الإسكندرية تتجمل لاستقبال المصطافين

غنى لها سيد درويش: البحر بيضحك ليه وأنا نازله ادلع أملا القلل

شواطئ الإسكندرية عروس المتوسط
TT

تتأهب مدينة الإسكندرية «عروس المتوسط» لاستقبال عشاقها من المصطافين المصريين والعرب والأجانب، فلا تزال مدينة الإسكندر قادرة على أن تجدد سحرها وتمنحك نفسها كل يوم بشكل جديد، وتتباهى بذلك رغم مزاحمة الكثير من الشواطئ والقرى والمدن السياحية لها.

تتنوع مصايف الإسكندرية بشكل فريد، فبعضها كرنفالي له نكهة شعبية محببة مثل شواطئ سيدي بشر والمندرة والعصافرة، وميامي، وبعضها يتسم بوقار أرستقراطي يكرس للتأنق والتأمل في رقصات الأمواج ونسيمها الخلاب مثل المعمورة، وبعضها الآخر مفعم بروح ملكية، خاصة في منطقتي المنتزه المحاطة بمساحات من الخضرة والحدائق الغناء، والقصور الملكية.. مما يجعل عروس المتوسط مصيفا مفتوحا لكل الطبقات.

على شاطئ الإسكندرية، لا تخجل من أن تبتسم وتتحول ابتسامتك إلى قهقهات لها إيقاع ورنين، فأنت هنا في «شط الهوى» كما غنت لها عصفورة الطرب العربي فيروز، وغازلها فنان الشعب سيد درويش برائعته الغنائية «البحر بيضحك ليه وأنا نازله ادلع أملا القلل».. أيضا لا تخجل إذا اهتز جسدك بشكل عفوي وتلقائي تحت خيوط الشمس الذهبية، وهي تستعد للشروق أو تلوح لك بشارة اللقاء في صبيحة اليوم التالي.. فقط استرخ، وافتح ذراعيك للدنيا، وانس همومها وكدرها فأنت في الإسكندرية، في حضرة جمال الروح والجسد، في عرس البحر والشطوط.

مع بداية شهر يونيو (حزيران) تستعد عروس المتوسط لاستقبال عشاقها، حيث يبدأ الموسم الصيفي، ويستمر حتى شهر سبتمبر (أيلول) من كل عام.. تقوم إدارات الشواطئ بالمحافظة بعد الانتهاء من أعمال الصيانة بتجميل الشواطئ، ونشر الشماسي على الرمال أمام البحر، كما تقوم المطاعم والمقاهي والباعة الجائلون بتجهيز الأعمال والتفنن في عرضها بشكل جذاب لاستمتاع المصطافين بالفترة التي يقيمون فيها بالإسكندرية، فكل ما يأتي في مخيلتك ستجده أمامك. ولا يألو رجال المرور جهدا للحفاظ على انسيابية المرور كما لوحظ خلال هذه الأيام انتشار رجال المرور الملحوظ لتسيير حركة السير حتى لا تحدث حالة من الزحام.

أمام البحر تجلس الأسر تحت الشماسي منذ الساعات الأولى من شروق الشمس، تستمتع بنسيم البحر وبالمياه الزرقاء ويتذكرون الذكريات الجميلة وأيام الشباب، أما الأطفال فيسبحون في المياه ويلعبون بالكرة وبطائرات البحر التي تحلق في السماء الصافية، وبعد غروب الشمس تغادر الأسر المياه وتذهب لتناول الغداء في المطاعم المنتشرة على كورنيش البحر ويذهبون إلى المقاهي أو دور عرض السينما لمشاهدة أفلام الصيف، وبعد قضائهم وقتا ممتعا يعودون مره أخرى إلى البحر، ويجلسون على الكورنيش يأكلون الذرة المشوي والترمس واللب والسوداني وحلوى الفريسكا التي تشتهر بها شواطئ الإسكندرية، وتستمر السهرة حتى الأوقات الأولى من الصباح.

«الذرة المشوي.. ينعنش القلب».. هكذا تنادي أم محمود بائعة الذرة، وصهد النار، يتراقص على إيقاع صوتها الأربعيني، ويتناثر في رذاذ الشاطئ، لجلب المصيفين لشراء الذرة المشوي على الفحم، قالت «بيع الذرة ده شغلنا وربنا يرزقنا والناس أتت منذ عدة أيام من محافظات كثيرة، وبيحبوا يشتروا الذرة مني».

أما بائع الترمس العجوز «عمي أحمد» فيقول: «الصيف موسم الترمس، وأنا باحرص على أن يكون مستويا وطعمه لذيذ، وباحرص على أن تكون عربتي جميلة ونظيفة، تزينها القلل القناوي، لشرب الماء، المعطر بأعواد النعناع».

يضيف: «الترمس مفيد، يقوي القلب، ويخفف من آلام مرضى السكر، وأنا باضيف عليه عصير الليمون، وشطة خفيفة، حسب طلب الزبون.. وربنا هو الرزاق».

موسم الصيف لهذا العام له طابع خاص لأنه أول موسم صيفي بعد أحداث ثورة 25 يناير التي أطاحت بنظام الرئيس السابق حسني مبارك، وكان هناك تخوف من عدم قدوم المصيفين بنسبة كبيرة مقارنة بالسنوات الماضية، خاصة بعد حالة الانفلات الأمني التي شهدتها البلاد. لكن حسن أيوب صراف تذاكر في أحد الشواطئ ذات رسم الدخول الرمزي قال لي: «مهما حدث لا يستطيع المصريون والعرب الابتعاد عن الإسكندرية، ومنذ أسبوع هناك إقبال كبير على الشواطئ والمقبلون من خارج الإسكندرية والعرب أيضا، أنا أعمل في بيع التذاكر على الشاطئ منذ أكثر من 15 سنة، وأعرف أهالي الإسكندرية جيدا، يوم الجمعة قبل الماضية شهد زحاما على الشواطئ، وسوف يزداد الزحام بعد الانتهاء من موسم الامتحانات وستمتلئ الإسكندرية بالمصيفين من كل مكان».

أمام البحر وتحت إحدى المظلات كان يجلس أستاذ أسامة مع أسرته المكونة من 3 أفراد، قال بنبرة حماس: «سر قدومي للإسكندرية هواؤها النقي، كما أن بحرها لا يمكن أن نستغني عنه نحن بمجرد انتهاء امتحانات أحمد (ابنه الذي يدرس في الصف الثالث الابتدائي) أعددنا عدة الصيف وجئنا من القاهرة، سنزور القلعة ومكتبة الإسكندرية والأسواق الشعبية، والمتاحف والأماكن الأثرية، وسنركب المراكب.. هذا هو جدول رحلتنا الأسبوعي وبعدها سنعود إلى القاهرة وسنأتي للإسكندرية مره أخرى مع أقاربنا».

أما عبد الرحمن، شاب مصري فبمجرد أن أخبرته عمته عن ذهابها إلى الإسكندرية لم يتردد للحظة وأخذ يعد حقائب السفر، وقال: «الجو جميل جدا ومنظر البحر أكثر من رائع مدينة الإسكندرية بها شيء غريب، وهو أنك إذا أتيت إليها كل عام لا تكل ولا تمل، دائما ما تشعر أن هناك جديدا، دائما ما تستمتع بالبحر، فقط إذا جلست أمامه لا تحتاج إلى شيء آخر».

وقال هشام عبد العزيز بائع أطواق وطائرات البحر الورقية التي يعشقها الصغار والذي يعمل منذ عام في هذا المجال: «بدأ موسم الصيف خلاص، انظر إلى الشاطئ هناك إقبال كبير من المصيفين والمطاعم والمقاهي ممتلئة بالناس، لا شيء سيؤثر على إقبال الناس الحمد لله البلد بخير، أنا سعيد بعملي رغم العائد المادي البسيط إلا أنني أشارك في فرحة الأطفال بشرائهم الطائرات».

تتجمل الإسكندرية كعروس يتجدد زفافها كل عام، وتبتسم وهي ترى الكل مشغولا في عمله.. إبراهيم محسن، شاب يعمل في أحد المقاهي الواقعة على الكورنيش أخبرنا أن المقهى أصابته بعد التلفيات خلال أحداث الثورة، «ولكن الآن نقوم ببعض الإصلاحات التي ستنتهي خلال يومين، كما أن المصطافين يقبلون على الإسكندرية منذ أسبوعين وها هم يملأون الشواطئ ونريد أن نكسب يا أستاذ».

طارق شاب ليبي كان يجلس في أحد المقاهي المطلة على البحر، قال: «الليبيون يحبون هواء الإسكندرية ويقبلون كل صيف منذ بداية شهر يونيو (حزيران) للاستمتاع بجوها»، وأخبرني طارق أنه هنا مع أقاربه وسيظلون في الإسكندرية حتى شهر رمضان المقبل فهذه عادة موسمية، يحرص عليها العديد من الليبيين في كل عام يأتون إلى الإسكندرية.

ومن أجل عيون عشاق الإسكندرية، وتنشيط حركة السياحة الوافدة إليها قدمت شركة «مصر للطيران» تسهيلات ومميزات كبيرة في أسعار التذاكر وإجراءات الوزن للركاب المسافرين عبر الرحلة اليومية المباشرة التي بدأ تسييرها منتصف شهر يونيو الماضي من مطار النزهة بالإسكندرية إلى دبي. وقال علي محروس مدير شركة «مصر للطيران» بالإسكندرية إن هذا الخط الجديد سيمثل لمصر للطيران ولعملائها نقطة تواصل جديدة بين دولتي مصر والإمارات العربية المتحدة. وأضاف محروس أن الإسكندرية تمثل واحدة من مدن الجذب السياحي المهمة في مصر، وعلى هذا بدأت «مصر للطيران» تسيير رحلاتها من الإسكندرية إلى دبي بطراز «إيرباص 320/200»، الذي يحتوي على 145 مقعدا، لتتناسب مع السفر إلى النقاط القصيرة والمتوسطة المدى، وتغادر هذه الرحلات من مطار النزهة بالإسكندرية، لتوفير الكثير من الوقت والجهد على ركاب الرحلة.