برايتون.. عنوان النقاهة في إنجلترا

مدينة ساحلية حوّلها البحر إلى محطة لنقاهة الملوك

TT

برايتون واحدة من أكثر المدن الإنجليزية جذبا للسياح في السنوات الأخيرة، إذ إنها تجذب ما لا يقل عن ثمانية ملايين سائح سنويا بسبب موقعها الجغرافي على الخط الساحلي لمنطقة إيست ساسيكس في جنوب شرقي البلاد. ولا تقتصر السياحة على الأجانب فقط، بل على السياح البريطانيين المحليين الراغبين في التمتع بمنفذها البحري الرائع وشواطئها الطويلة والجميلة. وهذه ميزة برايتون الأولى وما جعلها من المدن المرغوب فيها والمطلوبة على الصعيد السياحي منذ بدايات القرن التاسع عشر، حيث حولها وجود القطار وربطها بخط سكك الحديد عام 1841 إلى محطة يومية وأسبوعية لسكان العاصمة لندن وغيرها من المدن للباحثين عن الراحة والهاربين من ضوضاء المدن الكبرى بسبب شواطئها الجميلة كما ذكرنا. وساهم ذلك بالطبع في تحويلها من مدينة صغيرة لا يتعدى عدد سكانها الـ7 آلاف نسمة عام 1801 إلى 160 ألف نسمة في الستينات من القرن الماضي، ثم إلى مدينة تضم نحو نصف مليون إنسان في الوقت الحالي. وقد أصبحت منذ التسعينات محجا للكثير من الطلاب والمحترفين والعاملين في قطاع الترفيه والإعلام وقطاع الرقميات، ولذا يطلق عليها البعض هذه الأيام اسم «سيليكون بيتش» أو شاطئ السيليكون تيمنا بسيليكون فالي في ولاية كاليفورنيا. ولهذا السبب أيضا جذبت الكثير من سكان المناطق الشمالية في إنجلترا واسكوتلندا خلال الطفرة العقارية في التسعينات. كما اتخذت شركة «أميركان إكسبرس» المعروفة من المدينة مركزا لها في بريطانيا، ويضم هذا المركز ما لا يقل عن 3 آلاف موظف.

لكن فضلا عن موقعها الساحلي الجميل والمريح نفسيا للسياح، فإن لبرايتون جاذبية أخرى لا تقل أهمية عن شواطئها، وهي أحياؤها القديمة التي تضم عددا لا يستهان به من محلات الأنتيكات والتحف والملابس والجواهر والمطاعم والمقاهي والملاهي والحانات (300 على الأقل، أشهرها «كريكيتارز» و«إيفنينغ ستار» و«ريجانسي تافيرن» و«فري بت») الممتازة والعريقة فضلا عن المسارح والمحال الهامة الأخرى. وتعرف المنطقة التي تضم هذه المحلات بمنطقة الـ«نورث لين»، وهي تاريخيا المنطقة التي كان يسكنها الصيادون والعاملون في السفن وغيرها من المجالات البحرية.

وكما تعتبر المدينة أيضا نقطة جذب لمحبي الموسيقى وعشاق الحياة الليلية ولجميع السياح من جميع أنحاء العالم، إذ تضم أحد أهم الأسماء البريطانية في عالم النوادي الليلية الموسيقية مثل «كونكورد 2» و«برايتون سنتر» الذي يتسع لأكثر من خمسة آلاف شخص، وقاعة «برايتون دوم» التي يعود تاريخها إلى عام 1870، التي استضافت حفل جوائز منافسة الأغنية الأوروبية عام 1974 عندما فازت بها فرقة الـ«آبا» السويدية التي لا تزال حتى الآن من أشهر الفرق الموسيقية في القرن العشرين.

وكجزء من الاحتفالات والمهرجانات الكبيرة التي تقيمها المدينة سنويا، يقصد السياح عادة مهرجان «الهروب الكبير» في مايو (أيار)، الذي يستمر لثلاثة أيام متواصلة من حفلات الموسيقى الحية المختلفة في مختلف المناطق القريبة من الساحل. كما تقيم المدينة مهرجانا للموسيقى الكلاسيكية الخاصة بالقرن الواحد والعشرين (للهواة والمحترفين على حد سواء) في شهر يونيو (حزيران) من كل عام، إضافة إلى مهرجان موسيقي آخر في سبتمبر (أيلول) من كل عام يهتم بحفلات الروك والجاز المجانية وعرض الفرق المحلية في الحانات.

وفضلا عن مهرجان خاص بالأغنياء الذين جاءوا من المدينة، هناك الكثير من المهرجانات التي تفتخر بها المدينة، ومنها مهرجان «برايتون» في مايو من كل عام، والذي يعتبر ثاني أكبر مهرجان فني في الجزيرة البريطانية بعد مهرجان مدينة أدنبره الإسكوتلندية. ويضم المهرجان مسيرات خاصة بالأطفال والمسارح والموسيقى أيضا والمعارض الفنية والحرف والألعاب النارية على مختلف أنواعها. وإلى جانب المهرجان الذي يتواصل لمدة ثلاثة أسابيع في مايو من كل عام، تحتضن المدينة مهرجانا آخر يسمى بمهرجان «برايتون فستيفال فرينج» أو بكلام آخر مهرجان برايتون للمهمشين، والذي يتيح المجال لأيٍّ كان للمشاركة وبأي نوع من العروض والنشاطات. وعادة ما يبيع المهرجان نصف مليون بطاقة ويضم 600 نشاط في 250 موقعا.

وتضم المدينة أيضا عددا لا بأس به من صالات العرض الفني والمتاحف، وخصوصا «متحف برايتون» و«صالة الفنون» و«متحف بوث للتاريخ الطبيعي» و«متحف الدمى والنماذج»، و«رويال بافيليون»، بالإضافة إلى متحف خاص بالصيد وعالم البحر وتحفه وأسراره. ويعتبر متحف برايتون ذو المبنى الجميل جزءا من بايتون بافيليون الذي تم بناؤه عام 1801. وقد تعرض المتحف لعملية تجميل كبيرة بكلفة 15 مليون دولار بعد عام 2000 ويضم مجموعة كبيرة من الفنون البريطانية والأميركية التطبيقية والتصميم التي يعود تاريخ بعضها إلى القرن السابع عشر، وتشمل السيراميك والأعمال الزجاجية والأعمال المعدنية والأثاث والجواهر. ومن المتاحف الجميلة والممتعة أيضا متحف «بوث» للتاريخ الطبيعي الذي يضم مجموعة إدوارد بوث نفسه الممتازة من العصافير البريطانية، ونصف مليون حشرة.

كما تضم قاعة الفنون الجميلة الكثير من التماثيل والمنحوتات والأعمال الزيتية والرسوم والمطبوعات التي يعود تاريخ بعضها إلى القرن الخامس عشر. وتشمل المجموعة أعمالا هامة ومشهورة لفنانين من إيطاليا وأميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وهولندا وكل المدارس الفنية التقليدية الأخرى. كما هناك مجموعة جيدة من فنون الصباغة والأقمشة الأوروبية والأميركية من القرن الثامن عشر حتى القرن الحالي.

على أية حال، إن أهم معالم المدينة السياحية المعروفة هي «برايتون بير»، أو بالعربية «ركيزة برايتون» المعروفة أيضا بـ«ركيزة القصر» والتي تعرضت لحريق كبير قبل ثماني سنوات. وتضم هذه الركيزة التي تدخل البحر ويمكن رؤيتها من مسافة بعيدة من بنائها عام 1866 عددا لا بأس به من المطاعم والمقاهي والملاهي.

لكن أهم معالم برايتون بلا أدنى شك، والتي لا يمكن تجاهلها، هو الـ«رويال بافليون» (الجناح الملكي)، وهو مقر سكن قديم للعائلة المالكة في بريطانيا، وقد بدأ بناؤه (على ثلاث دفعات) منذ عام 1787 كمقر نقاهة للملك جورج الرابع الذي كان يعرف بحياته الباذخة وولعه بالفنون لدرجة أن أُطلق عليه اسم «راعي الفنون». وهذا القصر فعلا من أجمل المباني التي عرفتها المدينة وبريطانيا ربما من الناحية المعمارية، إذ تم تصميمه على الطراز الهندي الإسلامي (المغولي - الفارسي).

وقد ساهم القصر فعلا في وضع اسم برايتون على الخريطة السياحية، إذ كانت منذ ذلك الوقت محط إقامة لبعض أفراد العائلة المالكة، وما يعني ذلك من وجود الخدمات الترفيهية المسخّرة لها. وقد تحول لاحقا من مكان خاص بهذه العائلة إلى مكان عام يضم الكثير من قاعات العرض والنشاطات الفنية والثقافية. ويزور القصر هذه الأيام ما لا يقل عن نصف مليون سائح. هو بالطبع شاهد هائل وضخم على تاريخ الإمبراطورية البريطانية مع الهند والصين والقوة الاقتصادية التي تمتعت بها بريطانيا منذ تأسيس شركة «الهند الشرقية».

تضم المدينة بالطبع جميع أنواع المواصلات مثل التاكسي والحافلات والترام والقوارب وغيرها، ما يسهل حركة السائح، ويمكن الوصول إليها من الخارج أيضا بسهولة، وخصوصا من العاصمة لندن، بالقطار عبر محطتي فيكتوريا ولندن بريدج. وتستغرق الرحلة بالقطار نحو خمسين دقيقة، كما يمكن التوجه إلى المدينة مباشرة من مطار غاتويك المعروف. ومن برايتون يمكن التوجه بسهولة عبر القطار إلى مدن: برادفورد وساوثامبتون وبورتسموث وورثينغ. كما يمكن الوصول إليها أيضا من مدينة ريدينغ القريبة من لندن وكِنت ومدينة مانشستر وبيرمنغهام وبريستول الساحلية هي الأخرى. ولا بد من ذكر أن معظم حافلات المدينة التي يصل عددها إلى 300 حافلة تعمل بالوقود الحيوي المدور الذي يصنع من زيت الطبخ المحلي.

وإلى الجانب الغربي يمكن زيارة بلدة هوف الجميلة على الساحل، وهي بلدة يعود تاريخها إلى القرن السادس عشر على الأرجح. ولمحبي القرى التقليدية أيضا يمكن التوجه إلى بورتسلاد التي تضم كنيسة يعود تاريخها إلى القرن الثاني عشر، وهي من القرى الريفية الجميلة في هذا الجزء من العالم. كما يمكن التوجه إلى هولينغباري وفالمار ولويس وباتشمان والكثير من البلدات والقرى التقليدية الهامة والجميلة، مثل ورثينغ التي يعود تاريخها إلى العصر الحجري، وتضم واحدة من أقدم صالات السينما في بريطانيا. وقد عاش في البلدة كل من الكاتب الآيرلندي أوسكار وايلد والكاتب الإنجليزي الحائز على جائزة نوبل للآداب عام 2002 هارولد بيتر.

من فنادق برايتون:

- فندق «كليرمونت» (The Claremont) - العنوان: Second Avenue, BN3 2LL Brighton & Hove - من فئة 5 نجوم - عدد الغرف: 11 غرفة. هذا الفندق من الفنادق المعروفة والغالية الثمن نسبيا، لكنه فندق أنيق إذا صح التعبير، ومريح وغرفه مريحة جدا، وفيها ديكورات إنجليزية تقليدية. ويركز الفندق عادة على خدمة الزبائن والعناية بهم، ولذا يستخدم كثيرا لاستضافة الأعراس والحفلات الخاصة، إذ يضم حديقة إنجليزية تقليدية مسورة، ومبنى الفندق كان أصلا فيلا فيكتورية الطراز.

- فندق «كيمب توانهاوس» (Kemp Townhouse) - العنوان: Atlingworth Street, BN2 1PL Brighton & Hove - من فئة 5 نجوم – عدد الغرف: 9 غرف. هذا الفندق أيضا من فنادق المدينة التقليدية والمعروفة دوليا ومحليا، ويسهل التعرف عليه بواجهته البيضاء النظيفة والجميلة، وهو من المباني المسجلة في المدينة والتي تقع في أحد الشوارع الهادئة البعيدة عن الواجهة البحرية. ويعتبر الفندق من الفنادق الفاخرة فعلا، والتي تضم محلا تجاريا لآخر صرعات الأزياء والخدمات التجميلية. كما يؤمن الفندق كل الخدمات الحديثة، وخصوصا خدمات الاتصال والإنترنت وغيرها من معالم التكنولوجيا الهامة والضرورية. بعض الغرف تطل على البحر.

- فندق «غراند أوتيل» (The Grand Hotel) – العنوان: King Edward Parade, BN21 4EQ Eastbourne - من فئة 5 نجوم - عدد الغرف: 152 غرفة. يمكن القول إن هذا الفندق من أكبر فنادق المدينة الفاخرة وأغلاها. يقدم هذا الفندق الذي يقع على الواجهة البحرية خدمات جمة، وفيه مطعمان حائزان على جوائز هامة في عالم الطبخ. أضف إلى ذلك أن الفندق يضم بركتي سباحة، واحدة داخلية صغيرة وأخرى خارجية كبيرة، وسبا للعلاج الصحي والمساج، بالإضافة إلى صالة للتمارين الرياضية. وقد تمت إعادة تجميل الفندق الذي يعود تاريخه إلى القرن التاسع عشر مؤخرا. ولكل غرفة من غرفه الشاسعة حمام خاص به. ولا يبعد الفندق عن محطة إيست بورن للقطارات أكثر من 15 دقيقة سيرا على الأقدام.