أصحاب البيوت يجعلون من منازلهم مزارات سياحية غير مجانية

المسلسلات السورية تحول القرى المنسية إلى أماكن سياحية بامتياز

الدراما السورية في خدمة السياحة («الشرق الأوسط»)
TT

مع بروز الأعمال التلفزيونية السورية من مسلسلات درامية وتاريخية وشامية، وانتشارها بشكل كبير عبر الفضائيات العربية، اتجه المخرجون والمنتجون لتصوير أعمالهم خارج الاستوديوهات والشقق الضيقة إلى عالم الطبيعة الأرحب، فوجدوا ضالتهم في الكثير من المناطق السياحية السورية لما تمتلكه من مقومات طبيعية حيث هناك البحر والجبل والغابة والوادي والسهل والسهوب الخضراء والبوادي وهناك الحارات الدمشقية والحلبية القديمة فصوروا أحداث مسلسلاتهم فيها فقدموا من خلال هذه المسلسلات شهرة وانتشارا لهذه الأماكن، التي كان بعضها منسيا وخارج الخارطة السياحية وغير معروف لدى الكثيرين فأصبح الكثير من هذه الأماكن تعج يوميا بمئات السياح والزوار، ولعل أبرز مثال في هذا المجال هو المسلسل الكوميدي الاجتماعي «ضيعة ضايعة» الذي اختار مخرجه الليث حجو، قرية منسية تدعى «السمرة» تجاور منطقة كسب في أقصى شمال غرب سورية، التي تتميز بوجود مناظر خلابة في أي اتجاه ينظر من خلالها الزائر، فهناك الجبال الشاهقة والوادي الذي ينحدر ليصل إلى البحر الأبيض المتوسط، وهناك بساط أخضر في كل متر مربع منها والقرية مع بيوتها القديمة الطينية القليلة التي صورت فيها جميع مشاهد المسلسل المذكور، أصبحت بعد عرض المسلسل مقصدا لمئات السياح والزوار، رغم صعوبة الوصول إليها من بلدة كسب أو من بلدة البدروسية قرب رأس البسيط على شاطئ المتوسط، حيث يصعد منها طريق يوصل للقرية ويحتاج للسير نحو ثلث ساعة بالسيارة للوصول إليها، والطريف هنا أن أصحاب بيوت القرية استثمروا شهرة قريتهم السياحية بعد عرض المسلسل وصاروا يأخذون أجرة (50 ليرة سورية ما يعادل دولارا أميركيا واحدا) لمن يرغب بالدخول لأحد هذه المنازل. كذلك أقيم بجانب القرية مطعم سياحي صار يستقبل يوميا العشرات من زوار قرية السمرة بعد أن يتجولوا في القرية ويسيرون في طرقاتها الحجرية التي سار عليها أبطال المسلسل. ويتحدث مخرج مسلسل «ضيعة ضايعة» الليث حجو لـ«الشرق الأوسط» عن هذه الظاهرة وكيف خدم مسلسله الشهير السياحة السورية: «منذ سنوات والدراما السورية تخدم السياحة وتحاول إظهار ما غاب عن الاستثمار السياحي، التي حرصت أن تقدمها الأعمال السورية في مسلسلات تلفزيونية حتى تحظى فيما بعد باهتمام المعنيين». وأضاف حجو، بأن قرية السمرة التي صور فيها مسلسل «ضيعة ضايعة» تقع في منطقة جميلة ولكنها كانت منسية وبعد عرض العمل نشطت السياحة فيها.

وأسأل المخرج الليث عن كيفية اختياره هذه المنطقة المنسية كموقع لتصوير عمله التلفزيوني فأجاب: مواصفاتها مطابقة للنص الذي كان يتطلب منطقة زراعية مشرفة على البحر وعلاقتها بالزراعة والبحر، وعندما بحثنا في معظم الشريط الساحلي السوري لم نجد مثل هذه العلاقة سوى في تلك القرية حيث كان هناك إما قرى تعتمد على الصيد البحري أو على الزراعة فقط وبعيدة عن البحر، فلذلك اخترنا هذه القرية التي تشرف على البحر وفيها الصيد والزراعة. ويضيف الليث حجو أن هناك جزءا ثانيا من مسلسل «ضيعة ضايعة» سينطلق قريبا بعد كتابة النص ومن المحتمل أن يكون موقع التصوير في القرية نفسها. ولكن القرية الآن تعج بالزوار والسياح وبعشرات السيارات وحافلات النقل الجماعي التي تقل الناس في رحلات جماعية لمشاهدة قرية «السمرة أو أم الطنافس الفوقا كما سميت في المسلسل أو ضيعة ضايعة» التي لم تعد ضائعة أبدا بل أصبحت واحدة من أهم معالم الساحل السوري السياحية.

ومن أشهر المناطق وأشهر المخرجين الذين صوروا أعمالهم في مناطق سياحية التي صورت فيها المسلسلات التلفزيونية: المخرج نجدت أنزور، الذي اشتهر في مسلسلات الفانتازيا بإدارة الكاميرا بشكل مميز لالتقاط أجمل الصور للمواقع التي صور بها أعماله ومنها: جبال الساحل السوري وبحيراته وغاباته من الفرنلق والباير وسد بللوران ووادي قنديل وأم الطيور وغيرها.

وهناك أيضا الممثل والمخرج أيمن زيدان، في تجربته الإخراجية الوحيدة مسلسل «طيور الشوك»، أظهر جمال منطقة الدريكيش في منطقة الساحل السوري، التي تشتهر ببيئة جبلية جميلة.

وهناك مخرجو البيئة الشامية الذين ساهموا بتوظيف الدراما في السياحة وإظهار مناطق دمشق الجميلة مثل غوطة دمشق وكذلك الحارات القديمة خاصة بعد انتشار المطاعم والفنادق فيها هناك بسام الملا الذي قدم روائع من البيئة الشامية، ومنها «أيام شامية والخوالي وباب الحارة»، وهناك المخرجان هشام شربتجي وعلاء الدين كوكش، في مسلسل «أهل الراية» وغيرها الكثير، والمخرج هاني الروماني، صاحب المسلسل الشامي الشهير «حمام القيشاني» بأجزائه الأربعة، وسيف الدين سبيعي من خلال مسلسل «الحصرم الشامي» وأولاد القيمرية وهي حارة دمشقية قديمة تشتهر حاليا بجذبها للسياح من خلال انتشار عشرات المطاعم والفنادق التراثية فيها وصالات العرض الفني التشكيلي.

الممثل السوري الشهير: دريد لحام، يؤكد لـ«الشرق الأوسط» أن مسلسلاته الكوميدية التي صورها قبل أربعين عاما مثل «حمام الهنا وصح النوم» وغيرها قدمت مبكرا البيئة الشامية ببساطتها وجذب من خلالها السياح إلى دمشق القديمة، وحتى إن قبقابه الشهير (قبقباب شخصية غوار الطوشة التي جسدها في هذه الأعمال) ـ يضحك الفنان دريد معلقا ـ تصور قبقابي جذب السياح إلى سوق القباقبية الأثري في دمشق القديمة، الذي تخصص منذ تأسيسه بصنعة القباقيب حيث كان السياح يطلبون من مجلاته قبقابايشبه قبقاب غوار في المسلسلات الكوميدية.

ولعل من أبرز الأماكن التي يحرص مخرجو المسلسلات التلفزيونية السورية إظهارها في مشاهد في مختلف مسلسلاتهم المعاصرة، هي الجلوس في استراحات جبل قاسيون وإظهار مدينة دمشق بشكل بانورامي جميل من أعلى الجبل المطل على دمشق كنسر في الفضاء.

كذلك ساهمت الدراما السورية في إظهار جمال مدينة حلب وأوابدها وخاناتها وأسواقها القديمة وحاراتها، ومن أشهر هذه المسلسلات «خان الحرير وسيرة آل الجلالي والبيوت أسرار وحي المزار وباب المقام» للكاتب وليد إخلاصي.