«العيون الكبريتية» بجنوب سيناء تروج لسياحة الاستشفاء

أشهرها «حمام فرعون» و«عيون موسى»

السياحة العلاجية مقصد الباحثين عن صحة افضل
TT

تعتبر «العيون الكبريتية» من أهم ملامح جنوب سيناء السياحية، ولشهرتها العالمية في الاستشفاء وعلاج الكثير من الأمراض أصبحت تجتذب على مدار العام الآلاف من السياح العرب والأجانب والمصريين. وأصبح معتادا أن يستلقي العشرات من هؤلاء تحت رذاذ أبخرة الكبريت المتصاعدة من داخل العيون، والتمتع بمياهها الدافئة المندفعة من باطن الأرض، التي تحتوي مواد كبريتية لها القدرة على علاج الأمراض الروماتيزمية، لتكون بذلك أحد أهم روافد السياحة العلاجية في مصر.

تتركز هذه العيون في الجزء الجنوبي الغربي من سيناء، حيث توجد على الضفة الشرقية لخليج السويس، خاصة في منطقة حمامات فرعون وعيون موسى وعين تراقي، كما تنتشر الكثير من العيون والينابيع أيضا في الجزء الأوسط من سيناء وهو «سدر الحيطان»، إلى جانب بعض الينابيع في منطقة خليج العقبة.

ويقول علماء الجيولوجيا: إن حمام فرعون هو الأول بين العيون والآبار والينابيع المصرية، لاحتوائه على عناصر الكالسيوم والصوديوم والبوتاسيوم والسليكون والأملاح المذابة.

فعلى جانبي حمام فرعون، يألف الزائر له انتشار العشرات من مرضى التهاب العظام والأمراض الجلدية، وقد اتشحت أجسادهم بطبقات من الطين الكبريتي لفترة، يتم بعدها الاغتسال في العين التي تتراوح درجة حرارة المياه المتدفقة منها بين 59 و90 درجة مئوية.

يقول عبد الرحيم ريحان، المدير العام بمنطقة آثار جنوب سيناء: إن جبل حمام فرعون يبعد 240 كيلومترا عن القاهرة، ويخرج من سفحه نبع كبريتي يطلق عليه حمام فرعون، درجة حرارته 57 درجة مئوية، وفم النبع الكبريتي تسيل ماؤه للبحر، وتقع قرب منحدر الجبل مغارة كبيرة تتصل بمجرى النبع في بطن الجبل؛ حيث ينزل الطالبون للاستشفاء في البحر بعيدا عن فم النبع تجنبا لحرارته ثم يقتربون من النبع تدريجيا حتى يصلوه ليصعدوا للمغارة ويناموا فيها إلى أن تبرد أجسامهم، واسم هذا الحمام ارتبط في الروايات المتواترة بغرق فرعون.

وعلى بعد 30 كيلومترا من نفق الشهيد أحمد حمدي يتوافد يوميا المئات من راغبي الاستشفاء؛ حيث تتدفق مجموعة من العيون الكبريتية تتراوح درجة حرارتها بين 35 و40 درجة مئوية يطلق عليها عيون موسى، ولهذا المكان مكانة دينية؛ لاعتباره المكان الذي عبر منه سيدنا موسى - عليه السلام - هربا من فرعون وانفجرت في المنطقة 12 عينا كآية من آيات الله - سبحانه وتعالى.

ويقول ريحان: إن العيون التي تفجرت لنبي الله موسى – عليه السلام - وقومه أثناء خروجهم من مصر عبر سيناء استمر جريانها في المنطقة، فأنبتت النباتات والنخيل، ولقد أثبتت الدراسات الحديثة أن المنطقة، من مدينة السويس حتى عيون موسى، هي منطقة قاحلة جدا وجافة، مما يؤكد أن بني إسرائيل استبد بهم العطش بعد مرورهم هذه المنطقة كلها حتى تفجرت هذه العيون، والمنطقة الآن بها 4 عيون واضحة.

وينصح الأطباء مرضى التهاب العظام المفصلي المزمن والتهاب العظام الروماتيزمي والالتهاب الليفي والعضلي والنقرس المزمن والشلل بأنواعه والروماتويد والالتهاب العصبي واسترخاء العضلات والأمراض العصبية الوظيفية وأمراض الجهاز التنفسي مثل الجيوب الأنفية والربو الشعبي والنزلات الشعبية والأمراض الجلدية مثل الجرب والتنية والصدفية والإكزيما المزمنة وحب الشباب وغيرها بالنزول في المياه الكبريتية والاستشفاء بالطمي الكبريتي المترسب حول الينابيع لعلاج هذه الأمراض.

إحدى المريضات المصريات، وتدعى سهام فرغلي، 55 عاما، توضح أنها مصابة بالتهاب في المفاصل وأن طبيب العظام نصحها بالاستحمام في عيون حمام فرعون حتى يمكنها الاستشفاء به. وتضيف أنها أتت للعين الكبريتية بعدما سمعت من أقرباء لها عن فعالية الاستشفاء بها، موضحة أنها شعرت بالراحة بعد أول مرة، لكن الطبيب طالبها بالمواظبة حتى تستشعر بتأثير العلاج.

وتقول دراسات أُجريت بمعهد سيناء العالي للسياحة والفنادق عن العيون الكبريتية في سيناء: إن أفضل وقت لاستخدام العين والاستمتاع بها قبل غياب الشمس بقليل وقبل شروق الشمس أيضا بقليل، بينما ينصح بعدم التعرض للشمس كثيرا أثناء السباحة في العين.

وعند البدء في نزول الماء يبدأ السائح أو المريض بالنزول في المياه الدافئة ثم يمشي في اتجاه مصدر المياه فستزداد حرارة الماء تدريجيا، وكلما زادت حرارة الماء زاد وجه الاستفادة منها، وبعد قضاء نحو 20 دقيقة على الأقل يخرج السائح ليبدأ في عمل حمام طين كبريتي على جسده أو المنطقة المصابة من الجسد المراد علاجها، ثم ينتظر حتى يجف الطين الكبريتي وتتبخر المياه الموجودة فيه كلها، وعند ذلك يشعر بأن بشرته مشدودة جدا ثم يقوم بالنزول في العين للاغتسال من الكبريت ويكون نزول الماء بالطريقة نفسها المشار إليها أولا، ويعاد تكرار هذا على حسب الحالة المرضية أو مدة الإقامة.

ويلزم أخذ حمام ساخن بعد حمام المياه الكبريتية حتى تتفتح المسام وتتبدد الرائحة الكريهة للكبريت، ومن الطبيعي أن يشعر الإنسان بثقل في بدنه بعد الحمام الكبريتي؛ لأن الاستحمام في عين كبريتية حرارية يلقي بعبء شديد على القلب وعلى الدورة الدموية، لذلك يوصي الأطباء بأخذ قسط طويل من الراحة بعد ذلك.

بينما يقول الشاب محمد عتمان، 27 عاما، إنه ذهب مؤخرا مع صديق له يعاني الروماتويد إلى حمام فرعون بعدما نصحه الأطباء بالاستشفاء؛ حيث تم عمل جلسات له بالرمال الساخنة ودفنه بها لبعض الوقت كما قام بدهان أطرافه بمادة طينية لزجة والاستحمام في العين الساخنة.

وفي أبحاث ألمانية قام بها المركز الألماني للروماتيزم أكدت أن الحمامات الكبريتية الحرارية مناسبة تماما لعلاج أمراض الجهاز العضلي الهيكلي والأمراض الروماتيزمية والجلدية، وأن الاستحمام بمياه العيون الكبريتية يعمل على استرخاء العضلات في كل أجزاء الجسم وتصبح الأنسجة الرابطة في الجسم أكثر مرونة وتتسع الأوعية الدموية وتزيد نبضات القلب وعملية التمثيل الغذائي (الأيض).

وتؤكد هذه الدارسة أن نجاحا جيدا للغاية قد تم مع المرضى المصابين بأمراض تآكل المفاصل والعمود الفقري وبينها مشكلات الانزلاق الغضروفي (الديسك) ومرض بختيريف (التهاب الفقرات الروماتويدي) وأمراض الالتهابات الروماتزمية وآلام العضلات، إضافة إلى ذلك تتم الاستفادة من الحمامات الكبريتية الحرارية بنجاح في علاج الإكزيما والالتهاب الجلدي العصبي، ويوصى عموما بالحمامات الكبريتية كجزء من زيارة المنتجع الصحي.

محمد هشام، مسؤول بإحدى شركات تنظيم الرحلات السياحية بمدينة الإسماعيلية، يوضح أن رحلات كثيرة يتم تنظيمها طوال العام إلى حمام فرعون وعيون موسى للاستشفاء بالمياه الكبريتية، ويؤكد اعتدال المناخ على مدار العام، مشيرا إلى أن المساحات الشاسعة من الرمال الدافئة يستخدمها المرضى في العلاج الطبيعي وتحيط بالمنطقة سلسلة من الجبال تضفي على المكان روعة.

وبحسب أحمد دردير، طالب بمعهد سيناء العالي للسياحة والفنادق، يوجد على بعد 9 كيلومترات من مدينة راس سدر منطقة رائعة وسط الصحراء القاحلة تسمى (وادي عسل) لا يعرفها سوى سكان راس سدر وما حولها، الذين يستهويهم الذهاب بالسيارات إلى قلب الصحراء للاستحمام فيها مع افتقار المنطقة للخدمات وثرائها بالطبيعة التي منحها الله إياها. ويضيف دردير: تبلغ درجة حرارة مياهها الكبريتية 200 درجة مئوية تندفع من باطن الأرض في حالة فوران وبخار الماء المحمل برائحة الكبريت، وتسير المياه بعد خروجها في قناة حفرتها لنفسها طولها 100 متر حتى تستقر في منخفض عمقه نحو مترين ومساحته لا تقل عن 150 مترا مربعا، بما يمثل حمام سباحة طبيعيا درجة حرارته تتدرج من الساخن جدا إلى الساخن إلى الدافئ، وكمية المياه التي تخرج من العين تقدر بـ20 مترا مكعبا من المياه يوميا.

المقومات العلاجية والسياحية البيئية، التي يتمتع بها جنوب سيناء، كانت دافعا للمسؤولين بمحافظة جنوب سيناء إلى إقامة منتجع صحي سياحي تحت مسمى «منتجع حمامات فرعون»، لا يزل تحت الإنشاء، يعتبر الأول والفريد من نوعه في مصر والشرق الأوسط، وهو عبارة عن قرية سياحية ومركز للعلاج البيئي يجمع بين السياحة العلاجية والترفيهية والرياضية.

ويضم إمكانات علاجية متنوعة تشمل العلاج بالتمارين والتدليك والعلاج المائي، كما يتطلع المسؤولون لإقامة منتجعات ومراكز علاجية سياحية وفنادق حول مناطق العيون الكبريتية تشجيعا للسياحة العلاجية بالمنطقة.