أمالفي الإيطالية.. محطة سياحية أرستقراطية

بدأت رحلتها الحضارية قبل البندقية

موقع أمالفي واحتلالها واديا محاطا بالجبال والصخور الشاهقة يمنحها ميزة خاصة ويعطيها رهبة وجمالا رائعا
TT

يعتبر اسم أمالفي (Amalfi) من الأسماء الإيطالية التقليدية التي يسمعها الفرد عادة ويصعب أن تفوته، أثناء الحديث عن إيطاليا والباستا والجبنة والزيتون والمقاهي. ولا يزال الإيطاليون حتى الآن، ومنذ سنوات طويلة تعود إلى القرن الماضي، يستخدمون اسم بلدة أمالفي هذا (في مقاطعة ساليرنو وخليجها في منطقة كمبانيا)، في الخارج في سلسلة المقاهي والمطاعم، التي يفتتحونها في عالم المهجر حول العالم من أوروبا إلى أميركا وأستراليا والقارة الآسيوية.

ويعود ذلك بالطبع إلى المأكولات الإيطالية الفاخرة، التي تنتجها البلدة التي لا تبعد أكثر من 35 كيلومترا عن مدينة نابولي في الجنوب الشرقي، وطبيعتها الخلابة والجميلة التي دائما ما تعبر عن قلب إيطاليا وأجوائها. وبالإضافة إلى ذلك الكثير من المعالم الصناعية الأولى، وتقنياتها، ومنها الصناعة البدائية والمبكرة للورق. وهناك مصنع، خاص للورق السميك الذي يعرف عالميا باسم «بامباجينا»، مفتوح للزوار في قلب المدينة، ويمكن للجميع التعرف من خلاله على مراحل إنتاج الورق. ويعرف هذا الورق على أنه ورق فني وفاخر وخاص ببطاقات الأعراس والعزائم الأنيقة.

وهي من المدن التي تحتل وهدا صغيرا أو واديا حادا محاطا بالجبال والصخور الشاهقة، مما يمنحها ميزة خاصة ويعطيها رهبة وجمالا لا يقاومان. ونحن نتكلم هنا عن جبل شيريتو، الذي يبغ ارتفاعه أكثر من أربعة آلاف قدم، ويمكن، من قمته فوق المدينة، التمتع بالمناظر الخلابة ومراقبة القوارب في مراسيها وترحالها، وأبعد من ذلك بكثير في خليج ساليرنو الجميل، الذي يمنح المدينة، كما سبق وقلنا ميزة خاصة وجمالا طبيعيا بحريا قديما.

وتعتبر المدينة بشكل عام تحفة من تحف إيطاليا ومحطة من أهم المحطات السياحية في أوروبا وإيطاليا، ومنذ أن قرر الأرستقراطيون البريطانيون والطبقات العليا والعائلات المالكة تحويلها إلى محطة لهم ولترفيه عائلاتهم، وبالتالي محطة سياحية فاخرة من الدرجة الأولى في العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي. وكان السياح الأغنياء يقصدونها منذ ذلك الوقت ويقصدون البلدات القريبة منها على الخط الساحلي الغربي من إيطاليا، وهي بلدات جميلة أيضا، خاصة أتراني وسان غوزما وفاتيكا مينوري ورافيلو وبوسيتانو وغيرها. ويبدو أن بوسيتانو تطورت وأصبحت بلدة كبيرة، بعد أن كانت ستستخدم كمرفأ لأمالفي أيام العز، أي أيام العصر الذهبي، وجمهوريات البحار الإيطالية. أما رافيلو، فهي بلدة بحرية جميلة وصغيرة جدا على إحدى قمم الجبال المطلة على خليج ساليرنو وكل الخط الساحلي الرائع والرهيب. وقد كانت أمالفي إحدى أهم الجمهوريات البحرية الإيطالية لمدة ثلاثة قرون ونصف القرن تقريبا، من عام 836 إلى عام 1200، ولعبت دورا كبيرا في تشكيل العالم الحديث وحضارة المتوسط الأوروبية.

وعلى الرغم من أسعارها الغالية - وهذا يفسر علاقاتها بالعائلات الأوروبية الغنية - وقدمها وغناها وتراثها وتاريخها الحافل والطويل، فهي محطة حديثة وتقدم للسائح، إضافة إلى الخدمات الإيطالية التقليدية، كل الخدمات التي يحتاجها السائح من المقاهي والمطاعم والساحات الجميلة والمعبدة بالحجارة والمحلات التجارية التي تبيع كل أنواع الأزياء والأحذية والحلويات والتحف والأعمال الفنية التاريخية والحديثة أيضا. ولتاريخها وأهميتها التراثية وضعتها أيضا منظمة اليونيسكو على لائحة المواقع التراثية العالمية التي تفترض حمايتها ورعايتها.

وتشير المعلومات التاريخية، إلى أن ذكر أمالفي بدأ منذ القرن السادس، وأن أهمية المدينة كقوة بحرية مهمة في المتوسط بدأت أيضا من التجارة مع الدول والمناطق المجاورة والمناطق الإيطالية أيضا، فكانت تستورد الملح من سردينيا والعبيد والأخشاب من إيطاليا، وكانت تصك العملة (الدنانير الذهبية) في مصر وسورية لشراء الحرير، الذي كانت تشتهر به المناطق التي كانت تقع تحت سيطرة الإمبراطورية البيزنطية، وتبيعه في أسواق أوروبا الغربية. وتقول الموسوعة الحرة في هذا الإطار، إن تجار أمالفي الذين كانوا يبيعون الحبوب، كانوا يتمتعون بالاحترام في موانئ الدول الإسلامية التجارية. وفيما كانت أمالفي تشتري الأراضي في القرن التاسع عشر بالذهب فقد كانت بقية إيطاليا تتعامل بنظام المقايضة.

وقد بدأت المدينة مغامرتها مع القوة والسلطان في المتوسط والتجارة مع الشرق إلى جانب مدينة غييتا المشهورة تاريخيا أيضا.

وفيما كانت المدينة تحضر أسطولا بحريا ضخما لمساعدة البابا ليو الرابع عام 848 لمحاربة العرب المسلمين، كانت البندقية نائمة وفي بداياتها.

وقد أصبحت بعد القرن السابع جمهورية مستقلة حتى القرن العاشر، تقارع، بعد خروجها من تحت المظلة البيزنطية، جمهوريات إيطالية صاعدة أخرى، مثل بيزا وجنوا، والبندقية قبل سطوع نجمها، كما ذكرنا.

وبعد عام 1073 وقعت المدينة تحت حكم النورمان القادمين من منطقة أبوليا الشرقية الجنوبية من إيطاليا. وفي القرن الثاني عشر سيطر عليها أهل بيزا، مما أدى إلى تراجع أهميتها واندثار وهجها، الذي تألقت به لسنوات طويلة. ومع هذا بقي القانون البحري المستخدم في المتوسط حتى القرن السادس عشر هو القانون، الذي وضعته أمالفي، وكان يعرف بـ«تافولي أمالفيتاني». وأدى تسونامي في منتصف القرن الرابع عشر إلى القضاء على المرفأ والمدينة التحتية، مما زاد من حظوظها السيئة.

وفي القرون الوسطى، اشتهرت المدينة بالطبع بمدارس القانون والرياضيات والحساب، ويقال إن فلافيو جيويا، الذي جلب البوصلة إلى أوروبا كان من أبناء البلدة.

وأن المعلم الأساسي للمدينة الذي لا يمكن تجاهله، هو الهندسة المعمارية التي تعود إلى القرون الوسطى، التي تتجسد هناك في كاتدرائية سانت أندريا القديمة (القرن الحادي عشر). وعادة ما تعبر هذه الهندسة عن الشخصية الإيطالية الجنوبية بوجود النورمان التي كانت ترغب في خلط الطراز البيزنطي الطاغي والمثالي، آنذاك، بأشكال ونماذج وخطوط العمارة الأوروبية الشمالية الحادة.

وتطل كاتدرائية سانت أندرو، أو الدومو بالإيطالية، على الساحة التي تحمل اسمها، التي تعتبر قلب المدينة بأدراجها العالية (61 درجة إلى الكاتدرائية) ومقاهيها ومطاعمها الجميلة والمكتظة على الدوام. وتشتهر الكاتدرائية بطرازها المعماري الداخلي الباروكي، الذي كان يعتبر ردا فنيا من الكنيسة الكاثوليكية على الحركة البروتستانتية وتحديا للمفاهيم الجديدة بعودته إلى المشاعر الإنسانية في تفسير الحدث الديني، خاصة الأحداث الدينية المهمة في الروزنامة المسيحية الطويلة. لكن في الخارج هناك خليط من النمطين العربي والنورماني خاصة في القباب الخضراء الصغيرة والأقواس والخطوط البرتقالية الخضراء التي تزينها.

وتعتبر الكاتدرائية من المعالم الدينية المسيحية الرئيسية، فالسقف الرئيسي يضم أربع جداريات رئيسية مهمة، تمثل ما يعرف بمعجزة مانا أو ما يعرف بصلب القديس أندرو، ولا تزال الدرجات المؤدية إلى العزلة الفوقي التي بنيت للكاردينال بييترو كابوانو في بداية القرن الثالث عشر هناك. ويقال إن كابوانو جلب رفات القديس أندرو من القسطنطينية إلى البلدة، كما هي الحال مع القديس ماركو في البندقية، الذي جلب رفاته أيضا من مصر. وذلك بعد دخول الأوروبيين المدينة والقضاء عليها وعلى سكانها. وتشبه أو تذكر، إذا صح التعبير، بعض جهات الكاتدرائية، خاصة صفوف القناطر والعواميد كثيرا، بقناطر وعواميد جامع قرطبة الأقل حدة وأوسع من الناحية المعمارية.

ولهذا ارتبط اسم المدينة كاسكوتلندا ورومانيا وروسيا باسم القديس أندرو، ولذا يتم الاحتفال بالكثير من المناسبات الدينية خلال أيام السنة، خاصة يوم القديس وأيام الصيام في يونيو (حزيران) ونوفمبر (تشرين الثاني) ورأس السنة والمناسبات البيزنطية في نهاية أغسطس (آب)، ويوم بلدة ريغاتا في أول أحد من يونيو من كل عام, الذي يحتفل به عبر سباق بحري بين الجمهوريات الإيطالية المستقلة القديمة، وهي البندقية وبيزا وجنوا وأمالفي، وكل سنة تتناوب كل مدينة على استضافة المناسبة الكبرى التي عادة ما تشغل السكان لأسابيع. ويمكن خلال هذه المناسبة الكبرى التعرف على التقاليد والأزياء والمسيرات الاحتفالية القديمة لسكان المدينة. ومن المعالم الأساسية في المدينة أيضا، التي يفترض ألا تفوت السائح، دير أو متحف كيوسترو ديل باراديسو أو «دير الجنة»، كما كان يسمى في بدايات القرن الثالث عشر، وعند تأسيسه من قبل المطران فيليب أوغسطاريتشيو ليكون مقبرة للنبلاء والعائلات القوية والأرستقراطية المعروفة ورجال الدين والمهمين، وكما سبق وذكرنا فإنه يمكن من خلال هذه المقبرة معرفة التأثير الكبير للعمارة العربية على المدينة عبر التاريخ مع العمارة الرومانية والقديمة. ويعتبر البعض المقبرة وعواميدها وأقواسها وحدائقها متحفا مفتوحا لا مثيل له.

* من فنادق منطقة أمالفي

* - فندق «لي أغافي» (Hotel Le Agavi) - العنوان: Via Marconi N.127, 84017 Positano - عدد الغرف: 55 غرفة - من فئة 5 نجوم - ابتداء من 25 يورو في الليلة الواحدة. على الرغم من الارتفاع الشاهق للفندق فوق ساحل أمالفي، فإن للفندق أيضا شاطئه الطبيعي الخاص به والموصول بالفندق بمصعد زجاجي كهربائي. وهو من الفنادق الفاخرة والممتازة والمطلة على خليج ساليرنو، والخط الساحلي وبلدة بوسيتانو الجميلة والبلدات القريبة منها. ويمكن التمتع بالمناظر الخلابة التي لا مثيل لها في أوروبا، من خلال المقهى الخارجي والمطعم وبركة السباحة، إذا رغب البعض. ففي هذا الفندق يشعر السائح بأنه فوق العالم، أو في عالم آخر. وكما ذكرنا فإن الفندق فاخر، من جميع النواحي والتصميمات والقاعات الداخلية والغرف المريحة. وللراغبين في استقلال القطار، فإن هناك حافلة حكومية تتوقف أمام باب الفندق لنقلهم إلى محطة قريبة لا تبعد أكثر من عشرين دقيقة.

- فندق «ترامونتو دي أورو» (Tramonto D’Oro) - العنوان: Via Gennaro Capriglione 119, 84010 Praiano - Amalfi Coast - عدد الغرف: 40 غرفة - من فئة 4 نجوم - ابتداء من 70 يورو لليلة الواحدة. وهذا الفندق من فنادق منطقة أمالفي الممتازة، فهو من أجملها وأكثرها أناقة ويتمتع بشخصية إيطالية من الدرجة الأولى، وكفندق أغافي يمكن منه مراقبة الكنيسة القديمة المقابلة، وبعض معالم المناطق المجاورة وعبر المطاعم البلكونية الرائعة. وكالكثير من الفنادق الفاخرة والمهمة فيضم الفندق بركة سباحة طويلة جدا وجميلة أيضا على طراز برك فنادق فيللا داستي الفاخرة في شمال إيطاليا.

- فندق «بوزيدون» (Hotel Poseidon) - العنوان: Via Pasitea, 148, 84017 Positano (Salerno) - عدد الغرف: 52 غرفة - من فئة 4 نجوم - ابتداء من 190 يورو لليلة الواحدة. وهذا الفندق الذي يحمل اسم إله البحر الإغريقي والأسطوري بوزيدون، يحمل معه إلى أمالفي وبلدة بوسيتانو مسحة المتوسط التقليدية الشرقية واليونانية وأجوائه من الناحية المعمارية، ومن ناحية الخدمات. ومع هذا فهو من الفنادق الرائعة والمريحة، والشرحة في القاعات المقنطرة بدقة. ومن الفندق يمكن الوصول سيرا على الأقدام إلى وسط البلدة التاريخي والقديم، الذي يعيد السائح لأجواء القرون الوسطى وعوالم انقضت وأصبحت في ذمة التاريخ.