طبيعة خلابة تزين غابة وسهل «القموعة» في جرود عكار اللبنانية

«بارك القموعة» حلم سياحي في طريقه إلى الحقيقة

مشاهد من القموعة في عكار التي يلفها الضباب
TT

لا يمكن لزائر عكار في شمال لبنان إلا أن يتجه في قلب الجبال المكتسية بالاخضرار نحو «القموعة». هناك تتناثر أشجار «اللزاب» والشوح والسنديان بين سهل أخضر فسيح. تشعر أنك خرجت من ضوضاء الأمكنة وانعزلت في قمة مليئة بروعة لا توصف.

لا مكان في لبنان يشبه القموعة بجمالها واتساعها، التي تشكل مساحة لممارسة هواية ركوب الخيل ومكانا مناسبا للتنزه والجلسات العائلية صيفا. وفي الشتاء تكون مرتعا لهواة التزلج والتخييم، حيث تتحول إلى بحيرة جليدية واسعة وتكون جبالها وغابتها مزينة ببياض الثلج.

في الطريق إليها مغامرة «حلوة» لا يمكن أن تختصر سريعا. تجد مشاهد جذابة لأناس طيبين. يستقبلونك بلهفة وحب وكرم. نقف قليلا في بلدة مشمش حيث نتناول رقاقات من الخبز على «التنور» وتودعنا نظرات الأطفال بكثير من العفوية. فيما نشرب القهوة المرّة في أحد منازل بلدة فنيدق المتوجة بجمال باهر، والموزعة فيها بيوت الصوفيين القدماء ومساجدهم ومصلياتهم الصغيرة. يرافقنا في الجولة أحد الأصدقاء، حيث يحلو له أن يردد أغنية لزكي ناصيف. فيما تنشغل صديقتنا زينة بتجهيز «كاميرتها» الصغيرة لتلتقط ما أخبروها عنه هناك. أشجار وحيوانات لا يمكن أن تشاهدها إلا في تلك المنطقة.

نقطع بلدة فنيدق لنصل إلى القموعة. في «السهلة» المليئة بمياه الثلوج التي ذابت سريعا في ذاك الصباح البارد، التقطنا صورا لنا واتفقنا أن نضعها على «فيس بوك». فيما الصقيع يمتد في أجسادنا رغم ثيابنا الشتوية التي ارتديناها تحسبا لطقس بارد. نجلس في مقهى صغير، حيث يسكن رجل وزوجته في بيت ملاصق للمقهى. نجلس قرب «سوبية» حطب تبث حرارة خارجة عن المكان المليء بالبرد. نتلقف الحرارة بشغف. ثم نخرج ونمضي بالمشي على طريق أسفلتي مهمل. فيما ازدحم الطريق بقطيع من الماعز استغل صاحبها اعتدال الطقس وحرارة الشمس ليخرجها للرعي بين الأشجار.

يؤكد ربيع خضر الذي التقينا به قرب نبع ماء، كان يقوم بملء «غالونات» بلاستيكية من مائه للشرب أن «القموعة أجمل ما يمكن لأحد أن يرى». وأضاف أن الناس تأتي إليها من كل بلدان العالم لرؤية «الجنة» على الأرض. يقول عبد الرحمن صلاح الدين، صحافي من بلدة فنيدق، «إن القموعة سميت بذلك لارتفاع قممها ووفرة مياهها، وهذا ما يلائم واقع المنطقة الجغرافي والطبيعي». وأوضح أنها «تبعد 36 كيلومترا عن حلبا مركز القضاء، و61 كيلومترا عن طرابلس، و146 كيلومترا عن العاصمة بيروت. ويمكن الوصول إليها عبر طريق بيروت - طرابلس - برقايل - القموعة. كما تتصل بعكار عبر رحبة وعكار العتيقة والشقدوف وتاشع والقبيات».

وتعمل بلديتا فنيدق والقبيات على استقطاب عروض لتحويل القموعة إلى منطقة سياحية عالميا، من خلال إنشاء مجمع سياحي ضخم، يضم فنادق ومطاعم ومراكز تزلج وأماكن تخييم وتحويل السهلة وغابة «العزر» المجاورة لها إلى متنزه بيئي للمشي والسياحة البيئية. وقد قدمت عروض من قبل جهات فرنسية لتحويل القموعة إلى مكان شبيه بجبال الـلب. وقد زار وفد عكاري ضم النائب خالد زهرمان ورؤساء بلديات فنيدق والقبيات وعكار العتيقة السنة الماضية، بعض المناطق الجبلية في فرنسا، وذلك بهدف عرض مشروع «بارك القموعة» البيئي على المعنيين في الدولة الفرنسية، كما تضمنت الزيارة تفقد «الباركات» في جبال الألب والاطلاع على سير العمل فيها وطرق بنائها وتنظيمها.

والمشروع يهدف إلى إنشاء متنزه وطني في المنطقة تقدر تكلفته بـ71 مليون دولار. ويؤكد أحد المعنيين بشؤون بلدية فنيدق أن «فكرة المتنزه هي فكرة جديدة. تقوم على مبدأ حق الأهالي والسكان باستعمال أراضيهم واستثمارها، لكن ضمن أسلوب ونظام منسجم مع البيئة غير ضار بها، وبهذا يصبح المتنزه محطة جذب سياحي وخاصة في مجال السياحة البيئية التي نبغي من خلالها تحقيق مصادر دخل لسكان المنطقة. وبذلك فهو يشكل تناغما بين رؤية الفاعلين المحليين والفاعلين الوطنيين من جهة ثانية في مشروع متكامل حول التنمية المستدامة».

تتميز القموعة بطبيعة خلابة، وقد حولتها وزارة البيئة إلى محمية طبيعية منذ عام 1995، لما تحتويه من أشجار ونباتات وحيوانات نادرة لا مثيل لها ليس على مستوى لبنان فحسب بل على مستوى المنطقة والعالم. لكن رغم ذلك فهي منسية لا تلقى الرعاية والعناية المطلوبتين. يؤكد محمد زهرمان أحد شباب بلدة فنيدق، أن «القموعة محرومة مثلها مثل بلدات عكار». ويضيف: «لا تقوم الوزارات بأي شيء لتنمية القموعة واستثمار موقعها في السياحة». ورغم كل الإهمال يقوم أهالي بلدة فنيدق بمبادرات فردية تشجعها البلدية بإنشاء مطاعم ومقاه ومركز ألعاب للأطفال وحديقة للحيوانات، تشجيعا للسياحة.

وتتألف القموعة من مجموعة سلاسل جبلية ومنبسط سهلي فسيح تقدر مساحته بـ50 هكتارا يعرف بـ«سهلة القموعة» أو «السهلات». وهي تعلو محور القيطع في عكار، وتتدرج في الارتفاع عن سطح البحر من 1400 متر حتى 1755 مترا عند السهلات وتصل أعلى نقطة فيها إلى 2250 مترا. تتكامل هذه المنطقة مع كرم شباط في القبيات، ليشكلا معا الحد الطبيعي الفاصل بين الشمال والبقاع على حدود قضاءي عكار والهرمل. وتتميز بمناخها المعتدل صيفا وبثلوجها شتاء، إذ تتحول السهلة إلى بحيرة طبيعية تنعكس فيها صورة الجبال المحيطة، مما يضفي على الموقع سحرا مميزا.