من حارة سلوان في شبرا إلى سفير لـ«هيلتون» في العالم

ممدوح قرياقص الموظف المثالي الذي لا يتخلى عنه الفندق

ممدوح قرياقص سفير فنادق «هيلتون» في العالم
TT

قبالة مبنى الملكة فيكتوريا، الذي يعد أحد أهم المراكز التجارية الراقية في سيدني، يقف فندق «هيلتون» مع بعض المباني العالية التي تناطح السحاب. بعد ترميمه، قبل عدة سنوات، أصبح المبنى غير مرئي بالنسبة للمارة في الشارع، باب صغير يفضي إلى بهوه، فيما الفسحة التي كانت قبل ذلك مسبح الفندق، تحولت إلى المدخل الرئيسي، هناك حيث يتم استقبال النزلاء على مدار الأربع والعشرين ساعة. في هذه المدينة التي وإن لم تكن العاصمة السياسية لأستراليا، فإنها، أهم المدن وأكبرها، تبدو المباني، في وسطها، كما لو أنها علب كرتونية مرصوصة بعضها فوق بعض. القليل فقط من المباني، يعود إلى مرحلة سيدني الأولى، كما هي الحال مع «فيكتوريا بيلدينغ» ومبنى المجلس النيابي بالقرب منه. عدا ذلك، سيدني مدينة عالمية حديثة، هي مدينة اقتناص الفرص.. المهاجرون الأوائل، وجدوا لهم مكانا فيها، أما اليوم، فإن إيجاد فرصة شيء من المحال كما أخبرني عامل لبناني قدم منذ خمسة أعوام إلى المدينة. الفرص قليلة، حالها حال معظم المدن في العالم اليوم. غير أن فندق «هيلتون» المتربع في وسط المدينة يروي قصة أخرى.

في عام 1977 وبعد أن أنهى دراسته الجامعية في القاهرة، قرر ممدوح قرياقص أو «كرياكوس»، السفر إلى أستراليا من أجل العمل لمدة عامين ثم العودة إلى القاهرة، لكن العامين امتدا لثلاثة عقود ونيف وما زالت الإقامة مستمرة في سيدني، لكن بشكل مختلف.. بنجاح مختلف.. بنفس أقرب ما يكون إلى النموذج الحقيقي لسيرة مهاجر متواضع فهم المكان الذي يعيش فيه وطبيعته وظروفه.

طوى هذا المهاجر المصري سنوات حياته في القاهرة، عاش، هنا، بعيدا جدا ولكن قريبا جدا من بلده. المصري لا يمكنه أن يغادر مصر، لا في اللهجة ولا في الانتماء ولا في الحنين الذي لا يتركه لحظة واحدة. باختصار المصري هو المصري أينما حل ومهما أبعدته السنين.

لم تكن الفترة الأولى في أستراليا بالنسبة لممدوح قرياقص، سهلة، كأي مهاجر يحمل شهادات، لا بد من التضحية، المهاجر خارج بلاده لا تلزمه الشهادات في كثير من الأحيان، خاصة إذا ما حالت اللغة بينه وبين العمل بشهاداته. «حين وصلت لم أكن بسبب اللغة وضعفي فيها قادرا على إيجاد وظيفة ملائمة»، يقول ممدوح، ويضيف: «لذلك عملت في مصنع بداية، لكني بعدها بدأت رحلة البحث عن العمل، أي عمل (بالصدفة البحتة وصل إلى هيلتون) سألتهم عن عمل لي، لكنهم قالوا لي وقتها إن العمل الوحيد المتاح لشخص مثلي تنظيف الطاولات في مطعم الفندق»، يضيف ممدوح: «قبلت.. حيث إني كنت بحاجة للعمل». لكن الحظ يبتسم أحيانا للأشخاص كما ابتسم له: «قابلت بعد فترة من العمل رئيس الحراس أنتوني بيترجيمس الذي وعدني بالعمل معه، وهذا ما حدث» بعد عدة سنوات من العمل، تحديدا في عام 1984 حصل ممدوح على جائزة موظف العام في «هيلتون» بسبب المدائح التي كان يتلقاها الفندق من الزبائن، وكافأته الإدارة برحلة إلى فيجي على حساب الفندق مع عائلته.

تدرج ممدوح قرياقص في موقعه دون أن يغادره حتى اليوم. ولم تكن المغادرة الاضطرارية التي حدثت في عام 2001 سوى بسبب أن الفندق أقفل للترميم. وهناك حيث ذهب ليعمل بالقرب من «هيلتون» في واحد من أرقى فنادق سيدني «سويس هوتيل» حصل أيضا على جائزة أفضل موظف مع رحلة هذه المرة إلى سنغافورة برفقة زوجته وأبنائه. لكن وبعد أن عاد «هيلتون» إلى العمل عاد ليكمل مشوار عمره في المكان الذي يحب.

في عام 2004 حصل على جائزة أفضل موظف في ولاية نيو ساوث ويلز التي عاصمتها سيدني، وعلى أثر ذلك، وما يمثل من حدث فعلي له وللمكان الذي يعمل به، اتخذ الفندق قرارا يقضي بوضع صورة ممدوح قرياقص على الدعايات كافة التي تخص الفندق وكذلك على الـ«بزنس كارد» والبروشورات التي تخص الفندق، وكذلك المطبوعات كافة التي تصدر عن الفندق والتي تستعمل كذلك داخله. ولم يكن هذا فقط؛ بل تعداه إلى هطول رسائل التهنئة من رجالات الدولة الأسترالية كافة؛ كانت أولها من وزير الصناعة بوب بالدوين ورئيس المجلس التشريعي آندرو فرانزر والسيدة كاثرينا هدغينسون وهي من أبرز وجوه الحزب الجمهوري، إلى جانب وزراء ونواب وحاكم نيو ساوث ويلز.. إلخ.

اليوم لم تعد وظيفة ممدوح قرياقص رئيسا للحرس في فندق «هيلتون - سيدني».. هذه الوظيفة يشغلها إلى جانب لقب عملي ومعنوي يتمتع به هو «سفير الفندق». وهو اللقب الوظيفي المطبوع على الكارت الذي يحمله، مما يعني أنه الشخص الأكثر تميزا والأكثر ثقلا معنويا رغم أنه لا يزال كما عهده كل من يعرفه يقف على باب الفندق ليرحب بزبائنه.

ولأن «هيلتون» أحد أهم فنادق المدينة، فقد كان لفترة طويلة ولا يزال، النزل المفضل للضيوف الرسميين في المدينة والولاية. أخبرني ممدوح أنه صافح نيلسون مانديلا وأخذ معه صورة تذكارية كما صافح هنري كيسنجر وغورباتشوف وغيرهم كثر من رجال السياسة والشهرة من حول العالم.

مع كل هذا، ثمة ما يميز هذا الرجل المصري القادم من حارة سلوان في شبرا. وهو أنه لا يزال يتمتع بالطيبة التي يتمتع بها أبناء بلده كافة، كما يتمتع بتواضع غريب قد لا نجده عن شخص بدأ رحلته كما بدأها هو. أما الأهم من ذلك كله، فهو أنه حين يتحدث العربية لا يذكر سوى بعمر الشريف.