سياحة الصيف على الشواطئ.. ومتعة الشتاء في الصحراء

فندق «أمينة».. همزة وصل السياح بين شمال تونس وجنوبها

مسبح فندق «أمينة» أحد معالم القيروان
TT

ملايين السياح يزورون تونس سنويا للتمتع بجمال شواطئها، وبرودة مناطقها الجبلية، وسحر صحرائها وبيوتها الحجرية المنحوتة في الجبال، وغاباتها الهادئة الغنية بالحيوانات البرية. وبين أنهار الشمال وغاباته وصحراء الجنوب وأحراشه تقع مدينة القيروان التاريخية التي يعود بناؤها إلى عام 50 هجرية. وفي شرق هذه المدينة الرائعة بقبابها وأسوارها العتيقة المهيبة يقع فندق «أمينة» ببنائه الهندسي الفريد، وحوض سباحته الواسع، ومطعمه الشرقي والتونسي تحديدا، حيث يعتبر الكسكسي الأكلة الشعبية الأكثر حضورا في المناسبات كالأعراس، بل في الحياة اليومية للسكان.

كانت السيارة المتجهة من تونس العاصمة إلى القيروان عبر الطريق السيار الذي يتفرع عنه طريق مدينة سوسة الساحلية، تطوي الأرض طيا، وسط بساط أخضر جميل من أشجار الزيتون وحقول القمح، بعضها تم حصاده وأصبح مرعى لقطعان الأغنام والأبقار، وقد نصب الرعاة خياما وسط الحقول. وبعض المزارع تجوبها آلات الحصاد مخلفة وراءها عشرات الأكياس من القمح الصافي، ومن حين إلى آخر تطل بعض البلدات الريفية البسيطة على جانبي الطريق، ومقاهي ومطاعم اللحم المشوي في الهواء الطلق. ولم يخلُ الطريق من صفوف التين البربري الذي يحتفل في موسمه بتونس ويشهد إقبالا كبيرا حتى إن البعض يسميه «سلطان الغلال»، ويفضله كثيرون على التفاح والموز والمشمش. ولا توجد فاكهة في تونس يجتمع حولها كما تجتمع الأسر على أكل التين البربري الذي يسميه التونسيون «الهندي». لكن ما شد انتباهنا أكثر هو منظر القرى والمنازل على سفوح الجبال، فتبدو كقلاع عثمانية في أوج قوتها وعنفوانها، إلى جانب أن الطرق جيدة جدا. ويفضل أن يأتي السائح إلى تونس بسيارته، أو يؤجر سيارة بحدود 30 يورو في اليوم أو أكثر بقليل.

وصلنا إلى فندق «أمينة» من فئة 3 نجوم، وهو من أول معالم مدينة القيروان التي تستقبل القادم من سوسة أو تونس العاصمة وغيرها من الولايات التونسية (المحافظة يطلق عليها ولاية في تونس)، وهو مبنى ضخم يتسم بالنظافة والاتساع، بني سنة 1994 ويحتوي على 106 غرف ومطعمين، أحدهما يقدم الأكلات التونسية، والآخر الأكلات العالمية، وقاعة اجتماعات ضخمة تتنافس الأحزاب التونسية في تأجيرها للتعريف ببرامجها قبل الانتخابات التي ستجرى في 23 أكتوبر (تشرين الأول) القادم. وقال صاحب الفندق، محمد صالح الفطناسي، لـ«الشرق الأوسط»: «يأتي السياح من مختلف أنحاء العالم، ولكن هذا العام مختلف، ويعتبر من أسوأ السنوات السياحية التي مرت على تونس، لكننا نتوقع عودة السياحة إلى سالف عهدها وحتى أفضل بعد الانتخابات». وكانت الانتخابات ستجرى في 24 يوليو (تموز)، لكن حسابات سياسية ساهمت في تأجيلها إلى 23 أكتوبر القادم، مما يعني أن تعافي القطاع السياحي تم تأجيله هو الآخر إلى ما بعد انتخابات أكتوبر إذا ما تمت في الموعد! ويؤكد الفطناسي على حقيقة أن مدينة القيروان منطقة عبور كما كانت دائما منذ تأسيسها، وكذلك فندق «أمينة»، قائلا: «نحن منطقة عبور من شمال تونس إلى جنوبها والعكس، والسياح يتخذون من القيروان ومن فندق (أمينة) استراحة لاستئناف المسير باتجاه الجنوب». وعن السياحة العربية أفاد بأن «السياح العرب هم من يعوضون نسبيا خسائر قطاع السياحة بسبب الأوضاع السياسية، ويحظون بالتبجيل والاحترام والتقدير»، كما يسعى قطاع السياحة إلى تشجيع السياحة الداخلية، «هناك مهندسون وموظفون وفنيون يعملون في المؤسسات والشركات والمشاريع الدولية في تونس يتخذون من الفندق مأوى لهم، أو يأتون للاستجمام، كما لدينا قاعة أفراح كبرى يقيم فيها المواطنون أعراسهم ومناسباتهم المختلفة كالختان أو الاحتفال بنجاح أبنائهم في الامتحانات أو حصولهم على درجة الماجستير والدكتوراه». وعن السياح العرب في تونس، ولا سيما القيروان، وتحديدا رواد فندق «أمينة»، قال: «من المملكة العربية السعودية، ومن ليبيا، وبعض الجزائريين، والقليل من دول الخليج الأخرى». وذكر أن «جميع أنواع الأطعمة متوفرة في الفندق، ونحن نقدم قائمة الطعام للنزلاء وهم يختارون ما يرونه مناسبا». ويشير الفطناسي إلى أن «السياحة في تونس تنقسم إلى قسمين: السياحة الصيفية، وهي غالبا ما تتوجه إلى الشواطئ وأماكن الاصطياف، والسياحة الشتوية وتتركز في الغالب في المناطق الصحراوية والغابية، وفي كلتا الحالتين نمثل جسر عبور للطرفين». وعما إذا كان السياح يأتون فرادى أو في مجموعات أفاد بأن «هناك من يأتون بشكل فردي ولكن في الغالب يأتي السياح منظمين في مجموعات سواء بمبادرة منهم أو عبر وكالات الأسفار التي تنشط بكثافة في أوروبا لإقناع السياح بالسفر إلى تونس، فهنا الأسعار رخيصة ويتوفر كل ما يرغب فيه السائح». وعن أهمية قطاع السياحة أشار إلى أن «مليوني إنسان يعيشون من قطاع السياحة في تونس بشكل مباشر وغير مباشر».

أما وزير التجارة والسياحة المؤقت مهدي حواص فقد ذكر أن 350 ألف نسمة يعملون في قطاع السياحة، وهو ما يعادل 10 في المائة من الأيدي العاملة النشيطة، ويساهم بنحو 4 في المائة من الناتج الداخلي الخام. ويؤكد نواف من المملكة العربية السعودية على أنه يزور تونس باستمرار، وأن «الأوضاع هادئة والأمور تسير بشكل طبيعي ولم أتعرض لأي مشكلة، فمنذ عدة سنوات أزور تونس مع أهلي وقد أعجبني أهلها، كما أن الأسعار ممتازة جدا». وتابع: «الكثير من الخليجيين لم يكتشفوا تونس، ولو زاروها مرة واحدة فلن يذهبوا إلى أماكن أخرى سواء في أوروبا أو غيرها». وبقطع النظر عن الحسابات والأرقام فإن زائر تونس لا بد وأن يعجبه فيها الكثير، فإن لم يعجبه شيء تعجبه أشياء، ففي تونس ضوء ساطع وهواء نقي وتاريخ مجيد وحاضر رغم علاته يبشر بكل خير.