«المامونية» يفتح أبوابه بعد 3 سنوات من التجديد.. ويستعد لاستقبال نجوم العالم

تشرشل قال عنه: «هذا من أروع الأمكنة في العالم»

حوض السباحة في المامونية
TT

«هذا مكان رائع وواحد من أفضل الفنادق» هذه العبارة كتبها رئيس الوزراء البريطاني الأشهر ونستون تشرشل، في رسالة إلى زوجته كلمنتين عام 1935، حيث كان يقيم في الفندق ليرسم بعض لوحاته. وإلى هذا الفندق دعا تشرشل الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت، ليطل من سطيحته على حدائقه الخلابة. في عام 1923 شيد فندق المامونية في مراكش، الذي يعتبر من بين أفضل 14 فندقا في العالم. وبعد أن ظل مغلقا منذ عام 2006، فتح «المامونية» أبوابه وحدائقه من جديد.

خلال ثلاث سنوات كاملة، خضع لعمليات ترميم وتوسيع شاملة أنجزها المهندس المعماري المتخصص في الديكور جاك غارسيا، الذي منح الفندق حلة جديدة تجمع بين مهنية وإبداع الصانع التقليدي المغربي وأدوات ووسائل التكنولوجيا الحديثة. وليست هذه هي المرة الأولى والوحيدة، التي يغلق فيها الفندق الشهير أبوابه لكي يجدد نفسه، بل سبق أن خضع للترميم والتوسيع، خلال سنوات 1946 و1950 و1953 و1986. وبعد أن كان عدد غرفه لا يتجاوز 50 غرفة في ثلاثينيات القرن الماضي، فتح «المامونية» أبوابه وعدد غرفه 210، بينها 71 جناحا وثلاث فيلات.

ويلخص مطبخ الفندق عالم «المامونية»، المتميز بعبقه التاريخي وتوجهه الحداثي، في الآن نفسه، إذ يشمل، على الخصوص، المطبخ المغربي، المعروف بشهرته العالمية ونكهته الخاصة، والمطبخ الفرنسي، الذي يشرف عليه الطباخ الفرنسي الشهير جان بيير فيغانو، والمطبخ الإيطالي، الذي يشرف عليه الطباخ الإيطالي الشهير دون ألفونسو. أما على مستوى الترفيه، فيقدم «المامونية» خدمات متنوعة ونوعية، تساير متطلبات الراحة وتميز الخدمة الفندقية. تكلفة ترميم وتوسيع فندق «المامونية»، بلغت نحو 120 مليون يورو. يقولون في مراكش، إن فرادة فندق «المامونية»، الذي يمتد على مساحة 15 هكتارا، هي من جمال وسحر المدينة الحمراء، بنخيلها ولون بناياتها، حمراء اللون. ولا يتوقف الكثيرون عند الاختلافات البسيطة، التي يمكن ملاحظتها على مستوى لون هذه البناية أو تلك، في المدينة الحمراء، رغم أن اللون الأحمر، الذي يمنح المدينة لقبها الأحمر، ليس لونا واحدا في خصائصه، بل يتعدى العشرين اختيارا، في تنوعه وأشكاله، التي تشترك كلها في الاقتراب من لون الطين. والجميل أنه من بين 22 اختيارا، على مستوى الألوان، التي توضع رهن إشارة سكان مراكش، تشتهر تسعة، فقط، نجد بينها «أحمر مراكش» و«أحمر المامونية» و«أحمر الكتبية».وأن يصير «لون المامونية» عنوانا للون مراكش «الحمراء»، فذلك يعني أنها تحولت إلى إحدى علامات هذه المدينة الساحرة. ومن المعروف أن فندق «المامونية» يستمد اسمه من حدائقه، التي عرفت «بحديقة المأمون»، وكانت هذه الحدائق خلال القرن الثامن عشر، في ملكية الأمير مولاي المأمون، الابن الرابع للسلطان العلوي سيدي محمد بن عبد الله، الذي تولى الحكم خلال القرن الثامن عشر.

وتذهب بعض الكتابات التاريخية إلى أن كثيرا من البساتين والحدائق بالمدينة كانت من تخطيط وغرس هذا السلطان، الذي «كان كلما بلغ أحد أبنائه سن الزواج زوجه ووهب له مسكنا خارج القصبة وأحاطه بالبساتين والجنان». وكانت الحديقة، التي تحولت اليوم، إلى فندق «المامونية» هي هدية زواج الأمير مولاي المأمون، فيما كان من نصيب أبناء السلطان الآخرين حدائق مولاي عبد السلام، ومولاي موسى، ومولاي الحسن.

ومن بين الحدائق الأربع، تحولت حديقة مولاي المأمون إلى فندق «المامونية»، فيما حديقة مولاي عبد السلام صارت، اليوم، أهم متنفس أخضر بالمدينة الحمراء، وتقع بجانب «باب النقب»، قرب «قصر البلدية»، وعلى مسافة أمتار قليلة من صومعة ومسجد «الكتبية».

وتذكر كتابات المؤرخين أن مولاي المأمون جعل من هدية والده مكانا للنزاهة، وهي العادة التي طبعت مراكش وميزت حياة المراكشيين على مدى قرون، من جهة خروجهم، خلال العطل، إلى حدائق ومتنزهات المدينة لقضاء ساعات من المتعة والنزهة، مصطحبين معهم فرق الموسيقى و«متسلحين» بأكلة «الطنجية» المراكشية الشهيرة، وغيرها من عناوين المطبخ المراكشي، لقتل الجوع. وفي عام 1923، صمم المهندسان هنري بروست، وأنتوان مارشيسيو، فندق «المامونية»، الملحق بحدائق «المامونية»، وعملا على أن يجمع بين الهندسة المغربية التقليدية وآخر مبتكرات طراز فن الديكور.

واستقبل فندق «المامونية»، منذ أن فتح أبوابه، عددا كبيرا من مشاهير العالم، على غرار ونستون تشرشل، الذي كان يمضي فيه عطلته الشتوية ويمارس هواية الرسم، حيث قام برسم الكثير من اللوحات التي اكتسبت أهمية تاريخية، وبيع الكثير منها في الفترة الأخيرة، كانت آخرها لوحة «مراكش»، التي أهداها إلى مارغريت ابنة الرئيس الأميركي السابق هاري ترومان عام 1951. وهي لوحة مرسومة بالألوان الزيتية تصور مشهدا لجبال الأطلس، كخلفية لأحد أبواب المدينة.

ومن الحكايات، التي تبين مدى العشق الذي كان يكنه رئيس الوزراء البريطاني لفندق «المامونية»، أنه دعا، في عام 1943، فرانكلين رزوفلت، الرئيس الأميركي السابق، لزيارة المدينة الحمراء والاستمتاع بفتنة فندق «المامونية»، وقال له «إنها (مراكش) إحدى أجمل الأماكن في العالم».

واستخدم الفندق، لتصوير أفلام عالمية شهيرة، مثل فيلم «موروكو» من بطولة الممثلة مارلين ديتريش، وفيلم «ذي مان هو نيو تو ماتش» للمخرج الشهير ألفريد هيتشكوك.

وأقام «بالمامونية» الفنان الشهير شارلي شابلن، عام 1955، علاوة على أن هذا الفندق الشهير ظل يستقبل، على مدى السنوات، مشاهير ونجوم العالم، أمثال كلود لولوش، ومارتن سكورسيزي، ونيكول كيدمان، وسيلفستر ستالون، وريشار جير، وسوزان ساراندون، وتوم كروز، وشارون ستون، وكيت وينستلي، وشارل أزنافور، وجون بول بلموندو، وكاترين دونوف، وآلان دولون، وكلوديا كاردينالي، وصوفي مارصو، وكيرك دوغلاس، وعمر الشريف، وإديت بياف، وغيرهم ممن حملتهم رغبة الاستمتاع بهدوء الفندق وفخامته وسحر المدينة وفرادة طقسها.

ويحكى أن شارل ديغول، قضى بفندق «المامونية» ليلة واحدة، وذلك خلال زيارة للمغرب، وتردد أن مدير الفندق كان مضطرا وقتها إلى توفير سرير على مقاس الرئيس الفرنسي الشهير، الذي عرف بطول قامته.

ومن بين نجوم الفن، سبق للمغني الفرنسي جاك بريل أن يغنى بـ«المامونية»، قائلا: «يبقى (المامونية)، على الدوام، حلما نتمنى أن نلتقيه كل يوم».

ومن نجوم الموضة، نجد إيف سان لوران، وبيير بالمان، وفرساتشي، وكنزو، وفالنتينو، وجون بول غوتييه.

وإلى نجوم الفن والسينما والموضة، استقبل الفندق رؤساء وملوك العالم، أمثال تيودور روزفلت، ورونالد ريغان، ونلسون مانديلا، وفاليري جيسكار ديستان، وكوفي عنان، والملكة إليزابيث الثانية، وجاك شيراك، وهيلموت كول، وحسني مبارك.

وتبدو قائمة عشاق «المامونية» كما لو أنها بلا حصر، الشيء الذي يبرز قيمة وشهرة وتميز هذا الفندق، الذي يقع بين «باب أجديد»، أحد أشهر أبواب مراكش، وضريح أمير المرابطين يوسف بن تاشفين، الذي أسس المدينة، قبل نحو 11 قرنا، وعلى مسافة أقل من عشر دقائق من مطار مراكش المنارة، وأقل من دقيقتين عن ساحة جامع الفنا الشهيرة.

وتماشيا مع قيمة من نزلوا به، تحمل أجنحة الفندق أسماء تحيل على عوالم السياسة والفن والتاريخ، مثل «جناح تشرشل» و«جناح الفن السابع» و«جناح الكتبية» و«جناح ماجوريل» و«جناح المأمون». وتم في شهر يونيو (حزيران) الماضي عرض الأثاث القديم لفندق «المامونية» للبيع، وشملت المعروضات، التي تبارى عشاق «المامونية» في الظفر بها، وكان غالبيتهم من الأجانب، فرشا ولوحات وطاولات وأغطية وأواني وديكورات وعربات خيل وكنبات ومصابيح وخزائن بأدراج ومناضد صغيرة وسجادات وتماثيل نصفية وفضيات، تختصر جميعها عراقة الفندق، وتشهد على قيمته وشهرته العالمية.

ويكتسب أثاث «المامونية»، الذي هو من الطراز الإسباني الموريسكي والفرنسي الكلاسيكي، أهمية تاريخية كبيرة، بالنظر إلى الحمولات الرمزية التي يمثلها الفضاء الذي احتضنها، وهو ما يعني أن المقابل المادي الذي يمكن أن يؤدي ثمنا لها، يبقى أقل من قيمته المعنوية. وأعلن المشرفون على أمر المزاد أنه حقق نحو 3 ملايين دولار، كرقم مبيعات.