كبادوكيا التركية.. «مدخنة الملائكة»

تجتذب العرب.. تستهوي عشاق التاريخ.. وتصطاد المخرجين وتغذي أفكارهم

في كبادوكيا.. الطبيعية تعرض مفاتنها («الشرق الأوسط»)
TT

حافلة سياحية، أربعة وخمسون سائحا لبنانيا، دليل، خرائط، ووجهة محددة: منطقة كبادوكيا التركية.

..الطرق الرئيسية معبدة حديثا، شاسعة وشبه فارغة، بما يتلاءم ومستلزمات السياحة. التنظيم المروري أساس هنا، لا مجال للمخالفات، السرعة محددة بثمانين كلم/ساعة كحد أقصى، ولا مجال أيضا لزحمة السير. دنونا من المكان المقصود. الكل يلتصق بالنوافذ في هذه اللحظات، عدسات السياح «تأهّبت» لالتقاط أفضل الصور.. «نحن في كبادوكيا»، يوضح الدليل السياحي.

لوهلة بدا وكأن المكان يعرف عن نفسه بنفسه، فمع دخول المنطقة أخذت الطبيعة تعرض «مفاتنها» سريعا: جبال شاهقة، بيوت ونزل قديمة محفورة في جبال طينية شكلتها الرياح بطريقة غريبة، بين صعود ونزول، والأغرب من ذلك تفاصيل فنادقها (cavehotels) ومنازل سكانها من جدران وأثاث وفرش ونوافذ وأبواب قديمة إلى درجة أن الزمان قد خلفها وراءه وأبقاها على ما هي لتعود بالمرء إلى عصور إنسان الكهوف. هذا وفي المنطقة السياحية هذه توجد أيضا أماكن دينية رعت أبناءها قديما، وتكمل دورها اليوم..

في كبادوكيا، «ولتواصل أسرع» ـ يقول الدليل السياحي ـ صورت مشاهد رحلة العمل التي جمعت بين مهند وعابدين في المسلسل التركي الشهير «نور». وقتذاك، لفتت المنطقة، التي تم تصوير المشاهد فيها، أنظار المشاهدين، حيث بدت بقعة خرافية موغلة في القدم لا تنتمي إلى هذا العالم وإلى تركيا بصلة سوى من خلال وجوه الممثلين والأتراك فيما وراء الكاميرا..

«باختصار هذه هي كبادوكيا وجاذبيتها»: الدليل السياحي المرافق يقرن العبارة عينها بكل جملة: «باختصار هذه هي كبادوكيا وجماليتها»، يقول، ويكمل كلامه: تقع البقعة السياحية الساحرة هذه بين جبال الأناضول جنوب أنقرة (تبعد عن أنقرة نحو 400 كلم وعن أضنة 450 كلم تقريبا) وتم استغلالها في السياحة التركية بصورة غير مسبوقة. وقد ألف عنها الرحالة والمغامرون الكثير من الكتب المصورة التي تناولت تفاصيلها من أنماط العمارة، وسحر جبالها ووديانها وملامح معيشة سكانها. السياح يفدون إلى كبادوكيا من مختلف بقاع العالم، ومن الداخل التركي طبعا، فهي تتميز بأنها من أجمل المناطق التركية التي يتحد فيها جمال الطبيعة مع نمط الحياة التركية، القديمة والمعاصرة بألفة وتناغم يندر له مثيل في العالم، حيث لعبت التكوينات الجغرافية التي تميزها دورا في صياغة مناحي الإنسان التي عاش على أرضها قديما، فبنى بيوته داخل هذه التكوينات، وكانت بيوتا مبينة في كهوف، وكذلك بنى كنائسه في أعماقها، حيث بدت وسط التكوينات وكأنها قد بنيت داخل المداخن مما جعل حضارة «كبادوكيا» تعرف باسم «مدخنة الملائكة» حتى يومنا هذا.

ويعود تاريخ إنشاء بيوت هذه المنطقة إلى عام 1900 ويتوزع البعض منها على قمم الصخور، وقد استخدمت في بنائها الأحجار نظرا لوفرتها، حيث تتميز منطقة «كبادوكيا» بوجود جبال بركانية فيها، وقد استثمر السكان العوامل الطبيعية هذه بأفضل الطرق، فعند فوران البراكين تخرج صخور الصهر لتصبح مادة مناسبة للبناء لسهولة تشكلها في الحرارة الساخنة. كما أنه من المعروف أن هذه المواد المنصهرة عندما تخرج للخارج وتلامس الهواء، تتصلب وتصبح مادة قوية تفيد البناء، وهذا مكن سكان هذه المنطقة من أن يصبحوا ماهرين ومتقنين في حرفة النحت المستخدم في البناء، وكذلك حرفة «المهارية»، وهي النحت في الخشب، وقد استخدمت في تصميم أبواب المنازل وأسوار الحدائق الخشبية التي تحيط بمنازل «كبادوكيا».

السياح اللبنانيون مندهشون بجمال المنطقة. شبهوا الجبال التركية بجبال لبنان الخضراء، لكن عند حدود الصخور والمنازل المنحوتة في «الصمود» توقفت التشبيهات، وانشغل الجميع بالتقاط صور.. للجميع. كل اختار زاوية للصورة.. للذكرى. بعضهم أراد تعزيز معرفته بشراء كتاب يحكي عن المكان، وبعضهم لعب دور الصحافي مع الدليل.. لكن الهدف واحد أبدا: التعرف أكثر إلى منطقة تشكل استثناء بجماليتها، وتاريخها.. «باختصار هذه هي تركيا وجاذبيتها»، يكرر الدليل العبارة للمرة الألف، يضحك الجميع، ويستكمل المشوار.

الجغرافيا.. وحدود الطبيعة: في زمن «أغسطس»، أي أيام الإمبراطورية الرومانية، ظهر كاتب يعرف باسم سترابون وألّف كتابا باسم «جيوغرافيكا»، وفيه رسم حدود المنطقة وما تضم من كنوز طبيعية. وأورد أن في كبادوكيا تستقر نوشهير، وأكساراى، ونيكدة، وقيصؤي، وكرشهير، أما منطقة كبادوكيا الصخرية فهي تقع في مساحة أصغر بين منطقة أوش حصار، وأوركب، وأفانوس، وكورامه، ودرينكويو، وقايماقلي، وإهلارى.

وتعتبر مدينة أورقب من أهم مراكز منطقة كبادوكيا، وقد مرت بمراحل تاريخية مختلفة ومتعددة، وعرفت باسم «أوسيانة» عند البيزنطيين، و«باش حصار» عند السلاجقة، وتتميز بمناظرها الجميلة التي تتنوع بين المساحات الخضراء ومزارع العنب التي تمتد على سفوح جبالها البركانية المحفورة بسبب الأمطار والرياح القوية.

مدينة «أفانوس» التي تعرف باسم فنيسة تشتهر هي الأخرى بصناعة الأطباق الفخارية والسيراميك من الطين الأحمر على أيدي أمهر الحرفيين. أما مدينة «كورامه»، فهي تتوسط «كبادوكيا»، وهي محصورة بين المداخن التاريخية، وتوجد فيها كنائس أثرية تحت الأرض، مما يزيد من الأهمية التاريخية لهذه المنطقة، مثل كنيسة «أورتاخانة ادرمس» و«بزيرخانة»، إضافة إلى البيوت المبنية من حفر السكان للصخور.

يذكر أن «كبادوكيا» تقدم نوعا من أنواع السياحة النادرة في العالم، وهو الطيران بالمنطاد أو البالون الهوائي عبر سفوح جبالها، ويعتبر الطيران بالمنطاد بالنسبة للسائح تجربة عمر لا تنسى.

بثبات.. نحو الـ2010: تطمح أنقرة لاستقبال نحو 30 مليون سائح بعائدات تبلغ 30 مليار دولار بحلول عام 2010، وهو ما يعبر عنه صراحة وفي غير مناسبة أمين كايا، مدير السياحة التركية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ووفق الصحافة التركية، فإن عدد السياح الأجانب القادمين إلى تركيا خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي بلغ نحو 21.145 مليون سائح، بزيادة 18.31% عن العام الماضي، أما عدد السياح القادمين من منطقة الخليج فبلغ نحو 150 ألف سائح خلال الفترة نفسها بزيادة 30%، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.

وتشكل السياحة أحد أهم أعمدة الاقتصاد التركي، خاصة في العقود الأخيرة، فالبلاد تتبنى خططا جديدة لزيادة عدد السياح من دول منطقة الخليج، ويتوقع أن يصل العدد الإجمالي للسياح إلى نحو 23 مليون سائح مع نهاية العام الحالي، مما يضع تركيا على قائمة إحدى أفضل 10 وجهات سياحية في العالم.

سياحة.. وسياحة: أفضل المواقع السياحة لدى السياح الخليجيين والعرب هي مدينة إسطنبول ويالوه وبورصة وبحيرة أبنط وكذلك كزيلجه حمام. وتتميز السياحة في تركيا بأنها مجموعة متكاملة من أصناف السياحة المختلفة عالميا؛ فهي سياحة اصطياف وراحة في المناطق الساحلية على البحر الأبيض المتوسط، ومعها منتجعات وقرى سياحية على البحر الأسود تعمل خلال موسم الصيف، وهناك أيضا السياحة الشتوية في المناطق الجبلية حيث تمارس رياضة التزلج على الجليد.

وتسعى تركيا لاحتلال المركز الأول في مجال السياحة الصحية والعلاجية بحلول عام 2023، حيث ارتفع عدد الزوار المهتمين بالسياحة الصحية والعلاجية بنسبة 17.3 في المائة.