قلعة دمشق المدللة جارة أسواق الحميدية تعبق بالتراث والتاريخ

أزقة المدينة الأثرية تدلك على بابها

تشتهر القلعة بأنها تقع في وسط المدينة («الشرق الأوسط»)
TT

الوقت ظهيرة يوم من شهر أكتوبر (تشرين الأول)، الطقس كان ما زال مشمسا ودافئا في دمشق، رغم ظهور علامات الخريف على أشجار العاصمة السورية وفي سمائها التي تخفي زرقتها بين الفينة والأخرى غيمة عابرة تحجب الشمس لبرهة من الزمن، ولكنه فصل الخريف بكل مفرداته الجميلة والحزينة أحيانا من اصفرار أوراق الأشجار وتساقطها إلى نسمات باردة رطبة تدغدغ الوجوه البشرية في مسارها اليومي على الأرصفة وفي الشوارع، إنه الفصل الذي دخل في قاموس وأدبيات السياحة ومفرداتها على أنه فصل مجيء السياح الغربيين إلى دمشق فهؤلاء وبعكس السياح العرب الذين يعشقون صيف دمشق، فإنك تراهم يتجولون بين أزقة دمشق القديمة وأسواقها في أشهر الخريف، محاولين استثمار كل ساعة من يوم دمشق الطويل في الاطلاع على كل زاوية ومكان تاريخي وتراثي فيها.. ولكن وحدها قلعة المدينة الضخمة ما زالت تتدلل على هؤلاء، فهي ومنذ سنوات، تخضع لأكبر عملية تجميل في تاريخها الممتد منذ مئات السنين، ولتستقبلهم بعد ذلك وبعد إنجاز أعمال الترميم وهي في أحلى وأجمل وأبهى صورة لها، ولكن ماذا تفعل والسياح يستعجلون زيارتها والتجول في بين أوابدها. سائحان غربيان دخلا القلعة من بابها الضخم ويبدوان أنهما يقضيان شهر العسل في دمشق، جذبتهما القلعة فدخلاها ووقفا أمام مخطط كبير ومجسم يشرح كل شيء عنها، اقترب منهما موظف الاستعلامات وكلمهما بالإنجليزية، أن القلعة ما زالت في مراحل الترميم ولكن لا بأس يمكنكما مشاهدة مبانيها من الخارج، مشاهدة ساحتها الواسعة في الأرض الترابية، حيث لم تنجز بعد كل مسارات الزيارة للسياح، وفيما كان السائحان والبسمة تغمر وجهيهما، حيث ينظران باندهاش لمعالم القلعة وباحتها الضخمة، التفت الموظف نحوي قائلا: «يا أخي، السياح يأتوننا بكثرة مستعجلين زيارة القلعة مع أن أعمال الترميم ما زالت متواصلة فيها بشكل واسع». وأجيبه يبدو أنه ليس السياح وحدهم يستعجلون زيارتها، بل إن الفنانين والرسامين والنحاتين جعلوها مقصدهم ليقيموا فيها حفلاتهم الفنية، ألم يفعلها زياد الرحباني قبل سنتين وفعلها كذلك مارسيل خليفة بحفلتين في شهر أغسطس (آب) 2010 وفعلتها فرق غنائية وموسيقية شهيرة من الغرب والشرق، وألا تشاهد ملتقيات النحت الدولية والفنون التشكيلية تتواصل باستمرار في ساحات ومباني القلعة.

القلعة فريدة بموقعها على سطح الأرض: الحق مع السياح والفنانين والناس جميعا في الاستعجال، يعلق مرافقي في جولتنا بالقلعة «وبالفعل معهم كل الحق في ذلك، فقلعة دمشق التي تتوسط المدينة تتمتع بمفردات ومزايا نادرة قلما تجدها في قلاع تاريخية أخرى ولعل أبرزها أنها من بين كل قلاع وحصون العالم الأثرية بنيت على سطح الأرض المستوي وليس على مرتفع منها على تلة أو هضبة أو جبل، والميزة الأخرى أنها تربض بكل شموخ وكبرياء العمارة التقليدية الرائعة في المنتصف». أما المدينة القديمة فعند جدرانها الشاهقة تنتهي الأسوار العملاقة بحجارتها الضخمة وعلى جانبها تتكئ سوق الحميدية الشهيرة، حيث يبدأ منها التجول في الأسواق القديمة ومن جوارها يعبر نهر بردي الخالد وتمتد حارات وأزقة ودروب ضيقة تهب المتجول فيها حميمة ودفء التاريخ وعبق التراث الدمشقي، في حين من أمامها تنطلق شوارع دمشق الأحدث ومبانيها التي ظهرت في أواخر القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين الماضي من شارع النصر الذي يبدأ منها لينتهي عند مبنى محطة الحجاز وشارع الثورة وجسره الشهير وشارع الدرويشية الأقدم وغيرها، ولذلك فالسائح القادم لدمشق والراغب في التجول بين معالم المدينة القديمة ستظهر له القلعة مباشرة من بابها الرئيسي المغلق مؤقتا حاليا بسبب أعمال الترميم، وهو المدخل الضخم المجاور لسوق الحميدية ولنصب صلاح الدين الأيوبي الكبير الرابض على الرصيف المجاور، في حين يدخل إليها حاليا من بابها الشمالي الذي يجاور سوق العصرونية ويواجه سوق السروجية ويجاور حارة الكلاسة القديمة، ولذلك فالوصول للقلعة سهل للسياح، إن كان من المدينة القديمة وبعد أن ينهي زيارته في مناطقها يمكنه أن يأتي للقلعة أو يمكنه أن يبدأ بها زيارة المدينة القديمة إذا رغب في ذلك وكان قادما من المناطق الأحدث كساحة المرجة والقنوات وساروجة وبوابة الصالحية فيزور القلعة ويشاهد ساحتها ومبانيها من الخارج لينطلق بعدها نحو الحارات القديمة.

ماذا يمكن للسائح زيارته في القلعة حاليا؟سؤال وجهناه لأحمد البوش، معاون مدير مشروع ترميم قلعة دمشق الذي أجاب «الشرق الأوسط» قائلا: لقد قمنا بتهيئة القسم الأكبر من مركز الزوار، الذي سيفتتح قبل نهاية العام الحالي 2010، حيث يقوم السائح الزائر للقلعة بالدخول له ليشاهد معروضات لأهم اللقى الأثرية التي اكتشفت في القلعة أثناء عمليات التنقيب والدراسات، وفي المركز سيحصل السائح على أهم المعلومات عن القلعة قبل أن يبدأ بالتجوال فيها، كما سيطلع في المركز على ماكيت يجسد كل أقسام القلعة وبعد ذلك ينطلق ليقوم بزيارة المتحف والمسار الأول من مركز الزوار باتجاه ما يسمى (بدنة قلاوون)، حيث يمكن أن تكون متحفا لتطور مدينة دمشق القديمة عبر التاريخ ومن ثم ينتقل نحو قاعة العرش أو القاعة الأيوبية وهي أيضا متحفية لم تتبلور وظيفتها بعد، ومنها ينطلق نحو البدنة الشمالية وهي حاليا تضم معرضا للوحات فسيفساء تم ترميمها ضمن المشروع السوري الإيطالي وينهي زيارته في الجزء الأول من المسار الأول الجاهز تقريبا لاستقبال السياح، وفي السنتين المقبلتين يمكن للسائح أن يزور الجزء الثاني من المسار الأول ويتضمن قاعات متحفية جديدة، كذلك يمكن للسائح حاليا أن يشاهد نماذج ضخمة لمنجنيق دفاعي كان يستخدم في أيام صلاح الدين الأيوبي، حيث كان يوضع على أبراج القلعة للدفاع عنها تم تصنيعه بعد دراسات معمقة من قبل خبراء أجانب وهو موجود في الساحة الداخلية للقلعة. كذلك يمكن للسائح أن يتجول في ساحة القلعة ويطلع على الجهة الجنوبية الشرقية منها، حيث توجد أعمال الحفريات والتنقيب ويمكنه أن يحضر نشاطات ثقافية وفنية ومعارض ومهرجانات تقام باستمرار في ساحة القلعة الرئيسية وضمن الفراغ الذي جهز قبل في عام 2006 في الجزء الشرقي الغربي منها تقام فيه معارض فنية، وفي القلعة أيضا مخبر لترميم لوحات الفسيفساء يعمل على تأهيل وتدريب الكوادر الأثرية المكتشفة في كل أنحاء سورية وترميمها وعرضها فيما بعد في متاحف المدن السورية، وفي المرحلة الحالية حاولنا وبالتعاون مع الإيطاليين أن نهيئ أمام السياح والزوار الجزء الأول من مسار الحركة المتحفية وضمت الأعمال، تدعيم البناء من خلال إزالة الكحلة القديمة وإعادة التكحيل والتدعيم بواسطة شدادات وتعويض المفقود من الأحجار وتأهيل الفراغات كقاعات المعرض وذلك في ثلاثة أماكن وهي برج الزاوية الشمالية الغربية والشمالية الشرقية والترميم شمل نظام التكييف من تبريد وتدفئة بنظام تحت الأرض وتجهيز نظام إنارة، إضافة لأرضيات تتوافق مع الغرض المنشود من العرض المتحفي وفي مجال الترميم أيضا كان هناك إغلاقات في مجال النوافذ والأبواب وفي قاعة العرش التي تتضمن فتحة قبة وبسبب عدم وجود النموذج الأساسي لهذه القبة تم وضع نموذج معدني قابل للإزالة فيما لو تطلب ذلك. ويشرح أحمد لـ«الشرق الأوسط» أنه خلال السنوات العشر الماضية في القلعة كانت الأعمال تتم بشكل رئيسي في مجال الدراسات والاستكشاف أما أعمال التأهيل فلم تنطلق سوى من سنة ونصف السنة تقريبا وسبق ذلك مشاريع، مثل دراسة اجتماعية اقتصادية لكيفية توظيف القلعة لنعرف كيف سنتدخل مثلا لتوظيف فراغ معين في القلعة ومشروع المخطط التوجيهي للقلعة ومشروع مسح مظاهر التدهور الموجودة في القلعة وبالتالي نتيجة هذه المشاريع كان التوظيف لخدمة المسار المتحفي.

معلومات تهم السائح: يمكن للسائح الآن زيارة القلعة بالتنسيق مع مديرية الآثار السورية العامة ومع إدارة القلعة وفي كل أيام الأسبوع باستثناء يومي الجمعة والسبت، حيث العطلة الأسبوعية ويمكنه حضور الأنشطة الفنية والثقافية التي تقام في ساحتها ويمكنه من خلال الأجندة الثقافية (يوميات ثقافية) التي تطبع شهريا باللغتين العربية والإنجليزية وتوزع عادة في الأماكن الثقافية والسياحية الدمشقية، وأن يطلع على تواريخ إقامة الأنشطة العامة في القلعة، حيث يمكنه حضور مهرجان الجاز الموسيقي الدولي (الجاز يحيا في سوريا) الذي يقام في ساحتها وفي الهواء الطلق سنويا لمدة أسبوع عادة فيما بين 8 و14 يوليو (تموز) من كل عام وتشارك فيه فرق أوروبية ومحلية وفيما يمكنه في عطلات الأعياد أن يحضر أنشطة ترفيهية وفنية في ساحتها موجهة للأطفال وأسرهم ويمكنه أن يتابع وبشكل حي ومباشر، النحاتين من مختلف دول العالم وهم ينحتون الحجر والخشب في ملتقيات داخل القلعة تقام كل عام في شهري يونيو (حزيران) ويوليو أو يشاهد تشكيليين عربا وأجانب في ملتقيات الرسم السنوية التي تقام صيف كل عام في حديقة القلعة وبجوار مبنى معهد الفنون التطبيقية قرب المدخل الشمالي الحالي للقلعة. ويمكنه على أي حال الاطلاع عن كل ما يهمه من معلومات تاريخية وغيرها عن القلعة من خلال زيارة موقع مديرية الآثار السورية على شبكة الإنترنت: http://www.syrianarchaeology.gov.sy