حمامات إسطنبول بين الأمس واليوم

في حين أهملها أهل المدينة أصبحت أكثر ما يجذب السياح إلى تركيا

الحمام التركي التقليدي من اكثر ما يطلبه السائح في تركيا
TT

حمامات البخار شهيرة جدا في أوساط زائري إسطنبول في أشهر الصيف الحارة. لكن عدد الأتراك الذين يذهبون إلى حمامات المدينة آخذ في الانخفاض بصورة مستمرة، وتحولت معظم الحمامات التاريخية إلى استخدامات أخرى أو أغلقت أبوابها بشكل كامل.

وتنساب الثرثرة الممتعة والأحاديث خلال الهواء الساخن المعبأ بالبخار.

ويجلس عدد قليل من النساء إلى جانب حوض الاستحمام، يسكبن المياه على أجسادهن وعلى أطفالهن قبل التحرك صوب لوح الرخام الكبير الموجود في وسط الحمام. وتستخدم المساعدات إسفنجات خشنة لتنظيف بشرة الزائرين.

وربما تنتقل الأحاديث تجاه اختيار مرشحات للزواج من أبنائهن أو تعليقات على الأجساد العارية للنساء الشابات. وبعد الانتهاء من الإسفنجة، تأتي مرحلة الصابون والتدليك القوي. كل هذا كان هو المشهد الشائع في الحمامات التركية في إسطنبول في العقود الغابرة.

أما اليوم، فزيارة أحد الحمامات تجربة مختلفة تماما، أول ما تلحظه عندما تذهب لحمام «سمبرليتس» في وسط إسطنبول القديم هو الرفوف الزجاجية المملوءة بعناية بمنتجات الاستحمام الملونة والمعروضة للبيع. نساء من ذوات البشرة الفاتحة يرقدن على حجر أملس في غرفة دافئة، التي تكون عادة ساخنة بصورة جيدة، حتى خلال أشهر الصيف الحارة.

وتلمع شمس النهار من خلال نوافذ في قبة وسقف الحمام وتسقط أشعتها على التصميم الداخلي للحمام المزدان بالرخام الأبيض. وتفرك العاملات في الحمام اللائي يرتدين ملابس «بكيني» برفق أجساد الضيفات من النساء بالصابون. ولا تسمع همسا في الحمام، واختفى دور الحمام كمكان للتعارف وتبادل المعلومات كما كان قديما.

ويقول روسن بالتاجي، مالك حمام «سمبرليتس»: «عصر الحمامات القديمة انتهى». ففي الماضي، كانت زيارة الحمام هي الوقت الوحيد الذي يمكن أن تقضي فيه التركيات الوقت مع أنفسهن بحرية، «لكن في هذه الأيام يمكنهن ارتياد الحانات ودور العرض والأسواق التجارية»، كما أن أغلب المنازل أصبح بها حماماتها الخاصة، مما يقلل من أهمية الحمامات العامة. وهذا يوضح السبب في أن هذه الحمامات التركية التقليدية تحولت إلى مصدر جذب للسائحين.

ويقول شاب تركي: «لم أذهب يوما ما إلى أي حمام»، مضيفا أنه يرغب في رؤية حمام عام من الداخل لكنه لا يعرف ما هو الإجراء المتبع للذهاب إلى هناك، قائلا «لم ننشأ على الذهاب إلى الحمام».

ويوضح كيرك هندرسون، الذي يجري أبحاثا عن الدور الاجتماعي للحمام التركي، أن كثيرا من الأتراك يتأففون من الحمامات، قائلا: «يعتقد كثير من الأتراك أن الحمامات هي أماكن تفتقر لقواعد الصحة العامة وهي خاصة فقط بالسائحين».

وأدى هذا التوجه إلى مشكلات اقتصادية عويصة بالنسبة لحمامات المدينة، حيث تحول عدد كبير من الحمامات القديمة إلى مقاه ومتاجر. ويستخدم فقط 50 حماما في الوقت الحاضر من أصل مائة حمام كانت موجودة إبان فترة الخلافة العثمانية في إسطنبول. وتوجد بعض تلك الحمامات في حالة مزرية وتحتاج للترميم، غير أن سلطات المدينة لا توفر أموالا من أجل صيانتها.

وتجني معظم الحمامات اليوم الأموال الخاصة بها من خلال السائحين.

وينتقد هندرسون الحمامات مثل «سمبرليتس»، قائلا: «تركز بصورة كبيرة على السائحين، وهذا أفقدها الشعور التقليدي». من جانبه، يعتقد «بالتاجي» أن أموال السياحة ستبث الحياة فيها لفترة قصيرة فحسب، ويقول: «وكالات السياحة تروج بكثرة لزيارة الحمامات، لكن لن يدوم الأمر طويلا». ويعتزم بالتاجي تغيير حمامه إلى ناد صحي (إس بي إيه) الذي يوفر حمامات الطمي والاعتناء بالأظافر بالإضافة إلى حمام البخار التقليدي.