مقر هتلر الصيفي

«بيرتشتسغادن» منتجع خجول في أحضان جبال الألب البافارية

تصميم المنتجع على شكل حدوة الحصان.. بركة سباحة دافئة وغرف مطلة على الجبال وبهو عصري وحديث («الشرق الاوسط»)
TT

إذا كنت لم تسمع بمدينة ألمانية في جبال بافاريا تسمى بيرتشتسغادن فلا تقلق، المشكلة ليست في شح المعلومات السياحية والجغرافية لديك، بل إن السبب وراء جهلك لهذه المنطقة الجبلية هو عدم الإفصاح عن ذلك المكان والتحفظ عليه لأسباب كثيرة، منها سياسية ومنها للمحافظة على أعلى نسبة من الخصوصية، فتخيل أن زوار هذا المكان لا يبوحون بزيارتهم له إلى أي كان؛ خوفا على المكان من أن يصبح وجهة معلنة للجميع.

وصلت إلى بيرتشتسغادن عن طريق الصدفة، فبعد زيارة مدينة ميونخ العاصمة البافارية في ألمانيا، أردت اختبار الحياة الجبلية البافارية وأتتني النصيحة من إحدى الصديقات الألمانيات، وكانت بصراحة المرة الأولى التي أسمع بها بمنتجع «إنتركونتننتال بيرتشتسغادن» الذي يبعد عن وسط مدينة ميونخ بنحو الساعتين بالسيارة في حين يمكن الوصول إليه عبر القطار أو عن طريق مدينة سالزبرغ مسقط رأس عراب الموسيقى موزار في النمسا، فبيرتشتسغادن تبعد نحو 20 دقيقة عن سالزبرغ ولا بد من أن تعبر النمسا للوصول إليها.

كالعادة قمت بتجميع المعلومات السياحية اللازمة عن المكان الذي أنوي زيارته، فهذا الأمر يسهل عملية الاستكشاف السياحي وبالأخص إذا كانت الرحلة قصيرة، فكونت فكرة عن المكان، جبال شامخة من بينها ثاني أعلى جبل في ألمانيا، التأثر بالثقافة النمساوية بحكم الموقع الجغرافي، وهذا التأثر واضح من خلال المطبخ وعادات وتقاليد أخرى، كما قمت بزيارة موقع فندق «إنتركونتننتال» ولكن والحق يقال، لم ينصف الموقع الإلكتروني للفندق لا المكان ولا الفندق ذاته، وهذا لأنه من الصعب أن تصف روعة المكان والفندق من خلال بعض الصور التي التقطت معظمها في فصل الصيف، ولكن عند وصولك إلى المنطقة، وتنطلق في رحلة القيادة بين ثنايا الجبال المغطاة بالثلوج وكثافة الأشجار التي تغطي الجبال بالكامل، ترى سورا عملاقا يستقبلك باسم الفندق لترى بعدها مبنى مصمما على شكل حدوة الحصان يطل على أجمل المناظر الطبيعية من جميع زواياه، وتدخل إلى البهو الرئيسي وستكون نيران موقد الخشب في الوسط باستقبالك، سوف تقف حائرا، هل تنظر إلى مكتب الاستقبال أم إلى المنظر الخارجي الذي لا يقف بينك وبينه إلا الجدار الزجاجي؟ هل تحدق في الكتب المتراصة على أرفف المكتبة في البهو أم في الأرضية الخشبية الطبيعية وحجارة البازلت التي تكسو الجدران؟ هل تنظر إلى السقف العالي الذي يبلغ علوه 7 أمتار والطابق العلوي الذي تعرض فيه المنحوتات التي تصنع محليا؟ بالفعل سوف تقف عاجزا عن الكلام لبعض الدقائق لتستطيع أن تسترد أنفاسك التي حبستها تلك المشاهد الرائعة التي تحمل تصميم شركة «كوتشتا» للهندسة، ومقرها ميونخ، التي عملت جاهدة على استعمال كل المواد المحلية التي تعكس روح المنطقة ونفسها.

عندما تختار الغرفة أو الجناح لا تسأل عما إذا كانت مطلة على منظر خلاب، فجميع أركان المنتجع مطلة على مناظر طبيعية ساحرة للجبال والوديان، وبعد جولة استطلاعية سريعة، وبعد رؤية المركز الصحي في المنتجع وبركة السباحة الخارجية، سوف تسرع في العودة إلى الغرفة لتبديل ملابسك لخوض مغامرة السباحة في بركة تبلغ حرارة مياهها 34 درجة مئوية في حين الحرارة الخارجية هي 12 تحت الصفر! من الصعب تصديق الأمر، فبمجرد الاستسلام لمياه البركة الدافئة تنسى برودة الطقس وتنسى مشهد الثلوج التي تغطي حافة البركة، إنها تجربة فريدة من نوعها، ولمحبي زيارة المركز الصحي، لا بد من زيارة السونا البافارية التي تتبدل فيها الأنوار وتقوم حاويات من الحديد بالتحرك بطريقة ميكانيكية ذكية لتسكب الماء في حاويات أخرى تنبعث من خلالها الحرارة، وتوجد أيضا في السبا غرف للسونا مع نوافذ خارجية مطلة على الجبال، وجميع غرف التأمل والاسترخاء تضم أسرّة مائية تعزز فرصة الراحة في ذلك المكان الجميل والهادئ. ويقدم المركز الصحي الكثير من العلاجات الصحية التي تستعمل فيها مساحيق «لا بريري» السويسرية.

وعلى الرغم من الرومانسية العالية التي تتميز بها المنطقة والمنتجع فإنه تم الحرص على تأمين كل وسائل الراحة للعائلات، فداخل الفندق تجد الكثير من النشاطات التي تهم الأطفال، ويمكنهم استخدام بركتي السباحة الداخلية والخارجية يوميا من السابعة صباحا ولغاية السادسة مساء (للأطفال الذين تقل أعمارهم عن 13 عاما). كما تقدم مطاعم الفندق دروسا للطهي للصغار.

في العادة لا يمكث السائح كثيرا في الفندق ويقتصر وجوده فيه للنوم فقط، ولكن حال هذا الفندق يختلف عن غيره، فهو مشروع كامل متكامل، ويشكل العصب الرئيسي في الرحلة، فإذا كنت من محبي التزلج يؤمن المنتجع هذه الفرصة من خلال مصاعد التزلج الكهربائية وتبعد نحو 3 دقائق مشيا على الأقدام، وهي مصممة لتكون مناسبة للمبتدئين، وتجدر الإشارة هنا إلى أن بيرتشتسغادن وجهة الباحثين عن الهدوء والساعين إلى الابتعاد عن وهج الأضواء وتبعاتها كما هو الحال في وجهات المشاهير الشتوية مثل زيرمات وسان موريتز وكران مونتانا السويسرية أو حتى كلوسترز. وإذا كنت تفضل التزحلق على الثلوج من أعلى الجبل إلى أسفله على مزلاج خشبي بإمكانك استعارته من الفندق مجانا، وعند وصولك إلى أسفل القرية ترجع أدراجك عن طريق العربات الكهربائية المعلقة.

ومن النشاطات التي تناسب جميع أفراد العائلة أيضا زيارة منجم الأملاح في بيرتشتسغادن، وهذه الزيارة مميزة جدا لأنها تقدم فكرة واضحة عن تصنيع الملح في تلك المنطقة التي تعتبر الأشهر في ألمانيا والنمسا، وبداخل المنجم تنضم إلى مجموعة زوار وسياح وبرفقة دليل سياحي تنطلق في رحلة ممتعة على متن قطار يقطع جوف الجبال على سكة ضيقة ويأخذك إلى أعماق المنجم ويطلعك على أساليب استخراج الملح عن طريق معدات إلكترونية عملاقة، وألعاب الليزر، ومن بعدها تتزحلق على زلاقة من الخشب، تستغرق الزيارة نحو ساعة ونصف، ويتعين عليك ارتداء لباس عمال المناجم تقدم للزوار ضمن سعر تذكرة الدخول (10 يوروات للشخص)، وعند انتهائك من الرحلة سيكون باستطاعتك شراء الملح وبعض المستحضرات التي تعتمد في تركيبتها على الأملاح في محل بيع التذكارات. يشار إلى أن المنجم «Salt Mine» لا يقتصر استعماله كجاذب سياحي فقط، بل إنه لا يزال يعمل على استخراج الأملاح وتصديرها إلى بلدان أوروبية مجاورة.

ومن الزيارات المهمة أيضا زيارة الغابة على متن عربة تجرها الأحصنة على مزالج تأخذك إلى عمق الغابة في منطقة رامساو، لرؤية الغزلان وهي تتنزه وتأكل، الرحلة تستغرق نحو 20 دقيقة ذهابا و20 دقيقة إيابا ويمكنك المكوث في الغابة لوقت أطول إذا رغبت، شرط التنسيق مع سائق الحنطور وإلا سوف يكون عليك العودة إلى مدخل الغابة مشيا على الأقدام. يمكنك الحجز عن طريق الفندق وتسلم التذاكر من مكتب الاستعلامات عند مدخل الغابة، سعر التذاكر (7 يوروات للكبار و5 يوروات للصغار)، واحرص على ارتداء واقية من البرد بسبب انخفاض درجات الحرارة في الغابة.

ومن الزيارات المثيرة زيارة مقر هيتلر الصيفي «هيتلر بانكر»، ويطلق عليه الألمان اسم «kehlsteinhaus»، ويمكنك زيارة هذا المكان الذي يبعد نحو 5 دقائق مشيا على الأقدام من فندق «إنتركونتننتال»، سعر التذكرة 5 يوروات، ويمكنك الالتحاق بمجموعة من السياح مع مرشد سياحي أو الحصول على سماعات باللغة التي تفضلها للاستماع إلى تاريخ هذا المكان.

وتاريخيا كانت تستمد منطقة بيرتشتسغادن شهرتها لأسباب سلبية، وذلك بسبب ارتباط اسمها بأدولف هيتلر، وهذا المكان بني كمنزل للدكتاتور الألماني وكان يزوره مرتين في العام تقريبا ويقع على قمة «أوبرسالزبرغ» ويلقب المنزل باسم «عش النسور». عندما تدخل إليه ترى في القبو ثغرات وفجوات سببها القصف الأميركي الذي غزا المنطقة، وقام بقصف وهدم المنزل في نهاية الحرب العالمية الثانية، وأعيد بناء المبنى وتم تحويله إلى فندق، في حين بقي القبو الذي كان يشهد عمليات التعذيب والقتل في الأسفل. ولا تكتمل زيارة الـ«بانكر» (bunker Obersalzberg) إلا بزيارة ما يعرف باسم «Documentation»، وهو مركز تحفظ فيه جميع الوثائق والمعلومات التي تركها الجنود الأميركيون في المنطقة إبان قصفهم للمنطقة.

وإذا حالفك الحظ وكان الطقس جميلا لا بد من زيارة بحيرة «Koenigsee» التي تعتبر أعمق بحيرة في منطقة الألب وتحيط بها الجبال الشامخة، إضافة إلى زيارة بحيرة هينترسي (hintersee) الصغيرة الواقعة في منطقة رامساو، حيث تجد غابات الـ«ناشونال بارك».

وبالنسبة لمنطقة بيرتشتسغادن فهي صغيرة وتعلو عن سطح البحر بواقع 1100 متر، وهي قرية نائية وهادئة جدا، فعندما تزور وسطها التجاري سوف تفاجأ بالهدوء، فهي مليئة بالمحلات التجارية الصغيرة لبيع الملابس والتذكارات وثياب ومعدات التزلج، وتنتشر فيها عدة مطاعم بعضها مخصص للمأكولات البافارية المتأثرة بالمطبخ النمساوي، ومن أشهر أطباقها النقانق وشرائح الدجاج المسطحة (الشنيتزل)، إضافة إلى أطباق كثيرة من لحم الضأن اللذيذ ولحم الغزال، ومن أشهر أطباق الحلوى «طبق أبل شترودل»، وهو عبارة عن كيكة محشوة بالتفاح المطبوخ مع القرفة يقدم مع الآيس كريم بنكهة الفانيليا. وإذا كنت تفضل المأكولات الأوروبية الشهيرة مثل المطبخ الإيطالي لا بد من زيارة مطعم «بيتزيريا بيلا نابولي»، وهذا المكان صغير ومميز يشدك إليه برائحة البيتزا المنبعثة من فرن الحطب، الأطباق تقليدية والأسعار جيدة جدا (نحو 10 يوروات للشخص الواحد)، وتنتشر في المنطقة أيضا مطاعم صغيرة أخرى تقدم المأكولات التركية والفرنسية.. وإذا كنت تفضل المأكولات النباتية وغير العضوية لا بد من الحجز في مطعم «Lockstein 1» وعنوانه: Locksteinstrabe 1, 83471 Berchtesgaden، وهذا المطعم لا يفتح أبوابه جميع أيام الأسبوع، ويقدم أطباقا لذيذة جدا وتديره كريستل كورز، ابنة الطاهي الشهير غابي كورز رئيس الطهاة في مطعم «ماغنوليا» في مدينة جميرا في دبي، ولمحبي المأكولات الفرنسية يمكنكم تذوق أشهى الأطباق في مطعم «le ciel»، أي السماء، الواقع في فندق «إنتركونتننتال» والحاصل على نجمة ميشلن للتميز. ولاختبار أطباق الألب الساخنة يمكنكم ذلك من خلال زيارة مطعم «bayernstube Schalander» أو مطعم «360 درجة» الذي يقدم المأكولات العالمية على طريق البوفيه وتقدم فيه وجبة الإفطار الصباحية، ويوجد أيضا مكان مخصص لتناول أطباق التاباس الإسبانية ويفتح أبوابه ليلا.

* معلومات عن منطقة بيرتشتسغادن الألمانية

* منطقة صغيرة تاريخية يبلغ عدد سكانها 9000 نسمة، تقع إلى جنوب شرقي بافاريا الألمانية، وهي على الحدود النمساوية وتقع على بعد 30 كلم من مدينة سالزبرغ النمساوية الشهيرة، وتبعد 18 كلم عن ميونخ.

تبعد 1100 متر عن سطح البحر، تحيط بها جبال الألب الألمانية، إنترسبرغ إلى الشمال، وأوبرسالزبرغ إلى الشرق، وجبال واتزمان إلى أقصى الجنوب. تشتهر باستخراج الأملاح، وتشكل هذه التجارة أعلى نسبة دخل للمنطقة، وكان يعتمد على هذه المهنة في القرون الوسطى، ولا تزال مناجم الأملاك قائمة وعاملة حتى يومنا هذا. أقرب مطار إلى بيرتشتسغادن هو مطار سالزبرغ في النمسا، نحو 18 كلم، أو مطار ميونخ الدولي، نحو 180 كلم. اللغة الرسمية الألمانية والبافارية، ويتكلم معظم السكان الإنجليزية والفرنسية.

ملاحظة: بيرتشتسغادن مناسبة للزيارة في فصلي الشتاء والصيف.

عناوين مهمة:

[email protected] www.berchtesgaden.intercontinental.com www.salzzeitreise.de