«أودايبور».. فينيسيا الهند

مدينة تفتخر بقصر «تاج ليك» المغلف بالرومانسية

«تاج ليك« عنوان الرومانسية في الهند
TT

تسمى مدينة أودايبور في ولاية راجستان الغربية في الهند «فينيسيا الشرق» وأطلق عليها مدينة البحيرة وتفتخر بقصر «تاج ليك»، الذي يعد رمز الفخامة الهندية وهو مغطى بالرخام الأبيض العائم على بحيرة بيكولا الصناعية. ربما يعد هذا القصر القديم الذي يعود تاريخ تشييده إلى 250 عاما مضت من أكثر الفنادق رومانسية في العالم، حيث يقدم لنزلائه مزيجا نادرا من السكينة والرخاء. هذا الفندق العائم هو حلم من الرخام الأبيض والفسيفساء المتلألئة في ضوء القمر ويذكرنا بتاج محل، الذي يعد أجمل الأماكن السياحية في العالم.

وقد بني هذا القصر المغلف بالرومانسية من عام 1743 إلى عام 1746 بأمر من مهارانا جاغات سينغ الثاني، الملك الثاني والستين من الأسرة الحاكمة لميوار، أقدم الأسر الحاكمة في العالم حيث يرجع تاريخها إلى عام 566 رغم أن لقب مهارانا صار مستخدما منذ القرن الرابع عشر. وكان يستخدم القصر الواقع في ولاية راجستان الغربية كقصر ملكي في فصل الصيف وكان يطلق عليه في البداية اسم «جا نواز» أو «جان نواز» على اسم مؤسسه. لقد كان المهارانا، حاكم جايبور من 1628 إلى 1654 ودودا مع إمبراطور المغول شاه جهان وحث صانعيه على محاكاة بعض جوانب العظمة من تاج محل الشهير. ويغطي أرضية القصر الرخام الأبيض والأسود والجدران مزينة بكوات وقطع من الأحجار الملونة المختلفة يشبه طرازها تاج محل في أكرة رغم أن الأشكال هندوسية والقبة ذات جمال متفرد. ويعد كل من عرش شاه جهان المنحوت من كتلة واحدة أفعوانية الشكل والجامع الصغير مخصصا لكابوريا بابا، أحد رجال الدين المسلمين، من الأشياء المثيرة للاهتمام على تلك الجزيرة. واستخدم الحكام التالين القصر ذا الجو المعتدل كمصيف، فضلا عن إقامتهم لجلساتهم الملكية في أفنيته التي تصطف الأعمدة على جانبيها وحيث الشرفات ذات الأعمدة والنافورات والحدائق. ويعد قصر «أودايبور ليك» بحق إحدى عجائب ولاية راجستان. وتم تأسيس هذا القصر الذي من أفخم الفنادق وأكثرها شهرة في الهند على مساحة 4 فدادين من الصخر.

وعلى خلفية من سلسلة جبال أرفالي، نرى مشهدا من الرخام الأبيض يرتفع من قلب مياه البحيرة الفيروزية اللون. وقد حلت شخصيات بارزة ضيوفا على هذا القصر ومنهم الملكة إليزابيث الثانية وجاكلين كيندي وشاه إيران وملك نيبال. وقد جذب غموض وجمال قصر «تاج ليك» الكثير من صناع الأفلام، حيث تم تصوير بعض أفلام السينما الأميركية فيه مثل «أوكتوبوسي» و«هيت أند داست». ويجعل الخدم الملكيين، الذي يتحدرون من أصول ملاك القصر الأصليين، النزلاء يشعرون بالعظمة وروح الملكية.

خلال الثورة الهندية الشهيرة ضد البريطانيين عام 1857، استخدمت الكثير من العائلات الأوروبية هذه الجزيرة كملجأ وفره لهم الحاكم المهارانا سواروب سينغ. وقد دمرت أسرة الرانا المالكة كل القوارب في المدينة حتى لا يستطيع الثوار الوصول إلى الجزيرة وذلك من أجل حماية الضيوف.

وأثناء النصف الثاني من القرن التاسع عشر فعل الزمن فعلته بهذا القصر الفريد، حيث يصف الكاتب الفرنسي، بيير لوتي، القصر بأنه «بلي ببطء بسبب البحيرة». ويصف جافري كيندال، الممثل المسرحي الشهير، القصر خلال زيارته في الخمسينات بأنه «مهجور تماما ولا يقطع السكون سوى أصوات الناموس». وتولت مجموعة «تاج هوتيل ريزورتس أند بلاساز» إدارة الفندق عام 1971 وزادت عدد الغرف إلى 75. وفي عام 2000 تمت ثاني عملية ترميم.

أصبحت الهند جمهورية عام 1951 وتم القضاء على كل الإمارات. ومنعت الحكومة الهندية المخصصات المرتفعة التي تدفع للحكام في الستينات وبحث الجميع عن مصادر أخرى للدخل. وكان مهارانا باهغوات سينغ، حاكم أودايبور آنذاك، من الحكمة بحيث أدرك أن الطريقة الوحيدة لحماية ممتلكاته هي تحويل قصر «جاغ نيواس» إلى أفخم فندق في أودايبور. وتم الاستعانة بالفنان الأميركي، ديدي كونتراكتور، كمستشار تصميمات في هذا المشروع. وتقدم أقوال ديدي نظرة على حياة ومسؤوليات الحاكم الجديد لأودايبور، حيث يوضح قائلا: «لقد عملت من عام 1961 إلى عام 1969 ويا لها من مغامرة. لقد كان سموه ملكا حقيقيا كما ينبغي أن يكون الملك. لقد كانت تجربة تشبه العودة بالزمن إلى الوراء لرؤية حقبة مغايرة تماما وعالم مختلف كل الاختلاف. لقد كان يعيش سموه على الكفاف وكان منزعجا بأمر الثلاثمائة راقصة اللاتي كن ملك سلفه المهارانا بهوبال سينغ. لقد حاول أن يقدم لهم منحا دراسية ليصبحن ممرضات، لكنهن لم يرغبن في مغادرة القصر فما الذي يستطيع أن يفعله سوى الإبقاء عليهن».

ويوجد خلف القصر جزيرة صغيرة تفخر بأن عليها قصرا يسمى «أرسي فيلاس» الذي شيده أحد الحكام العظماء لمدينة أودايبور حتى يستمتع بمشهد غروب الشمس على البحيرة. ويعد هذا القصر مخلا تجمع أنواعا متنوعة من الطيور منها البط منفوش الشعر وطائر الغرة والبلشون الأبيض وطائر الخرشنة والغاق والرفراف. أكثر ما في الأمر إثارة هو أن هناك مكانا في القصر يستخدم كثيرا كمهبط طائرات. ويلفك القصر بسحره في أمسية رومانسية، حيث لا يتطلب الابتعاد عن صخب البشر إلى عالم آخر سوى رحلة قصيرة بالقارب. وتعد هذه الرحلة من المكان الرئيسي التي يوفرها الفندق نقطة انطلاق على درب الفخامة.

وتجف بحيرة بيكولا خلال فترات الجفاف، لدرجة أن الجمال كانت تستخدم لنقل نزلاء الفندق من اليابسة إلى القصر منذ بضع سنوات. كل تفصيلة صغيرة في القصر تخطف الأنفاس، حيث ينتقل ناظرك من جمال إلى آخر من سميترية بركة الزنابق الصافية وشرفات ومطلات وحدائق وممرات. ويمنح الفندق النزلاء فرصة إلقاء نظرة فريدة على نمط حياة الطبقة الأرستقراطية. ويذهب بهاء الأماكن المظللة والقباب المزخرفة والمرايا المتعددة والقصور المزدانة بمسامير الزينة والديكور الداخلي المذهب بالعقل. وتوضح مجموعة من أحد عشر قصرا أغلبها مزين بالفسيفساء والزجاج وقطع القرميد الفريدة ولوحات الثراء التي كان يتمتع بها حكام مدينة البحيرات الجميلة.

وخلال زيارتي للفندق القصر، وكان يبدو على المجموعة الروسية التي تسير ورائي عدم الخبرة، حيث كانوا يتحدثون بحماس بلغتهم ويشيرون إلى الحمام الذي يقف على الكورنيش المزين للفناء. وكان السياح القادمون من مختلف البلاد يندمجون مع بعضهم ويديمون النظر في الأفق الرائع الممتد أمامهم. وكانوا من يقفون في الشرفات ويلتقطون صورا فوتوغرافية لمشهد البحيرة الأخاذ. ويبدو أنه يمكن رؤية بحيرة بيكولا من جميع الأبراج والشرفات. ومأخوذا بجمال القصر، بدأت أمشي الهوينى في الشرفات التي تضم أعمدة طويلة تحيط بها نافورات مما يمثل صورة رومانسية بديعة وهو ما يجعلنا نفهم السبب الذي دفع الحكام إلى تشييد هذا المكان بمنأى عن صخب القصر الرئيسي. إنه مقر للسلام شيد على جزيرة ففتحت حقيبتي وأعددت كوبا من الشاي في هذه الأجواء الهادئة. وتجعل الأماكن الظليلة من الرخام والفيلة المنحوتة من الرخام وبرك اللوتس والنافورات المنحوتة والتماثيل الفريدة المكان شرنقة من المتعة. وبدأت أشعر وأنا أمشي بين المروج الخضراء مثل ملكة وتذكرت الفيلم الهندي «ميرا سايا» «ظلي».

مما لا شك فيه أن هذه الفخامة تمزج الثراء التقليدي بالخدمة العصرية الـ5 نجوم التي قد يرغب فيها المسافر. احجز غرفة من الغرف الثلاث والثمانين التي تشمل 17 جناحا واستمتع بالفخامة الملكية التي يحيطها دفء الضيافة الملكية. عند النظر إلى هذه الديكورات الداخلية التي تخطف الأضواء والقوالب ذات النحت الغائر وأعمال الزجاج الزخرفية واللوحات الصغيرة المعلقة على الجدران ستنتقل على الفور إلى عالم يضم عظمة راجستان. تتسم الكثير من الأجنحة الكبيرة بسمات فريدة مثل الجاكوزي والحمامات ذات النوافذ المصنوعة من الزجاج الذي يعكس الإضاءة وكبائن الاستحمام مما يوفر الراحة الفخمة والتصميم المستوحى من حياة الأمراء. عند النظر إلى الثريات الكريستال المتدلية من السقف المرتفع، ستتساءل عن كيفية ترتيب هذه الأعمال الفنية الأصلية. يصبح المكان أكثر هدوءا عند حلول الظلام ويضاء القصر بآلاف الأنوار بحيث يبدو كقلادة من الماس المتلألئ بينما تسير بين الحدائق المورقة مستمتعا بالروائح الأخاذة التي مصدرها حفلات الشواء.

ويعد تناول العشاء في القصر متعة، حيث يفخر مطعم «نيل كمال» المطل على بركة الزنابق طبق كاري البتلو الحار الذي يسمى «لال ماس» وهو الذي لا ينبغي أن يتذوقه سوى الذين يتمتعون بمعدة فولاذية. رغم أنني نباتية، عرفت شهرته بذلك من خلال أحد أصدقائي. وكثيرا ما يقدم مع خبز فولكا الهندي الشهير الذي يعلو ويصبح مثل الكرة بمجرد دخوله النار. من أروع التجارب الخاصة بفن الطهي ركوب قارب والإبحار به في البحيرة عند الغروب بينما يظل العاملون متجهين من وإلى الفندق لتقديم أصناف الطعام والشراب في الوقت الذي تتناول فيه العشاء بهدوء. لا تنس التقاط صور فوتوغرافية لتغير الألوان مع الغروب بل ويمكنك إرسال تلك الصور إلى الجمعية الجغرافية الوطنية فربما تحصل على جائزة أفضل صورة.

كيف تصل إلى هناك؟ يمكن الذهاب إلى أودايبور جوا أو بالقطار أو بالسيارة، حيث يقع مطار مهارانا براتاب على بعد 22 كيلومترا من المدينة. كذلك يمكنك القيام برحلة ملكية إلى مدينة أودايبور بقطار فاخر مثل «مهراجا إكسبريس» و«بالاس أون ويلس». ما زالت المدينة المسورة القديمة ذات الـ5 أبواب الرئيسية تتمتع بروح مميزة وهو ما تفتقده الكثير من المدن الهندية الأخرى التي دمرتها العشوائية العمرانية العصرية.