قنوات.. لوحة يتناغم فيها التاريخ في جبل العرب بسوريا

متحف في الهواء الطلق

TT

ينظر إليها الكثيرون من السياح والباحثين التاريخيين والآثاريين على أنها لا تقل جمالا وروعة عن شقيقتها وجارتها مدينة بصرى الشام، وهم محقون في ذلك لأن مدينة قنوات تصنف حقيقة على أنها المدينة الثانية بعد بصرى الشام في الجنوب السوري من حيث غناها بالمواقع والأوابد التاريخية والأثرية، ولذلك باتت مقصدا رئيسيا للسياح والزوار وعلى مدار العام يشاهدون، وعلى مدى ساعات مواقعها الأثرية التي ما زالت قائمة بشكل جيد ويتجولون بين أزقتها القديمة وكأنهم في متحف هواء طلق، خاصة في الفصول الدافئة كالربيع والصيف، حيث تهب النسائم اللطيفة القادمة من سهل حوران الجار الأبدي للجبل الأِم ومن مرتفعات وتلال جبل العرب حاضن مدينة قنوات والمدينة الأم السويداء التي تتبع قنوات لها وتجاورها على بعد لا يتجاوز الـ7 كيلومترات والـ10 دقائق بالسيارة.

أليست قنوات على قمة من قمم الجبل الأشم ولذلك تشعر بالهواء العليل فيها؟ يبتسم (سليمان) الخبير في الجغرافيا والتاريخ معلقا، وهو الذي تطوع لمرافقتي بعد إصراره على أن نجلس ولو لبعض الوقت في ضيافة والده في مدينة السويداء كما هي عادة أهل المدينة في استقبال ضيوفهم قبل أن ننطلق إلى قنوات.

كيف يصل السائح إلى قنوات؟

وننطلق مع سليمان نحو مدينة قنوات، طبعا الطريق معبد وجيد ويمكن للسائح القادم من دمشق أن يصل إليها بسهولة فما عليه إلا أن يستقل سيارة أجرة أو حافلة نقل عام من مرأب السويداء، جنوب دمشق، لينطلق نحو جبل العرب جنوب شرقي سوريا وعاصمته السويداء، فالطريق الذي يستغرق نحو الساعة ونصف الساعة على مسافة 100 كيلومتر واسعة ولن يشعر المسافر والسائح بالملل، حيث تنتشر على جانبي الطريق التلال والهضاب والسهول الخضراء مع تناوب للتلال والصخور البازلتية السوداء التي يشتهر بها الجبل الذي يتصل بغوطة دمشق شمالا وبادية الشام شرقا وبسهول حوران والأردن غربا وجنوبا، فالرحلة إذن إلى السويداء مسلية خاصة في الربيع والصيف، حيث يشاهد المسافر وعلى امتداد النظر كروم العنب وبساتين التفاح والدراق التي تشتهر بها مناطق الجبل وبخاصة السويداء، التي ستكون محطة السائح الأولى قبل أن يتجه من مركزها شرقا نحو المدينة المقصد (قنوات) لتبدأ رحلته بين أوابدها وآثارها الجميلة، كما سيستمتع بجماليات طبيعتها، حيث موقعها المتميز الذي يزيد من جمال آثارها جمالا ومن روعة أوابدها حسنا وشاعرية وأحاسيس لا تنسى فالمدينة تمتد في أعلى إحدى القمم وتتناثر في سفح واد غني بالأشجار والبساتين والحقول والمروج، فهل هناك أجمل من مكان يتناغم فيه التاريخ مع الجغرافيا مع الطبيعة ليتشكل مشهد وكأنه لوحة فنية رسمها فنان مبدع بإتقان ودقة وخيال لا حدود له؟ يعلق سليمان للمرة الثانية ومع ابتسامة أيضا.

ماذا يزور السائح في قنوات؟

في قنوات أنصحك عزيزي الزائر والسائح - وكما فعلنا - أن تترك خيالك يحلق بلا حدود فهنا ستنسى أنك كنت وقبل ساعتين بين ضجيج وزحمة سيارات وشوارع العاصمة دمشق، لأنك ستعيش في قنوات ساعات من الهدوء والسكينة بين أروقة التاريخ والطبيعة الرائعة، في منطقة تحكي كل حجر فيها قصص الحضارات العريقة وتروي بواباتها العتيقة حكايات الأجداد ورحلتهم الطويلة مع الحضارة والبناء والعمارة، سيخبرك مرافقك المتخصص بالتاريخ والجغرافيا أن قنوات كانت مدينة هامة جدا، وبخاصة أيام الرومان الذين جعلوها منذ عام 60 قبل الميلاد واحدة من أهم المدن الـ10 (ديكابوليس)، وهو ائتلاف كان يجمع عددا من المدن التجارية حيث دمشق كانت على رأس هذه المدن، ولذلك فإن هذه الأهمية تفسر انتشار آثارها وتعثرها التي كانت أعظم آثار منطقة جبل العرب وأغناها زخرفة.

في قنوات ستشاهد روعة الأوابد وجمالياتها بارزة في كل بقعة أرض تضع رجلك فيها فهناك بقايا معبد إله الشمس في ساحة المدينة العامة الذي شيد في القرن الثاني الميلادي وكان الرومان يطلقون عليه اسم (هيليوبوليس) حيث كان يتوضع على 31 عمود ما زال بقايا بعضها قائما، وسترى معبد الإله زيوس سيد السموات المبني بالبازلت المزخرف متوضعا في جنوب المدينة، حيث تبرز أعمدته الـ6 التي ما زالت قائمة بتيجانها الكورنثية وسط مجموعة من الأشجار المثمرة، وسترى معبد إله الماء ومنه تذهب قناة منحوتة من الحجر البازلتي إلى مسرح الأوديون المجاور، وكان مخصصا لحوريات الماء ومعبد الإلهة أثينا، وهناك السراي الأثرية التي تنتصب فوق أعلى نقطة في قنوات وتتكون من 3 معابد يعود بناء أهمها إلى القرن الثاني الميلادي، وهناك مسرح البلدة الروماني بما تبقى من أحجاره ومدرجاته وحيث توجد بقايا القاعة الموسيقية (الأوديون) في الضفة اليمنى من الوادي، وكان يستخدم للتمثيل والحفلات الموسيقية والاجتماعات ويعود تاريخ بنائه إلى النصف الثاني من القرن الثالث الميلادي، وهناك الكنيسة التي بنيت في القرن الرابع الميلادي وتسمى كنيسة البازليك، حيث تقع ضمن مجموعة الكنائس (السراي) وكانت تستخدم لإقامة العدل، بالإضافة إلى وظيفتها الدينية وهي الكنيسة المدنية، أما الشرقية فقد بنيت في القرنين الخامس والسادس الميلاديين ذات واجهة جميلة مزخرفة وفيها جرن المعمودية وكانت مركزا لأسقف قنوات. وهناك الحمامات فيها، التي كانت تتسع لنحو 500 مستحم، وتضمنت الكثير من الأقسام، وتقع في الجهة السفلى وبدأ التنقيب فيها مؤخرا، وتم الكشف عن أجزاء مهمة من أقسامها، أما الحمامات الخاصة فتم إنشاؤها نتيجة حياة البذخ والترف التي سادت في العهد الروماني، أما المنازل في قنوات فهناك الكثير منها ويعود معظمها إلى العهود النبطية والرومانية والبيزنطية، وقد بنيت جدرانها الخارجية وواجهاتها من الحجر البازلتي المنحوت بدقة ومتانة وكانت أدراجها من البلاط الحجري المغروس في الجدران، مما يدل على الفن المعماري المتميز.‏ وتوجد فيها مجموعة مقابر رومانية وبيزنطية، والكثير من النزل والفنادق التي كانت وظيفتها تشبه وظيفة الخانات، وتحتوي على طابقين مع مدخل وباحة كبيرة.

أين ينام ويأكل السائح والزائر؟

بالطبع هناك الكثير من المطاعم في قنوات ولقربها من مركز المحافظة السويداء فيمكن للسائح وبعد ساعات من جولته في قنوات أن يعود إلى السويداء ليأكل في مطاعمها وينام في فنادقها، حيث هناك بعضها موجود على الطريق الرابط بين السويداء وقنوات ومنها: «كاناثا» ذو الـ4 نجوم، و«نادي الرماية»، و«الفندق السياحي»، ومطاعم «الأمير»، و«الجندول» و«الشلال» و«المضياف».. وغيرها.