جزيرة «سالوجا وغزال».. تدشن سياحة المحميات الطبيعية في صعيد مصر

تشتهر بأشجار «الأراك» وتنوع الحياة البرية

أحد المراكب العاملة في النيل في طريقه للمحمية («الشرق الأوسط»)
TT

من فوق شاطئ مدينة أسوان العريقة وبمركب شراعي تلفحه نسمات الصباح الندية، وبعد نحو 4 ساعات من الرقص فوق صفحة النيل تصل إلى جزيرة «سالوجا وغزال» أحد أهم المحميات السياحية الطبيعية، لتجد أمامك سيارات الدفع الرباعي التي تساعدك على التنقل داخل الجزيرة التي تقع شرق نهر النيل في أقصى جنوب الوادي بمصر، وهناك تبدأ رحلة يمتزج فيها عبق التاريخ بروائح الأساطير.

تستقبلك الجزيرة بمناظرها الطبيعية الخلابة، حيث تجمع بين الغطاء النباتي والمسطح المائي، كما أن تحولها إلى محمية طبيعية يجعلك تسبح في الخيال، فيمكنك أن تتخيل صيادا مصريا قديما يتهادى في قارب من أوراق البردي، أو ترى الزورق الملكي يحمل الملكة «إياح حتب» زوجة «تاعا الثاني» وابنها الشاب أحمس، الذي دفعته على أن يرفع راية العصيان في وجه الغزاة الهكسوس، ويستعيد مجد آبائه، بعد موت زوجها وابنها الأكبر «كامس»، وينتصر أحمس ويطارد فلول الهكسوس إلى البادية، وبعد أن يطمئن إلى أنه قد شتت شملهم، يعود أدراجه إلى موطنه، وتعود معه أمه «إياح حتب» إلى بلاد النوبة موقع محمية «سالوجا وغزال» ليستعيد ملكه وملك آبائه.

على بعد 1300 كيلومتر إلى الجنوب من القاهرة تقع محمية «سالوجا وغزال» أصغر المحميات الطبيعية في مصر، إذ تبلغ مساحتها نصف كيلومتر، وسيارات الدفع الرباعي هي الطريقة الوحيدة للتنقل داخل المحمية، وذلك بعد قطع المسافة من أسوان إلى المحمية بطول 180 كيلومترا عن طريق أحد المراكب النيلية، وبعد الحصول على تصريح خاص من جهاز حرس الحدود بأسوان، الذي يسمح للمصريين والأجانب بزيارة المحمية في أي وقت من العام.

تحولت الجزيرة إلى محمية طبيعية منذ 24 عاما بعد قرار الحكومة المصرية بضمها إلى المحميات الطبيعية في جنوب مصر، وكان الهدف من تحويلها إلى محمية طبيعية الحفاظ على التنوع البيولوجي للحيوانات والنباتات والثدييات المهددة بالانقراض. حيث يوجد بالمحمية 94 نوعا نادرا من النباتات الطبية والعطرية، و60 نوعا من الطيور المقيمة والمهاجرة المهدد بعضها بالانقراض.

وعن أصل تسمية المحمية بهذا الاسم قال المهندس محمود حسيب مدير المحميات بأسوان: «كلمة سالوجا تعني (الشلال) في اللغة النوبية، وغزال تشير إلى انتشار نوع من الغزلان في المنطقة في فترة زمنية سابقة، وقد سميت المحمية بنفس مسمي جزيرة «سالوجا وغزال» إحدى الجزر الموجودة في نهر النيل».

وأكد المهندس حسيب تنوع الكائنات الحيوانية والنباتية في المحمية رغم صغر حجم مساحتها ووجودها في وسط النيل، حيث تمثل أحد المزارات السياحية التي يقبل عليها الأجانب لمشاهدة الحيوانات والنباتات النادرة والتمتع بالمناظر الطبيعية، وتتميز الجزيرة بنسبة زيارات عالية من الأجانب والمصريين في الصيف والشتاء، ويعد «الثعلب الأحمر» من أشهر الحيوانات الموجودة في المحمية، على الرغم من كونه لا يعيش أساسا في جزر المحمية ولكنه يعيش في الضفة الغربية للنيل، ويعبر النهر سباحة ليبني جحرا على جزر المحمية، وقد أتاحت الظروف الطبيعية المتميزة لهذه الجزيرة فرصا لحياة الطيور المقيمة والمهاجرة وقد تم حصر أكثر من 60 نوعا من بينها الطيور النادرة والمهددة بالانقراض على المستوي الدولي، ومن الطيور النادرة «أبو منجل الأسود» الذي اتخذ رمزا للمحمية ومن الطيور المهددة بالانقراض (العقرب النسري ودجاجة الماء الأرغوانية، وطائر الواق، والإوز المصري، والهدهد، والوروار، وعصفور الجنة، والبلبل وغيرها). كما يعيش بها عدد من الطيور المقيمة مثل (الحباري، والصقور، والحجل، والرخمة، والعقاب، والبط، والنعام)، بالإضافة إلى بعض أنواع من الزواحف مثل: الحيات والعقارب، كما تتميز بعدد كبير من اللافقاريات التي يعيش معظمها تحت الشجيرات مثل: النمل والخنافس التي لها دور مهم في التوازن البيئي وخصوبة التربة، بالإضافة إلى 15 نوعا من الثدييات، مثل: الجمال والماعز والحمار البري والغزلان والضباع.

أضاف حسيب أن «الحياة النباتية في المحمية أكثر تنوعا ووضوحا، حيث يوجد أكثر من 94 نوعا مختلفا من النباتات دائمة الخضرة والحولية وبعض هذه النباتات خاص بجزر النيل لا ينبت خارجها، ولعل من أشهر أشجار المحمية شجر السنط (الطلح) الذي يوجد منه بالمحمية خمسة أنواع، واللويث، والطرفة، والهجليج، والكلخ، والحنظل، والسينامكي، والسواك ( الأراك) وغيرها».

وأوضح مدير محميات أسوان أن المحمية تتميز بأنها منطقة خصبة للبحوث العلمية الأساسية وبخاصة تلك المتعلقة بدراسات الجيولوجيا والحيوان والنبات، وأعلنت «سالوجا وغزال» كمحمية ومحيط حيوي عام 1993 من برنامج الإنسان والمحيط الحيوي بهيئة اليونيسكو في العاصمة الفرنسية باريس، وذلك للحفاظ على الحياة البرية والمصادر الوراثية والتأكيد على التنمية المتواصلة المبنية على أسس بيئية.

وأشار حسيب إلى أن «الهدف الأساسي من إقامة المحمية هو تشجيع سياحة المحميات الطبيعية في مصر، والانتفاع من الموارد الطبيعية الموجودة بأرض الجزيرة بطريقه مقننة، وتوفير الحماية للطيور المهددة بالانقراض، وحماية نباتات المنطقة والعمل على استقرارها وزيادة إنتاجها، وزراعة النباتات ذات الأهمية الاقتصادية في مواطن مناسبة بيئيا لضمان دوامها واستقرارها وزيادة إنتاجها، وزراعة شتلات لنباتات اختفت من الجزء السفلي بالوادي، مثل نبات (الهجليج) الذي تمت زراعته في صوبات وتوزيعه على قبائل البدو الذين يسكنون في المحمية في صورة شتلات لزراعتها في مناطق وجودهم مما يتيح فرصة إعادة انتشار هذا النبات بالمنطقة. بالإضافة إلى نشر الوعي البيئي بين قبائل البدو وعمل حملات توعية وإرشادهم إلى النباتات التي يمكن أن تستغل بشكل معقول، وإتاحة الفرصة لنباتات قليلة الوجود إلى الانتشار. وقامت المحمية بالإشراف على مزارع صغيرة تضم نباتات تستخدم كعلف، مثل الذرة وغيرها وذلك لتغطية جزء من احتياجات البدو وتقليل الضغط على النباتات الطبيعية، وكذا نبات (الأراك) الذي يستخدم كسواك وعلاج للكثير من أمراض الفم واللثة، وكذلك نبات (الحرجل) وهو من النباتات الطبية الشهيرة بأسوان ويوجد بشكل كبير في وادي (حريجل) ومناطق أخرى من الوادي».