارتفاعه هرم خوفو بنحو 43 مترا، وتم بناؤه بالخرسانة المسلحة على شكل زهرة اللوتس الفرعونية، ويتكون من 16 طابقا وتستغرق الرحلة داخل مصعد البرج للوصول إلى قمته 45 ثانية، لتشاهد منها بانوراما فريدة، لمدينة لا تنام. ويقف البرج على قاعدة من أحجار الغرانيت الأسواني التي سبق أن استخدمها المصريون القدماء في بناء معابدهم ومقابرهم.

ويتميز برج القاهرة بوجود مطعم دوار في الطابق قبل الأخير يقع على ارتفاع 160 مترا، يستطيع الزائر، من خلاله، أن يشاهد بانوراما كاملة للقاهرة وهو جالس في مكانه ويتناول طعامه.

الزائر للبرج لن يكون عليه سوى دفع رسم الدخول البالغ 20 جنيها (3.5 دولار) للمصريين، وللأجانب 65 جنيها (11.5 دولار) للتمتع بمشهد لن ينساه للنيل وهو يعانق الأشجار القديمة والأثرية في المنطقة المجاورة للبرج، ويرى على امتداد بصره الأهرامات الثلاثة وكذلك ملعب «مختار التتش» في النادي الأهلي المصري، أحد أشهر الأندية المصرية والعربية، ومشاهدة أبرز معالم القاهرة، مثل مبنى الإذاعة والتلفزيون المعروف باسم «ماسبيرو»، ومبنى وزارة الخارجية المجاور له، وقلعة محمد علي، ومبنى جامعة الدول العربية، وقصر عابدين الرئاسي، والمقر القديم للجامعة الأميركية بالقاهرة، وجبل المقطم، والأزهر، وكوبري قصر النيل الأثري، وكوبري 6 أكتوبر الحيوي الذي يقطع القاهرة من شرقها إلى غربها، ومجمع التحرير، أكبر مبنى للخدمات الحكومية في القاهرة، بالإضافة إلى عدد من الفنادق الكبرى.

وتوفر إدارة البرج خدمة التلسكوب (المنظار المقرب) مقابل مبلغ جنيهين يدفعهما الزائر ليشاهد بقية معالم القاهرة.

ولبناء البرج قصة فريدة، يرويها المؤرخ العسكري جمال حماد قائلا: «عندما تم بناء البرج اختار له المصريون اسم (وقف روزفلت)، واعتبروه أكبر وأطول (لا) في التاريخ، لأن واشنطن عرضت على الرئيس عبد الناصر ستة ملايين جنيه لتغيير موقفه تجاه القضايا العربية، وهو ما رفضه عبد الناصر وأراد أن يبني به بناء يظل علما بارزا مع الزمن يعلم المصريين».

ولم يتوقف دور البرج خلال فترة الستينات عند كونه معلما سياحيا بارزا، وإنما تحول إلى مركز رئيسي لبث الإذاعات السرية والعلنية التي انطلقت من القاهرة لتغطي قارتَي إفريقيا وآسيا، لتدعم حركات التحرر الوطني.

وظل البرج على حاله منذ بنائه عام 1961 وحتى عام 2006، حين خضع لعمليات ترميم وتجميل وتطوير استغرقت ثلاث سنوات تقريبا، تكلفت نحو 35 مليون جنيه، حتى افتتحه الدكتور أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء المصري في الحادي عشر من شهر أبريل (نيسان) الماضي، الذي يوافق ذكرى افتتاح البرج لأول مرة عام 1961، بعد أن ارتدى ثوبا جديدا يليق به ليكون جاهزا لاستقبال زواره خلال فصل الصيف.

ويقول هاني ماهر مدير برج القاهرة إن «عمليات الترميم والتطوير شملت الجوانب الهندسية والمعمارية في جسم البرج، وهو ما نفذته شركة (المقاولون العرب)، وتتضمن معالجة خرسانة البرج وترميمها وإضافة 3 أدوار، هياكل معدنية أسفل جسم البرج ودور آخر أعلى المدخل الرئيسي مباشرة، وإنشاء سلم للطوارئ ومصعد للزائرين وتطوير مدخل البرج، وكذا إعادة طلاء واجهة البرج، وإضافة إضاءة خارجية جديدة».

وأضاف أن «الجانب الآخر الذي شملته عمليات التطوير هو الخدمات المقدمة لزائر البرج»، مشيرا إلى أن البرج كان به مطعم واحد فقط قبل التطوير، أما الآن فأصبح به كافيتيريا ومقهى في مدخله، بالإضافة إلى قاعة للمؤتمرات وقاعة مخصصة لكبار الزوار، وكذا المطعم الدوار، وكافيتيريا في الطابق قبل الأخير لخدمة رواد البرج، موضحا أن هذا التطوير أسهم في زيادة القدرة الاستيعابية للبرج من 120 فردا إلى 700 فرد في وقت واحد.

وأوضح ماهر أن عمليات تطوير البرج امتدت إلى المنطقة المحيطة به أيضا، فرفعت كفاءة شبكة الإنارة في الشوارع المجاورة، كما أعيد رصف هذه الشوارع وإصلاح أرصفتها، وتهذيب الأشجار الكثيفة المنتشرة بالمنطقة، التي تعد إحدى علاماتها المميزة.

وأضاف ماهر أن التطوير شمل أيضا التعاون بشكل فعال مع هيئة تنشيط السياحة التابعة لوزارة السياحة، لوضع البرج على الخارطة السياحية للقاهرة، وضمان توافد السياح الأجانب إليه. وقال إنه تمت إضافة مساحات جديدة للبرج تمثل 400% من المساحة التي كانت مستغلة في السابق، لتصبح 1145 مترا بعد أن كانت 305 أمتار من خلال إضافة أربعة أدوار من أسفل البرج.

وأشار إلى أن تقنية الصمام الثنائي المشع للضوء (LED) المستخدمة في إنارة برج القاهرة تعمل على توفير الطاقة بشكل كبير، ومتوسط نسبة الطاقة التي تستهلكها تبلغ 80% أقل من أنظمة مماثلة تعمل بتقنيات إضاءة تقليدية، وهو ما يعنى توفيرا في التكاليف والالتزام بالمسؤولية البيئية، بالإضافة إلي إمكانية التحكم في ألوان الإضاءة التي تظهر بوضوح من خلال البرج. وأشار إلى أن خطة التطوير الأخيرة تهدف إلى زيادة زوار البرج، وبخاصة من الأجانب، الذين يقضون وقتا ولو قصيرا في القاهرة، موضحا أن عدد الزوار آخذ في التزايد خصوصا مع بدء موسم السياحة الصيفية في مصر، وقدوم السياح خصوصا العرب لتمضية عطلاتهم في مصر.

وشهد برج القاهرة تصوير عدد من الأفلام السينمائية منها أفلام «موعد في البرج» بطولة سعاد حسني وفؤاد المهندس، و«آخر الرجال المحترمين» بطولة نور الشريف وبوسي وأحمد راتب.