سياحة العرب في لندن.. معرض مفتوح لأغلى السيارات وإنعاش للاقتصاد

العرب في لندن يحوّلون البريطانيين إلى سياح في بلادهم

بريطانيون وسياح أجانب يلتقطون الصور لسيارة «بوغاتي» باهظة الثمن (تصوير: حاتم عويضة)
TT

إذا كنت من محبي رياضة سباق السيارات ومن المعجبين بالسيارات الفريدة والغالية، انس جنيف ومهرجان السرعة والسيارات في غودوود وحلبات سيلفرستون للسيارات في بريطانيا وتوجه إلى وسط لندن، وبالتحديد إلى منطقة نايتسبريدج خلف متجر «هارودز» الشهير عند تقاطع شارعي هانس وبازيل، وهناك، وعند زاوية مقهى «لا دوريه» الفرنسي الذي يجذب آلاف العرب لتذوق الحلوى وتناول المأكولات والتمتع بصيف لندن المعتدل الذي لا يخلو من زخات المطر بين الفينة والأخرى بعد ساعات من التبضع المكثف.

المشهد الأول على الشكل التالي: زحمة سير خانقة، جماهير غفيرة من الإنجليز والجنسيات الأجنبية الأخرى يلتقطون الصور لسيارات «فيراري» و«بوغاتي» و«لامبرغيني» و«بينتلي» تحمل جميعها لوحات عربية معظمها تم شحنها من السعودية وقطر والإمارات بأرقام مميزة جدا يزيد سعر بعض منها على 80 ألف جنيه إسترليني.

المشهد الثاني على الشكل التالي: سائقون يفتحون الأبواب لنساء ورجال عرب بعد توقفهم في وسط الطريق خارج أحد مداخل «هارودز» الخلفية، وسياح عرب يتناولون القهوة والشاي عند مقهى ومطعم «كافيه روج» أو «باتيسري فاليري» ويتسابقون على حجز كرسي للجلوس في الخارج ومراقبة المارة.

المشاهد هذه الأيام تتشابه في وسط لندن، لأن الحضور العربي هذا العام لافت جدا بسبب قدوم شهر رمضان المبارك في وسط موسم الصيف، مما دعا نقابة التجار في بريطانيا إلى القيام بالتنزيلات قبل موعدها المعهود للاستفادة من العرب الذين تعول عليهم لندن كثيرا في اقتصادها، ففي الصيف الماضي أنفق العرب أكثر من 250 مليون جنيه إسترليني على مشترياتهم، ومن المتوقع بأن تسجل أرقام أعلى من الرقم المذكور هذا الموسم، نتيجة الوجود العربي الكثيف في لندن، والأغلبية منهم من السعودية وقطر والإمارات والكويت.

وفي حين يمضي العرب إجازاتهم على الطريقة التي تحلو لهم في المدينة المفضلة لديهم، يحولون الأجانب والإنجليز إلى سياح في بلاهم، فهناك عدد كبير من الإنجليز المقيمين خارج لندن يأتون هذه الأيام إلى وسط العاصمة لرؤية السيارات وسماع هديرها وهي تتباهى بحلتها في شوارع لندن المكتظة بالسياح والسكان.

زيارات العرب في لندن تقتصر غالبا على شارع «ادجوير رود» الذي تنتشر فيه المقاهي التي لم تتأثر بقانون منع التدخين، حيث قامت بتخصيص جلسات جميلة خارجية مخصصة للأكل وتدخين الشيشة، الموسيقى عربية ورائحة المشويات والمأكولات الشرقية تنتشر في الشارع من بدايته إلى نهايته، وينتشر العرب أيضا في مناطق سلوان ستريت وكينغز رود ونايتسبريدج، وفي محيط متجر «سيلفريدجز» القريب من شارع أكسفورد ستريت، وبالنسبة للمغامرات السياحية الحقيقية يفضل العرب منطقة إمبانكمانت، حيث يقع مبنى البرلمان وساعة «بيغ بين» وعين لندن (London Eye)، ولكن غالبية العرب يفضلون التبضع لا سيما في شارع سلوان ستريت، وسيلفريدجز، وهارودز، وهارفي نيكولز، وهناك نسبة من العرب الذين يعرفون لندن جيدا ويملكون بيوتا فيها، يتوجهون إلى «بيستر فيلادج» للتبضع بأسعار مقبولة جدا لأن هذا «الأوتليت» مخصص للماركات العالمية التي تباع بأسعار مخفضة على مدار أيام السنة.

«الشرق الأوسط» تجولت في شوارع لندن والتقت بعض المواطنين العرب وكان من بينهم كلثوم العبد الله من قطر، وكانت برفقة أخواتها ووالدتها، التقيناها خارج متجر «هارودز» وكلمتنا عن حبها للعاصمة البريطانية قائلة: «أنا أفضل لندن لأنها مدينة جميلة، أجيء إليها كل عام مع العائلة، ونسكن في شقة مفروشة بالإيجار، وأتيت إلى لندن منذ نحو الشهر وسأبقى هنا لغاية بداية شهر رمضان وأرجع بعدها إلى قطر»، وأضافت بأنها تفضل التبضع في لندن على أي مدينة أخرى. وحديث آخر مع الإماراتي ماجد الشؤني قال خلاله: «أنا هنا في عطلة سنوية مع العائلة والأصحاب، ونقيم في شقة مفروشة في منطقة قريبة من لانكاستر غايت، ونشحن سيارتنا سنويا من الشارقة إلى لندن، وتكلف العملية نحو 38 ألف درهم عن طريق طائرات شركة الطيران القطرية ومع شركة طيران الإمارات ندفع مبلغ 45 ألف درهم». وأضاف الشؤني: «أنا من عشاق لندن لأنها مدينة تحترم حقوق الإنسان وحرية الفرد، وفيها كل المواصفات التي يبحث عنها العربي في عطلته، المناخ، والمقاهي، والمأكولات العربية، والتبضع، وحرية القيادة، ولو أن بعض سكان المدينة يمتعضون من قيادة العرب في لندن، خصوصا أن البعض يرى أن العرب يتسببون في زحام في العاصمة».

وأثناء حديثنا مع المواطنين العرب، انكب المارة على الرصيف في نقطة واحدة والتفوا حول سيارة، ولكني لم أتمكن من رؤيتها، ولكن عندما اقتربت أدركت سبب تجمهر الناس والتقاطهم الصور، إنها سيارة «بوغاتي فيرون» تحمل لوحة قطرية ورقمها «444»، لونها عاجي مع تفاصيل فضية، المشهد كان أشبه بوصول أحد المشاهير إلى المكان، والحق يقال، فإن رؤية السيارة بالنسبة للجمهور الواقف حولها أهم بكثير من رؤية ديفيد بيكام أو حتى زين الدين زيدان. وكان يقف بالقرب من السيارة رجل يدعى أسعد وهو لبناني الأصل قال لـ«الشرق الأوسط» إنه يعمل لدى صاحب السيارة، الشيخ القطري (لم يذكر اسمه)، ويحرس السيارة التي يزيد سعرها على مليون ومائة ألف جنيه إسترليني، وقال إن الناس يأتون من خارج لندن لالتقاط الصور بالقرب من السيارة، وأضاف أن عمله يقتضي حماية السيارة باهظة الثمن التي بلغ ثمن شحنها إلى لندن 45 ألف جنيه إسترليني. ويقول أسعد إنه يقوم أحيانا بمرافقة الشيخ ويقوم بإيقاف السيارة في أماكن آمنة ويمنع الناس من الاقتراب جدا منها تحسبا لأي عمل تخريبي مثل رمي شيء عليها أو خدش المعدن المطلي بالذهب.

وعلى الرغم من الانتعاش الاقتصادي الذي يسهم به العرب من خلال إنفاقهم مبالغ مادية طائلة في لندن، فإن الأمر لا يخلو من الانتقادات والتعليقات والاعتراضات، لا سيما من سكان وسط لندن، وبالتحديد السكان الذين يقيمون في الأحياء القريبة من متجر «هارودز» وشارع سلوان ستريت، بحيث يشكو السكان من الزحام وينزعجون من أصوات السيارات الفارهة التي تشبه إلى حد كبير صوت طائرة «الكونكورد» كما يقول ريتشارد سميث الذي يقيم خلف مبنى «هارودز» ويقول: «أنا سعيد بمجيء العرب إلى لندن، فهذا الشيء يسعدني كبريطاني، خصوصا أن لندن مدينة كوزموبوليتانية وتحترم الجميع وتقدم شيئا ما لكل شخص، ولكن انزعاجي من الزحام المستمر، فالعرب لا يتركون سياراتهم خارج بيوتهم لا بل يقومون بشحنها إلى لندن وهذا الأمر مكلف للغاية ويتسبب في زحام خانق لأن شوارع لندن ضيقة جدا، كما أن الكثير من العرب لا يوقفون سياراتهم في أماكن مخصصة لذلك لأنهم لا يأبهون للمخالفة، لأن السيارات غير مسجلة في لندن ولا يمكن للسلطات أن تتبع أثرها بعد تركها البلاد».

ومن محيط «هارودز»، تابعنا رحلة السياحة العربية في لندن إلى منطقة مايفير، وتوقفنا عند مقهى «ريشو» القريب من السفارة الأميركية، وهذا المقهى هو عنوان حقيقي للعرب فهو يعج بالوافدين العرب في موسم عطلتهم، وعندما دخلنا إلى المقهى لم نسمع كلمة واحدة تنطق بالإنجليزية فالحضور العربي كان هو الغالب. ومن هناك تابعنا المشوار إلى «بارك لاين» وتحديدا إلى فندق «الدورشستر»، الذي يتحول موقفه الخارجي إلى صالة عرض مفتوحة لأغلى وأجمل السيارات، فاللوحات كلها عربية وغالبيتها من السعودية، وبدلا من أن تسلط عدسات مصوري الباباراتزي على مداخل الفندق تحسبا لرؤية أحد المشاهير تراهم يقتربون من السيارات ويلتقطون لها الصور.

والتقت «الشرق الأوسط» في بهو فندق «الدورشستر» السعودي تركي الدوسري وقال: «أنا أملك منزلا في لندن، إلا أنني أفضل النزول في الفندق، فطلباتي مؤمنة والفندق قريب من كل الأماكن التي أحب أن أوجد فيها، كما أنه من السهل إيقاف السيارة خارج الفندق مباشرة. أحب لندن وأفضلها حتى على باريس، لأنها مدينة الحريات، وتحترم معتقدات الناس ورؤاهم الشخصية، أنا أمضي وقتي بين التبضع وزيارة الريف الإنجليزي في نهاية الأسبوع، والأكل في المطاعم الكثيرة عالية الجودة، فلندن تتميز بوجود أكثر من 300 نوع من المطابخ العالمية وفيها أهم المطاعم الشرقية، لا سيما اللبنانية أو الشامية منها».

ومن هناك انطلقنا باتجاه متجر «سيلفريدجز» وبعد إلقاء نظرة على آلاف المتسوقين من الخليج داخل المتجر ذهبنا إلى «سانت كريستوفر سكوير» حيث تنتشر المقاهي والمطاعم ولاحظنا عددا لا بأس به من الخليجيين يأكلون في مطاعم إسبانية مخصصة للتاباس ومطاعم إيطالية وفرنسية.

ولا يكتمل المشهد العربي إلا من خلال زيارة شارع إدجوير رود، الذي يطلق عليه البعض اسم «شارع العرب»، فيه تنتشر المقاهي العربية ومطاعم «مروش» الشهيرة وفي أجوائه تشتم رائحة الفحم وتنباك الشيشة والمقبلات اللبنانية وتصدح الموسيقى العربية، ولا ينتهي الأمر هنا، وذلك لأنه انتشرت في لندن مؤخرا موضة نقل جديدة تعرف بالـ«ريكشاو» أشبه بالـ«توك توك»، وهي عبارة عن دراجة هوائية مع مقعد في الخلف يتسع لشخصين، وقام بعض السائقين بتطوير الفكرة من خلال وضع مكبر صوت عملاقة تنطلق منه أغاني الفنان عمرو دياب ومحمد عبده.

يشار إلى أن السعوديين هم على رأس السياح من ناحية الإنفاق المادي في لندن، بحسب إحصاءات قامت بها شركة «نيو ويست إند» ومقرها لندن، وبحسب الشركة، فمعدل إنفاق السعودي المتوسط يبلغ نحو 1678 جنيها إسترلينيا في الرحلة الواحدة كأقل معدل، بالمقارنة مع 1169 جنيها إسترلينيا ينفقها السائح الروسي الذي يأتي في المرتبة الثانية من حيث الإنفاق، ويأتي الصينيون في المرتبة الثالثة ويبلغ معدل الإنفاق للشخص الواحد نحو 772 جنيها إسترلينيا، ويأتي بعدها الأميركيون وينفق الفرد منهم نحو 676 جنيها إسترلينيا في الرحلة الواحدة.

بالنسبة للفنادق فهي تشهد حاليا نسبة انشغال تتعدى 95 في المائة، ويعود الفضل في ذلك للعرب الذين يأتون إلى لندن بأعداد كبيرة تضم جميع أفراد العائلة والمساعدين والمرافقين والحراس في بعض الأحيان، ومن المنتظر أن ترتفع نسبة المبيعات في المحلات التجارية بنسبة تزيد على 36 في المائة، وتقوم معظم المحلات التجارية الكبرى بتأمين خدمة الترجمة، والمساعدة في التبضع في قبل موظفين يتكلمون العربية بطلاقة.