إثيوبيا.. الوجه الأسمر الذي يتوسد أقدم حضارة عرفها الإنسان

ثلث سكانها تظلهم «الوردة الجميلة»

أديس أبابا أو «الوردة الجميلة» تحتضن ثلث سكان إثيوبيا البالغ عددهم 77 مليونا
TT

إنها إثيوبيا، الوجه الأسمر، التي عرفت في الأدبيات العربية ولعدة قرون باسم «الحبشة».. أقدم دول العالم، بل قرر العلماء أنها أقدم حضارة صنعها الإنسان في التاريخ، ورغم أنها دولة داخلية لا توجد لها منافذ بحرية، فإنها تعد واحدة من أجمل دول القارة السمراء، بل إن جمالها يعم كل شيء: النساء، والبحيرات، والغابات، ويكفي أن عاصمتها «أديس أبابا» تعني «الوردة الجميلة» أو «الجديدة»، وهو دليل على أن كل شيء فيها جميل وواعد، وهي محطة لمن ينشد: الماء والخضرة والوجه الحسن، لترتاح فوق هضابها الأعصاب.

وتعد إثيوبيا ثاني أكثر الدول في القارة السمراء من حيث عدد السكان، وعاشر أكبر دولة فيها من حيث المساحة، وشهدت أرضها أحداثا جساما منذ آلاف السنين وإلى سنين قليلة، لكنها بدأت مؤخرا تستقر وتكشف عن وجهها الجميل وتصبح محطة سياحية ومجالا رحبا لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية في كل المجالات، حيث تتصدر السعودية والصين وروسيا قائمة الدول المستثمرة هناك بعد أن فتحت البلاد كنوزها للاستثمار الأجنبي، وهناك توجه جاد لاستقدام السعودية لنحو 30 ألف عامل من هناك.

وجاء رجل الأعمال السعودي محمد بن حسين العمودي ضمن قائمة المستثمرين في الدولة الواعدة، ولعل أهم استثماراته تمت في مشاريع زراعة الأرز في إثيوبيا من خلال شركة «النجمة السعودية للتنمية الزراعية» التي يملكها ومقرها العاصمة أديس أبابا بمبلغ 2.5 مليار دولار لإنتاج 15 مليون طن متري من الأرز سنويا، ومن خلال ثلاث دورات زراعية في العام، وستقوم الشركة بتصدير ثلثي إنتاجها، ومن المرجح أن تكون السوق السعودية والخليجية من أكبر أسواقها، في حين سيتم تسويق الثلث الباقي محليا، وسيوفر هذا المشروع الضخم في القارة السمراء نحو ربع مليون فرصة عمل للسكان في إثيوبيا، كما أن من المرجح أن تقوم الشركة بزراعة عباد الشمس والذرة في الأراضي غير المناسبة لزراعة الأرز، كما يملك العمودي أكبر فنادق القارة، «شيراتون - أديس أبابا»، بالإضافة إلى فندق في منطقة بحر دار التي تحتضن بحيرة تانا منبع النيل الأزرق وثالث كبرى بحيرات أفريقيا وأعلاها عن سطح البحر، وأكثر الشلالات المائية إثارة للدهشة في العالم.

تقع إثيوبيا في شرق القارة الأفريقية، وتشترك في حدودها الشمالية الشرقية مع كل من جيبوتي وإريتريا، ومن الشرق والجنوب الشرقي مع الصومال، ومن الجنوب مع كينيا، ومن الغرب والشمال الغربي مع السودان، وهي دولة حبيسة لا يوجد لها أي منافذ بحرية وذلك بعد اعترافها باستقلال إريتريا في مايو (أيار) 1993م، ففقدت بذلك واجهتها البحرية الواقعة على البحر الأحمر.

واحتلت عاصمتها أديس أبابا أو «الوردة الجميلة» هذا الاسم الذي أطلقه عليها الإمبراطور الإثيوبي مينيليك الثاني، مكانة اقتصادية واجتماعية مميزة نظرا لضمها العديد من المنظمات الإقليمية والدولية، بالإضافة لكونها مركزا صناعيا واقتصاديا مهمّا في البلاد.

وتبلغ مساحة إثيوبيا 1.127.127 كيلو متر مربع، وعدد السكان نحو 77 مليون نسمة ويتحدث السكان عدة لغات منها الأمهرية، والتيجرينية، والأرومنيجية، والجوراجينيجية، والصومالية، والعربية، والإنجليزية.

وتغطي الهضبة الإثيوبية أكثر من نصف مساحة البلاد والتي تنحدر من الشرق إلى الغرب نحو الأراضي المنخفضة السودانية، وتتميز المنطقة الشمالية الشرقية منها بوجود أجراف شديدة الانحدار، ويقطع الهضبة العديد من الأودية العميقة كما يخترقها النيل الأزرق الذي ينبع من بحيرة تانا وهي من كبرى البحيرات الموجودة في إثيوبيا. ويعد نهر النيل الأزرق المجرى الرئيسي لنهر النيل، ويقع بالهضبة أعلى القمم الجبلية في البلاد وهي قمة جبل «راس ديجن» الذي يبلغ ارتفاعه 4620 مترا. ومن مظاهر السطح الأخرى، الأخدود الأفريقي العظيم الذي يمتد من الشمال الشرقي إلى الجنوب الغربي من البلاد قاطعا الهضبة الإثيوبية، وتقع صحراء الدناقل في الشمال، وتنتشر العديد من البحيرات الكبرى في المنطقة الجنوبية، كما توجد بالبلاد الهضبة الصومالية وهي أقل ارتفاعا من الهضبة الإثيوبية وتضم العديد من المرتفعات التي يصل بعضها إلى 4267 مترا فوق مستوى سطح البحر في جبال منديبو، كما توجد هضبة أوغادين وهي هضبة صحراوية تضم عددا من الأنهار مثل شيبيلي، وجوبا وداوا، ويوجد بإثيوبيا نهر وحيد صالح للملاحة وهو نهر أواش.

ومرت إثيوبيا بمحطات مهمة في تاريخها الطويل حيث كون الأحباش في القرن السابع قبل الميلاد مملكة «أكسوم» وعاصمتها مدينة أكسوم. وكانت مملكة أكسوم قد قامت في الشمال الشرقي من إثيوبيا الحالية. ففي سنة 500 ق.م. قامت المجتمعات المختلطة الساحلية من الفلاحين المحليين والتجار المهاجرين من جنوب شرقي شبه الجزيرة العربية بتطوير لغتهم ونظام كتابتهم. وأصبحت الموانئ منذ القرن الأول موحدة تحت سيطرة مملكة عاصمتها أكسوم، وبينما كانت مدينة مروي تنهار، كانت مدينة أكسوم تزدهر. وكانت مميزة لمعمارها من الحجارة المميزة، لا سيما أعمدة استلا (مادة) المنقوشة والأعمدة الحجرية. وفي منتصف القرن الرابع تحول الملك عيزانا للمسيحية وارتبط بالكنيسة القبطية المصرية. وفي القرن السابع الميلادي أصبح البحر الأحمر تحت سيطرة المسلمين وفقدت أكسوم تجارتها واتصالها بالمحيط الهندي. وتلاشت المملكة في القرن العاشر. وأصبحت تابعة للكنيسة بإثيوبيا. وفي إثيوبيا (الحبشة) قامت في الهضبة الإثيوبية مملكة إثيوبيا سنة 800 م. وكان الفلاحون يفلحون الوديان الخصبة ويدفعون الضرائب للطبقة الحاكمة. وكانوا يشيدون الكنائس المنحوتة في الصخور التي ما زال معظمها قائما حتى اليوم. ومن حضارتها المسلات التي يصل ارتفاعها إلى 60 قدما، وكل مسلة عبارة عن كتلة جرانيتية واحدة. وكلمة إثيوبيا معناها «الوجه الأسمر». ومن أكبر قبائل الحبشة شعب أورومو من سكان مناطق أوروميا في الوسط والشرق والغرب والجنوب الشرقي. ولقد أطلق عليها في التوراة «حبشت». وتعني كلمة «الحبشة» في اللسان العربي: الأجناس المختلطة والمختلفة، في إشارة إلى التصاهر بين الساميين المهاجرين من جنوب الجزيرة العربية والحاميين الكوشيين من سكان البلد الأصليين.

وخلال الجزء الأول من تاريخها، حكم إثيوبيا العديد من الأباطرة، ويعد الإمبراطور مينيليك الثاني الذي اعتلى العرش في عام 1889م من أكثر الأباطرة شهرة حيث قام بالسيطرة على الممالك الصغيرة ووحد الإمبراطورية الإثيوبية، وزاد هذا من رقعة الأراضي الإثيوبية، ومما زاد من شعبيته انتصاره على الجيش الإيطالي في عام 1896م الأمر الذي أدى إلى زيادة سيطرته على البلاد، كما اكتسب الكثير من الاحترام والحب من قبل شعبه، ومن إنجازاته أيضا أنه جعل من أديس أبابا عاصمة للبلاد، ومد السكك الحديدية بين كل من أديس أبابا وجيبوتي، وقام بتأسيس المستشفيات والمدارس بالدولة، وتوفى هذا الإمبراطور في عام 1913 ليتولى من بعده ابنه الأكبر ثم أطيح به وتولت من بعده الإمبراطورة زوديتو وهي أيضا إحدى أبناء مينيليك، وبعد وفاتها صعد تافاري إلى العرش وعرف باسم هيلاسيلاسي الأول.

شهدت إثيوبيا عددا من المعارك والحروب خلال تاريخها، ولعل أهمها ما حدث في عام 1935م حيث قامت إيطاليا بغزو إثيوبيا التي عانت من استبداد وبطش الحكم الإيطالي، وظلت هكذا سنوات إلى أن تمكنت الجيوش الإثيوبية بمساعدة الجيوش البريطانية من طرد القوات الإيطالية، وكان ذلك في أثناء الحرب العالمية الثانية في عام 1941م.

في عام 1961م اندلعت حرب جديدة بين كل من إثيوبيا وإريتريا التي سعت من أجل الاستقلال والتحرر من السلطة الإثيوبية، وبالفعل نجحت إريتريا في الانفصال لتترك إثيوبيا دولة حبيسة ليس لها أي منافذ بحرية، وتكرر الحدث نفسه مع الصومال، حيث طالبت هي الأخرى بأحقيتها بمنطقة أوغادين الواقعة في الجزء الجنوبي الشرقي من إثيوبيا واندلعت حرب جديدة في فترة السبعينات بين كل من إثيوبيا والصومال بسبب النزاع على هذه المنطقة، ثم تم توقيع معاهدة سلام بين الطرفين في عام 1988م.

ومن كبرى المدن الإثيوبية التي تحظى بخلفية تاريخية العاصمة أديس أبابا أو «فينفين» التي تعني «الوردة الجميلة»، هذا الاسم الذي أطلقه عليها الإمبراطور الإثيوبي مينيليك الثاني الذي قام بتأسيسها في عام 1885م، ثم أصبحت عاصمة للبلاد في عام 1893م، ثم مركزا لحكومة الإمبراطور هيلاسيلاسي الأول في عام 1931م، وخضعت بعد ذلك للاحتلال الإيطالي في الفترة ما بين عامي 1936 - 1941م، ثم حظيت أديس أبابا بأهمية سياسية دولية منذ عام 1963م حيث جرى فيها أول لقاء لرؤساء حكومات الدول الأفريقية الذي نتج عنه تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية، وأصبحت أديس أبابا المقر الرسمي لها.

يتركز في أديس أبابا أكثر من ثلث سكان إثيوبيا، كما تحظى هذه المدينة بأهمية اقتصادية واجتماعية عالية، وذلك نظرا لتركز العديد من المؤسسات والمنظمات الإقليمية والدولية بها، بالإضافة لكونها مركزا للحكومة الإثيوبية، كما تعد مركزا صناعيا واقتصاديا مهما حيث تتركز بها العديد من الصناعات، سواء الصناعات الخفيفة أو الصناعات الثقيلة كالحديد والصلب، والإسمنت.

وهناك مدينة بحر دار، شمال شرقي إثيوبيا، وتبعد عن أديس أبابا 585 كيلومترا، التي تعد لوحة طبيعية غاية في الجمال حيث تحتضن بحيرة تانا التي تضم 37 جزيرة ويعود تاريخها إلى 14 مليون سنة، وتبلغ مساحتها 3673 كيلومترا مربعا، يمتد عرضها على مساحة 65 كيلومترا شرقا وغربا، وطولها على 80 كيلومترا شمالا وجنوبا، فيما يبلغ ارتفاعها 1820 مترا، ومتوسط عمقها يصل إلى 9 كيلومترات.

وللنيل عدد من المصادر المائية المغذية، وظل النهر الصغير (جلجل، تنش اباي) يمثل المصدر الرئيسي لمياه البحيرة، كما يمثل المصدر الرئيسي لمياه النيل الأزرق أحد أهم روافد النيل الكبير، الذي يمتد على مسافة 5600 كلم بدءا من هذا المكان عند مدينة بحر دار وحتى البحر الأبيض المتوسط بالقرب من مدينة الإسكندرية في مصر، 800 كلم من مساحة النهر تقع داخل الأراضي الإثيوبية، منها 400 كلم تتمدد وسط الأحراش والجروف الحادة والصخور البركانية العالية.

ويحمل النيل الأزرق سنويا 48 مليار متر مكعب من المياه، 3.3 مليون متر مكعب تتبخر منه في أراض يقطنها نحو 120 ألف نسمة داخل الأراضي الإثيوبية، ويزحف متعرجا كثعبان ضخم على مساحة مسطحة لمسافة 32 كلم متجها نحو الأسفل شمالا عقب مغادرته بحيرة تانا.

وعند منطقة الشلال على مشارف مدينة بحر دار، يرمي النهر بنفسه على جرف حاد غير عابئ بالارتفاع البالغ 45 مترا وعرض 400 متر في أكثر الشلالات المائية الطبيعية في العالم إثارة للدهشة.

ونظمت الخطوط الجوية الإثيوبية عبر مدير محطة الرياض فتحي كامل أبو بكر شريف رحلة إلى إثيوبيا لعدد من المطبوعات الدولية والمحلية في السعودية منها «الشرق الأوسط»، وأتيح للوفد لقاءات مع عدد من المسؤولين في وزارة السياحة والخارجية والشركات السياحية والفنادق ومقدم الخدمة في العاصمة الإثيوبية، كما نظمت زيارات للمعالم السياحية في الدولة الواعدة.

وأجمع المسؤولون الإثيوبيون على أن بلادهم تملك من المقومات السياحية والاقتصادية ومجالات الاستثمارات المختلفة الشيء الكثير لكنها تفتقر إلى بنية تحتية للمساهمة في توظيف هذه المقومات واستغلالها الاستغلال الأمثل، لكن هناك توجهات جادة وإجراء تعديلات جذرية على قوانين الاستثمار، معتبرين أن السعودية والصين وروسيا تمثل أقطاب الاستثمار في إثيوبيا، كما تم إقرار تسهيلات لبناء الفنادق والمنتجعات ومنح تراخيص لوكلاء السياحة والسفر وتفعيل الدعاية والإعلان، وتوفير الأجواء المناسبة للاستثمار الأجنبي والمحلي داخل البلاد.

وأشاروا إلى أن الشريحة المستهدفة في مجال السياحة تتجه إلى الجنسيات غير العربية والإسلامية بحكم أنهم يملكون القدرة على التعامل مع هذه الجنسيات رغم القناعة بأهمية السائح العربي، خصوصا الشريحة العائلية العربية التي تحتاج إلى ترتيبات خاصة، لافتين إلى أن هناك دراسة عن الدول المصدرة للسياح وتأتي السعودية ودول الخليج في مقدمة الفئة المستهدفة لاستقطابهم إلى إثيوبيا.

وقد تم في هذا الصدد إصدار تراخيص لـ250 شركة تعمل في مجال القطاع السياحي إضافة إلى وجود جمعية أهلية تضم 150 عضوا مهمتها البحث عن آفاق جديدة وآليات لتفعيل وتنشيط القطاع في إثيوبيا مما يعطي السائح السعودي والخليجي حضورا في ذلك.

ويشكل الطيران قاسما مشتركا للوصول إلى المناطق السياحية في إثيوبيا. ووفقا لمديرها العام تولد جير مريم، فقد نجحت «الخطوط الإثيوبية» التي تعد من أقدم شركات الطيران في القارة السمراء وتأسست عام 1945م، في نقل ثلاثة ملايين سائح خلال العام الماضي، مما شجعها على السعي لأن تكون بعد عقد أرقى خطوط جوية في أفريقيا انطلاقا من قدمها وعلاقتها القديمة مع شركة «بيونغ» العالمية، وامتلاكها أسطولا من الطائرات ومعهدا للتدريب على الطيران يلتحق به الدارسون من مختلف أنحاء العالم، إضافة إلى مركز لصيانة الطائرات يعد من أفضل مراكز الصيانة على مستوى العالم، وسجلت «الإثيوبية» نسبة 98 في المائة في مجال الانضباط في مواعيد إقلاعها ووصولها ومن وإلى محطاتها الداخلية والخارجية.