«أتاتورك العظيم».. قبلة السياح

شخصيته تثير فضولهم.. وصوره تُطلب للطباعة «على كل شيء»

TT

في نهاية الساحة الشهيرة التي تحمل اسمه يطل رافعا يده اليمنى.. وهم يسارعون لملاقاته. سياح لبنانيون سمعوا الكثير عنه، ولطالما انتظروا هذه اللحظات بشغف. الحشد السياحي الأوروبي الموجود هنا تزامنا لن يعكر صفو «اللقاء» اللبناني ـ التركي، وبالتأكيد لن يمنع أيا من اللبنانيين من التقاط صور خاصة لـ«النجم التركي العظيم»، ولن يعيق أي تحرك لأي لبناني في ساحة أتاتورك، تلك التي تضم نصبا تذكاريا، والمذكورة في صلب البرنامج السياحي لهذا اليوم.

في الواقع، كل التركيز منصبّ حاليا على «العظيم» مصطفى كمال أتاتورك وتأثيره «حتى» في السياحة التركية. فمنذ اليوم الأول، في البرنامج السياحي الطويل، لوحظت كثافة الصور الخاصة بأتاتورك، فهي موجودة في كل مكان، شأنها شأن العلم التركي. ليس هذا فحسب، بل إن اسم «رجل تركيا الأول» يتردد كذلك في النشيد الوطني التركي الذي يقول: «أنا تركي... أنا أمين... أعمل بجد ولدي مبدأ، وهو أن أحمي صغيري وأحترم كبيري، وأن أحب بلدي ووطني أكثر من نفسي. لديّ حلم هو أن أكبر وأتقدم للأمام. أتاتورك العظيم، أقسم لك بأن أسير بلا توقف على الطريق الذي مهدته وللمبتغى الذي اخترته، أملا في أن يكون وجودي هدية للأتراك. سعيد هو من قال: أنا تركي».

هذه مجرد البداية، لا تنسوا الوفد السياحي الأوروبي الذي التحم صدفة بالوفد السياحي اللبناني. فرص حوار لبناني ـ أوروبي فرضت نفسها ففتحت سريعا آفاقا جديدة للحديث عن أتاتورك «سياحيا». الأوروبيون يتكلمون على دخول اسم مصطفى كمال في أدق تفاصيل الحياة اليومية للأتراك، ولا يستغربون مطلقا توافد المئات يوميا إلى أي مكان له علاقة بمصطفى كمال، واللبنانيون يوافقونهم ويعقبون بكلام على تأثير أتاتورك في المتدينين، والعلمانيين، والفقراء والأثرياء وأبناء الطبقة الوسطى، ورجال الدين... و«حتى في السياحة». هي انطباعات تكونت نتيجة أحاديث متفرقة مع الأتراك في غير سوق تجارية أو في غير منطقة سياحية.

نحن دائما في ساحة أتاتورك. رهبة استثنائية تحيط المكان، وهي ليست ناتجة مثلا عن مياه البحر الأبيض المتوسط التي «تصفع» 24 ساعة الصخور الملاصقة للساحة الشهيرة. ولا هي رهبة تلك الجبال الشاهقة المطلة بوضوح... باختصار كل الكاريزما عائدة للنصب التذكاري لـ«أبو الأتراك»، من «شغل الماضي بقيادته، وبنى المستقبل بحكمته». من هنا لم يعد تأثيره في السياحة بعد السياسة والاقتصاد والاجتماع مستغربا.

أتاتورك حاضر في غير مكان مخصص أساسا له. وإلى النصب التذكاري الذي يضم مقبرته المعروفة باسم «انيت كبير» يتوافد المئات يوميا يسمعون خطبه في المناسبات المختلفة، ويعرفون أكثر عن تاريخ حياته. الدليل السياحي المرافق للوفد اللبناني يتحدث عن أنه رأى أكثر من مرة زوارا يبكون عند سماع الشرائط المسجلة لأتاتورك والموجودة عند نصبه. الدليل السياحي يزور تركيا على رأس وفود سياحية لبنانية منذ نحو 9 سنوات، واليوم هو يعرف جيدا المحطات الأساسية في أي زيارة لتركيا، وبات يجيد تكلم اللغة التركية. هو يقول إنه عند الضريح، المقام وسط أنقرة، تجد أقوال أتاتورك المعروفة عن أن «الأمم التي لا تستطيع تحديد هويتها تستعبدها الأمم الأخرى»، و«السيادة للشعب دون شروط».

«أتاتورك أحب تركيا وهي أحبته في حياته ومماته، فهو يفيدنا حتى بعد رحيله، ينشط السياحة، وحركة الزوار خير دليل»، يقول صاحب معمل للجلد الطبيعي في البلاد، ويلفت إلى أن أكثر من سائح أجنبي وعربي يطلبون إليه طباعة صورة أتاتورك على السترات الجلدية، وسواها. صداقة طويلة جمعت المصّنع التركي مع الدليل السياحي اللبناني، وبات يتحدث العربية بطلاقة. هو يقول للوفد اللبناني إن لمصطفى كمال علاقة حميمة بالتراب التركي، «ففي القبر المدفون فيه رجل تركيا الأول أكواب من التراب، كل كوب يحمل تراب إحدى مقاطعات تركيا، وهو ما طلب أتاتورك أن يدفن معه. القبر عبارة عن غرفة تحت الأرض، غير مسموح للزائرين بالدخول إليها، لكن هناك كاميرا تنقل على مدار الساعة القبر من الداخل، وهي مسألة تثير فضول السياح وحبهم للمعرفة».

وفي مبنى البرلمان الذي افتتحه أتاتورك عام 1924 وشهد إعلان ميلاد الجمهورية التركية الكثير من آثار أتاتورك، ومن بينها صالة كاملة بتماثيل من الشمع تمثل أتاتورك ونائبه عصمت أنونو وأعضاء أول برلمان تركي منتخب، وصورة أخرى كبيرة لجنازة أتاتورك عام 1938 في إسطنبول.

ليست غريبة إذن علاقة أتاتورك بالسياحة التركية. أبسط دليل هي صور أتاتورك التي تظهر حتى على العبوات الزجاجية الموجودة في كل الأماكن السياحية، والتي يمكن للسياح شراؤها على سبيل الذكرى، وصوره كذلك موجودة على صناعات وطنية تركية مختلفة.

وبعد.. في كل مكان سياحي دون استثناء ستجد من يتحدث عن أتاتورك، وستجد من يقول: «لو كان أتاتورك حيا لفعل كذا، أو كذا.. ولمنع حصول هذا أو ذاك..» وستجد من يقول: «إنه عرف كيف يجتذب السياح.. وأنتم هنا اليوم بفضل أتاتورك».

* (لمن لا يعرفه جيدا، نلفت إلى أن أتاتورك من مواليد 19 مايو (أيار) 1881، كان أول رئيس تركي، بين 29 أكتوبر (تشرين الأول) 1923 و10 نوفمبر (تشرين الثاني) 1938 عندما توفي. كما كان أول رئيس وزراء تركي، بين 3 مايو (أيار) 1920 و24 يناير (كانون الثاني) 1921. وأول رئيس للبرلمان التركي، من 1921 إلى 1923. وأول زعيم لحزب الشعب الجمهوري بين 1921 إلى 1938).