الهند تستقبل السياح في المنازل

كيرالا تتبنى مبدأ إقامة الزوار في المنازل الخاصة لتعريفهم ثقافة البلاد وروحها الحقيقية

TT

طلب مني بعض أصدقائي ترتيب إجازة لهم في ولاية كيرالا التي تعرف باسم «مدينة الله» في جنوب الهند، وبينما أرادوا الاستمتاع بروح البلد، سواء من خلال تناول الوجبات أو معرفة الثقافة والقيام بتجربة في مونار بكيرالا، واقترحت عليهم الإقامة في منزل، وعندما عادوا كانوا يمطرونني بعبارات المدح والتقدير على هذا الاقتراح، الذي أضفى على التجربة الساحرة لمسة شخصية كان من المستحيل أن يشعروا بها في فندق خال من المشاعر.

إن إقامة السائحين في المنازل خلال الإجازات ظاهرة في الهند، لكنها لا تزال في مرحلتها المبكرة، وتحظى بقبول من الأجانب. وجذب هذا التوجه السياح الهنود الحريصين على اكتشاف ثقافة المنطقة، والذين يريدون معرفة ثقافة البلد التي يزورونها، وتذوق نكهات الطعام الهندي المطهو في المنزل، وإضفاء نكهة شخصية على الإجازة التي يقيمون خلالها في منازل لسكان هنود.

السفر إلى أي بلدة ساحلية في الهند يعني تجربة رائعة لكل عشاق الطعام، وبخاصة غير النباتيين منهم - رغم كوني نباتية - حيث يضفي كاري السمك المحلي والأطباق الأخرى المطهوة في المنزل نكهة مميزة على الإجازة، بينما لا يتوفر ذلك في الأطباق التي تقدمها الفنادق.

ليست سياحة الإقامة في المنازل، التي أصبحت ظاهرة في مدينة كيرالا منذ عقد فقط، بجديدة على الهند، حيث إن الأكواخ التي توجد في وادي سبيتي بولاية هيماتشال براديش في جبال الهيمالايا، والمزارع في ولاية البنجاب إلى جانب البيوت التي تتكون من طابق واحد، والتي تحيط بها زراعات القهوة في كارناتاكا وفيلات الشاطئ في مهارستان وقصور راجستان، فضلا عن مجموعة متنوعة من المنازل المنتشرة في أنحاء البلاد.. تجذب السائحين الباحثين عن إجازة تتسم بالحميمية والبعد عن التقليدية، وذات تكاليف منخفضة.

يمكن أن تكلف تجربة الإقامة في المنزل 500 روبية في الليلة الواحدة للأسرة، ولا تشمل تقديم الوجبات، لكن يمكن أن يصل سعر الإقامة في منزل فخم، بعد إضافة وجبة إفطار، 7000 روبية، ويعد هذا السعر منخفضا كثيرا، مقارنة بأسعار الفنادق والمنتجعات الباهظة التكاليف.

وتتيح الإقامة في المنازل تذوق نكهة ثقافة البلاد وبعض الأنشطة التي تميزها مثل جمع أوراق الشاي أو البهارات مع العمال، على سبيل المثال إذا كانت الأسرة المضيفة تمتلك بيتا من طابق واحد في ولاية يتم زراعة الشاي فيها، فيمكن تنظيم جولة في الولاية، ويمكن للسائح جمع أوراق الشاي مع باقي العمال والشعور بإيقاع حياتهم.. بهذه الطريقة يتاح للسائحين فرصة العودة إلى جذورهم من خلال تلك التجربة الثرية.

ومن واقع تجربتي الشخصية يمكنني أن أؤكد روعة تجربة الإقامة في المنازل، بشرط أن تكون في منزل صاحبه موثوق فيه ويرغب في أن يشاركك واحدة من أكثر التجارب ندرة وتفردا. ومع قبيلة كونايا في ولاية ناغالاند الواقعة شمال شرقي الهند، ونظرا إلى موقعها في الريف النائي على قمة التل وسط مزارع الشاي وحقول الأرز؛ ربما يرفض السائح غير الشجاع البحث عن مكان يقيم فيه هناك، لكنني بحثت على شبكة الإنترنت ووجدت منزلا رائعا لفيجين مونايا، وهي خريجة عصرية تفضل الهدوء والسكينة التي تتسم بها منطقة التلال عن صخب المدينة، وكان هذا هو المنزل الذي استضاف أصدقائي؛ ففي هذا المنزل، الذي تمتزج فيه الحوائط الإسمنتية بركائز خشب البامبو والأرض الخشبية، وانغمس أصدقائي في ثقافة الهند، وتناولوا إفطار «ناغا يام» التقليدي وعصي البامبو بالكاري.. لقد شعرنا أننا في منزلنا؛ حتى إن أخاها سمح لنا باستخدام هاتفه الجوال عندما تعطل هاتفي.

إن مثل هذه اللفتات البسيطة كثيرة في عالم الإقامة في منازل السكان الهنود، وتفصل الإقامة في المنازل على الإقامة في الفنادق مع تزايد عدد السائحين الهنود الذين يكتشفون هذا الأمر. في نهاية زيارة مثل تلك؛ قد تجد نفسك تكتب في دليل الزوار أن زائريك شعروا أنهم جزء من عائلة كبيرة.

في وقت من الأوقات انتشرت فكرة الإقامة في منازل السكان بين الأجانب، لكن مؤخرا تزايد اهتمام المسافرين الهنود بهذا، على حد قول سابينا، المشاركة في تأسيس موقع السفر الشهير على شبكة الإنترنت «yatra.com»، الذي يروج للإقامة في منازل السكان، بين العروض الكثيرة. وتوضح في إشارة إلى أن الإقامة في المنازل تملأ الفراغ في الأسواق، حيث تكون تكاليف الإقامة في الفنادق الضخمة مرتفعة بالنسبة إلى الطبقة المتوسطة، والإقامة في الفنادق الأقل تكلفة لا تناسبهم: «يجذب ازدهار سوق الإقامة في منزل السائح الهندي الراغب في تجربة القيام بمثل هذه الإجازة».

إن فكرة الإقامة في منازل السكان ملكت لب الكثير من مزارعي القهوة في ولاية كارناتاكا الجنوبية الذين يبحثون عن مورد رزق إضافي. وتبين أن هذه فرصة عمل كبيرة لمزارعي القهوة الذين يعيشون في المناطق الجبلية الخلابة في تلك الولاية، كذلك يفد عدد كبير من السياح، خصوصا الأجانب، إلى تلك المنطقة للإقامة في منازل السكان الذين يعيشون وسط مزارع القهوة وعلى التلال.

من تجاربي الأخرى التي أود أن أحكيها كانت تجربة في كوخ بسوميث دوتا بالقرب من بهيمتال في إميرالد تريل في ولاية أوتاراكاند بجبال الهيمالايا، وتراوح سعر الإقامة في الغرفة بالوجبات بين 2000 و5000 روبية. كانت ابنة أختي البالغة من العمر 8 أعوام وطفل صغير لم يتجاوز العامين، سعيدين في مزرعة دوتا للزراعات العضوية وهما يطعمان الدجاج، بينما تمتعنا نحن بركوب الدراجات ومشاهدة الطيور، واستمتع كبار السن بالهدوء والسكينة. يمثل هذا خيارا مثاليا للأسر لوجود أطباق مطهوة في المنزل وخدمة شخصية ومرونة. إنهم يدللوننا بتقديم الأطباق المتنوعة وعدد لا يحصى من أكواب الشاي. يمكن لأي شخص لديه غرفة إضافية أن يقدم خدمة استضافة السائحين من خلال الكتيبات الإرشادية التي توفرها وزارة السياحة الهندية؛ بشرط أن لا يوفروا أكثر من 5 غرف، وأن تكون الغرف نظيفة ويدخلها الهواء وخالية من الحشرات وتحتوي على أسرّة مريحة بملاءات من الكتان. وعلى المضيف أن يكون مقيما في المنزل، وأن يحتوي المنزل على مطبخ نظيف، فضلا عن أشياء أخرى. هناك خطط للولايات في الهند، وبخاصة ولاية كيرالا وراجستان وكارناتاكا وسكيم؛ والجدير بالذكر أن ولاية كورغ هي عاصمة المنازل الهندية التي تستضيف سائحين، ومع ذلك فإن العدد الرسمي المسجل للمنازل الهندية التي تستضيف الأجانب صغير، فولاية كارناتاكا على سبيل المثال لديها 259 وكيرالا 350 وقائمة العروض المصرح بها في المنطقة الشمالية لا تحتوي على أكثر من 359 منزلا، مما يقدم صورة مضللة لحجم السوق. وتنتشر المنازل التي تستضيف الأجانب في مختلف أنحاء البلاد، وتوفر شركات مثل «ماهيندارا هومستاي» و«بهارات هومستاي» و«ماجيك رومز» و«إنتيك هوتيل سولوشونز» مثل هذه المنازل، لكن يعمل بعض أصحاب المنازل لحسابهم الخاص من خلال تقديم وعود، والوجود على شبكة الإنترنت.

إذا كنت تبحث عن خدمة على مدار اليوم وطوال أيام الأسبوع والاسترخاء في الإجازة، فالإقامة في منازل السكان لا تناسبك، بل من الأفضل لك أن تقيم في فندق يقدم إليك القهوة في منتصف الليل. فإذا أقمت في منزل، فعليك أن تلتزم بقواعد الأسرة التي تسكنه، وتأكل في المواعيد التي يتناولون فيها الطعام، وتكون لديك الرغبة في معرفة ثقافة البلد. إذا كنت نباتيا وتفضل الإقامة في منزل أسرة نباتية، ينبغي أن تبحث عن الخيارات المناسبة، وهناك الكثير من الأسر التي تقدم طعاما نباتيا فقط، ويمكنك زيارة المواقع الإلكترونية التالية: mahindrahomestays.com وhomestaykerala.com وsikkimhomestay.com وincredibleindiaholidays.net.

ويتراوح سعر الليلة في أغلب المنازل ما بين 500 إلى 700 روبية، وقد يصل إلى 8 آلاف روبية في المنازل الفخمة، لكنها شاملة الإفطار. وتقدم المواقع الاجتماعية معلومات حقيقية في الوقت المناسب. ويمكنك أن تعرف من خلال تصريح الحكومة حال المنزل منذ عامين، لكن تتيح لك شبكة الإنترنت معرفة ما الذي حدث به منذ عامين.

لكن يواجه كل من المضيف والسائحين تحديات؛ ففي حين يحرص أصحاب المنازل التي تستضيف السائحين على تقديم تجربة تتفوق على تلك التي تقدمها الفنادق، فإنهم يبذلون الكثير من الجهد لإسعاد الضيوف، فربما يكون رفع سقف التوقعات خادعا.