المصريون يقاومون الحر وغلاء الأسعار بمصيف اليوم الواحد

الإسكندرية ورأس البر والإسماعيلية على رأس القائمة

الإسكندرية تحتل المركز الأول في المدن التي تستقبل مصيفي اليوم الواحد
TT

ما أن يهل فصل الصيف بنسماته، حتى يتردد سؤال واحد في الأسر المصرية، أين سنقضي إجازة الصيف هذا العام؟ ولكن هذا العام الإجابة اختلفت عن الأعوام السابقة، فنظرا لقدوم شهر رمضان المبارك في شهر أغسطس (آب) الحالي، الذي تبلغ فيه درجة الحرارة ذروتها، أصبح موسم التصييف مضغوطا، الأمر الذي أصاب أسعار الوحدات السكنية في المدن الساحلية بارتفاع متزايد، وبما أن الحاجة أم الاختراع، فلم يكن أمام الأسر المصرية المتوسطة، وحتى فوق المتوسطة، سوى اللجوء لمصيف اليوم الواحد.

وأصبح مشهدا مألوفا في شوارع القاهرة أن ترى، في الصباح الباكر، تجمعا من عدة أسر يحملون أمتعة خفيفة يضعونها داخل حافلة سياحية مستأجرة، التي ما تلبث أن تنطلق بهم إلى إحدى المدن الساحلية، وإذا عدت إلى المكان نفسه قبل منتصف الليل بساعة ستجد الأشخاص أنفسهم قد عادت بهم الحافلة نفسها بعد أن انتهى «مصيفهم».

وأسهم في انتشار هذه الظاهرة العام الحالي اقتراب الانتخابات البرلمانية المقررة في شهري أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر (تشرين الثاني) المقبلين، الأمر الذي جعل المرشحين في مختلف الدوائر ينظمون رحلات لمدة يوم واحد لإحدى المدن الساحلية بالمجان، لاجتذاب أصوات الناخبين.

وتأتي الإسكندرية على رأس قائمة المدن الساحلية، التي تستقبل رحلات مصيف اليوم الواحد، وتحتل شواطئ ميامي وسيدي بشر وستانلي والمندرة والعصافرة، المراكز الأولى في استقبال تلك الرحلات، فإذا صادف أن مررت بجوار تلك الشواطئ، فربما لن تستطيع أن ترى البحر من شدة الزحام، كما أنك ستجد عددا من الحافلات المتوقفة في أماكن الانتظار بتلك الشواطئ.

وتأتي بعد الإسكندرية، مدن الإسماعيلية ورأس البر وجمصة، نظرا لقربها من القاهرة، بالإضافة إلى رخص أسعار الخدمات بها مقارنة بالإسكندرية.

ولم يعد تنظيم مثل هذه الرحلات، مقتصرا على النقابات والأندية والجمعيات الأهلية أو جمعيات المصايف في الوزارات والهيئات الحكومية، مثلما كان الأمر في الأعوام السابقة، إذ أصبح في كل منطقة أشخاص معروفون بتنظيم مثل هذه الرحلات.

ومن هؤلاء الأشخاص «محمد صلاح»، وهو سائق سابق بإحدى الهيئات الحكومية، وبعد خروجه على المعاش المبكر أصبح يعمل سائقا على حافلة في شركة سياحية واعتاد تنظيم مثل هذه الرحلات في حي عابدين بوسط القاهرة.

ويقول صلاح: «الفكرة بدأت عندما أردت أنا ومجموعة من أصدقائي قضاء يوم على الشاطئ بمدينة الإسماعيلية مع أسرنا، فوجدنا أن تكلفة تأجير الحافلة التي أعمل عليها ستكون مرتفعة بالنسبة لنا، إذ ستبلغ 50 جنيها للفرد (نحو عشرة دولارات)، فنشرنا الخبر بين أصدقائنا في المقهى واستطعنا ضم المزيد منهم، وبالتالي قلت التكلفة للفرد الواحد إلى 25 جنيها».

ويضيف صلاح «بعد ذلك طالبني أصدقائي بتنظيم رحلات مشابهة، واشتهرت بتنظيم هذه الرحلات، وبدأت في تنويع المدن، التي أذهب إليها من الإسماعيلية إلى الإسكندرية ورأس البر وجمصة».

ويصف صلاح الإقبال على هذه الرحلات في الصيف الحالي بأنه أزيد من الأعوام السابقة، مبررا ذلك بأن «الظروف السنة دي صعبة، الناس عندها مصاريف رمضان، وبعده على طول مصاريف المدارس، وبالتالي صعب كمان يوفروا مصاريف المصيف».

ويقول صلاح: إن مكسبه المادي من تنظيم هذه الرحلات يكون قليلا، ويتمثل في أنه وأسرته يسافرون مجانا، إلا أن «المكسب الحقيقي هو اللمة والتجمع مع الأهل والأصدقاء».

ويضيف «الناس كلها بتصيف أسبوع أو 10 أيام في السنة، وبيقضوها في مكان واحد، لكن أنا بصيف كل أسبوع، وفي مكان مختلف كمان».

بينما يرى محمد السني، وهو مدير الحملة الانتخابية لأحد المرشحين في الانتخابات البرلمانية المقبلة، أن هذه الرحلات تقدم خدمة جيدة للمواطنين أولا و«تعد مساهمة من المرشح في حل مشكلات المواطنين».

ويقول السني «البعض يعتبرها رشوة انتخابية، لكنها ليست كذلك، فهي وسيلة من وسائل الدعاية الانتخابية المشروعة، لأنه في النهاية، ليس كل من سيستفيد من تلك الرحلات سيعطي صوته للمرشح الذي نظمها، ولكنها خدمة عامة لأهالي الدائرة».

وتتراوح أسعار تأجير الشقق السكنية في المدن الساحلية بين 200 و3000 جنيه (الدولار يعادل 5.7 جنيه) في اليوم الواحد في القرى السياحية بالساحل الشمالي الغربي لمصر، بالإضافة إلى أن معظم الشواطئ أصبح لها رسم دخول، يبدأ من جنيهين في اليوم، مما يعني أن رحلة مصيف لأسرة من أربعة أفراد قد تكلف رب الأسرة مبلغا لن يقل عن 1500 جنيه.

ويقول محمد عبد الفتاح، موظف حكومي ويعول أسرة مكونة من زوجة وولدين، «اضطررت هذا العام للاعتماد على رحلات اليوم الواحد، بسبب ارتفاع الأسعار».

ويوضح أنه اعتاد أن يحجز مصيفا لمدة أسبوع، تنظمه المصلحة الحكومية التي يعمل بها، وعندما وجد أن الرحلة هذا العام زاد سعرها بمقدار الثلث، بسبب ضغط الموسم الصيفي لقدوم شهر رمضان في الصيف، فضل عدم الاشتراك، لتوفير النقود لنفقات دراسة ابنه الأكبر الذي سيؤدي هذا العام امتحان إتمام الدراسة الثانوية.

ويضيف عبد الفتاح «وجدت الحل في رحلات اليوم الواحد، فرسم اشتراكي أنا وزوجتي وأولادي يبلغ 100 جنيه في اليوم، وقررنا القيام برحلتين، واحدة قبل شهر رمضان والأخرى بعده، وبذلك أكون قد رفهت عن أولادي، وفي الوقت نفسه اقتصدت في التكاليف لمواجهة بقية أعباء الحياة».

أما إبراهيم عبد الصمد، وهو موظف بشركة خاصة وأسرته مكونة من خمسة أفراد، وعلى الرغم من أنه يقطن بالإسكندرية، قبلة المصطافين المصريين، فإنه يقول: «ألجأ لرحلات اليوم الواحد لقضاء بعض الوقت على شاطئ البحر في محافظة مطروح، لأن جميع شواطئ الإسكندرية تكون مشغولة بالمصطافين من بقية المحافظات».

ويضيف عبد الصمد «نتحرك في الساعة السادسة صباحا، ونتوجه إلى مدينة مطروح التي تبعد نحو (300 كيلومتر غرب الإسكندرية) لنقضى اليوم على أحد شواطئها قبل أن نتحرك للعودة في العاشرة مساء»، موضحا أن تلك الرحلات، عادة ما تكون يوم الجمعة من كل أسبوع لكونه يوم عطلة أسبوعية.

ويقول الدكتور إسلام حجازي، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، «المصايف، وعلى الرغم من كونها رفاهية للبعض، فإنها مهمة في تجديد النشاط، لذلك تلجأ كل أسرة لما يناسب دخلها».

ويرى أن رحلات اليوم الواحد أسهمت في زيادة السياحة الداخلية، وإنعاش حركة البيع والشراء في المدن الساحلية، التي يعتمد أهلها على أشهر الصيف لكسب رزقهم، مضيفا «لولا رحلات اليوم الواحد، لأضير الكثير من التجار في رزقهم، نظرا لارتفاع الأسعار، وبالتالي عدم قدرة الكثيرين على التوجه للمصيف»، كما أن هذا الحل وفر فرص عمل أسهمت في القضاء على البطالة لدى قطاع من الشباب في المدن الساحلية.

وطالب حجازي بوجود دعم حكومي لهذا النوع من السياحة الداخلية، على أن تستمر طوال العام، وألا تقتصر على المدن الساحلية في فترة الصيف.