تورينو الإيطالية .. فلسفة وسيارات ومعارض فنية

تتمتع بموقع سياحي أوروبي مهم بالقرب من فرنسا وسويسرا

مدينة تشتهر بمبانيها التقليدية
TT

تعد مدينة تورينو من المدن الإيطالية والأوروبية المهمة والمزدهرة على الكثير من الأصعدة التجارية والثقافية والمعمارية والسياسية، على الرغم من صغر حجمها، حيث لا يتعدى عدد سكانها المليون نسمة. وهي من الناحية الجغرافية تقع في شمال غرب إيطاليا على الضفة الغربية لنهر بو المعروف. وهي أيضا عاصمة مقاطعة تورينو وإقليم بييمونتي، ولا تبعد عن الحدود الفرنسية السويسرية أكثر من 100 كم، وقريبة نسبيا من الكثير من المدن الإيطالية مثل ميلانو وفيرونا وجنوا وبولونيا والبندقية في الشمال، وعدد آخر لا يستهان به من المدن الأوروبية المهمة مثل مارسيليا وليون في فرنسا وجنيف ولوزان وبيرن وزيوريخ في سويسرا. وهذا بالطبع يجعل منها مدينة استراتيجية من الناحية السياحية.

ولا تزال المدينة رغم تراجع أهميتها تاريخيا، من المدن الأوروبية المتقدمة على الصعيد التقني، إذ إنها تقع على مفترق طرق أوروبي رئيسي للتجارة والصناعة، وتعتبر حاليا من أهم المراكز الصناعية الرئيسية في البلاد، باعتبارها جزءا من «المثلث الصناعي»، إلى جانب مدينتي ميلانو وجنوا. وكانت تضم مصنع «لونغوتو» للسيارات الذي كان أكبر مصنع للسيارات في العالم قبل تحوله إلى مركز صناعي وتجاري وثقافي حديث. كما تأتي في المرتبة الثالثة بعد العاصمة روما وميلانو من الناحية الاقتصادية. وبسبب إنتاجها المحلي الإجمالي الكبير الذي يصل تقريبا إلى 60 مليار يورو في السنة، جاءت في المرتبة الـ78 في ترتيب أغنى المدن في العالم من ناحية القوة الشرائية. وعلى هذا الصعيد تعتبر تورينو أيضا مركز صناعة الآليات أو المركبات في إيطاليا، حيث تحتضن المقرات الرئيسية لعدد من الشركات مثل «فيات» (تأسست عام 1899) و«ألفا روميو» و«لانسيا» (تأسست عام 1906). كما تلعب المدينة دورا كبيرا ومهما في بناء محطة الفضاء الدولية عبر شركة الصناعات الفضائية «ألينيا» التي تتركز فيها ويتوقع أن تحتضن الشركة التي ستدير إنتاج وإطلاق أقمار «اريان 5» الفضائية في المستقبل، وكانت مركزا مهما لوسائل الإعلام والاتصالات الإيطالية.

تاريخيا، كانت المدينة المركز السياسي الرئيسي في أوروبا الغربية وأول عاصمة لدولة إيطاليا الحديثة. وقد لعبت دورا كبيرا في تأسيس إيطاليا الحديثة كدولة عام 1861 قبل أفول نجم الأسرة الملكية الحاكمة آنذاك من سلالة سافوي التي بسطت سلطانها هناك منذ بداية القرن السادس عشر، وقبل انهيار ما يعرف بمملكة سردينيا. لكن المدينة فقدت أهميتها هذه بالطبع بعد الحرب العالمية الثانية كما يؤكد المؤرخون.

وبسبب هذه الأهمية التاريخية في شمال إيطاليا، ولأنها كانت وطن العديد من الشخصيات السياسية والثقافية البارزة في التاريخ الأوروبي الحديث، أطلق عليها اسم «مهد الحرية الإيطالية». ومن تلك الشخصيات كاميليو باولو فيليبو كونت كافور المعروف بكافور الذي يعتبر الأب الروحي لإيطاليا الموحد وكان أول رئيس وزراء لمملكة إيطاليا بعد مملكة سردينيا. كما سكن في المدينة الكاتب والروائي والصحافي المعروف ايتاليو كالفينو الذي ولد في هافانا في كوبا في العشرينات، والذي كان من أهم كتاب ما بعد الحداثة والواقعية الجديدة، والكاتب والفيلسوف الحديث واللغوي وصاحب راوية «اسم الوردة» امبيرتو ايكو، والفيلسوف السياسي ومؤسس الحزب الشيوعي في البلاد أنطونيو غرامشي الذي يعتبر أهم المفكرين الماركسيين في القرن العشرين، بالإضافة إلى الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه الذي يعتبر أبا الوجودية والعدمية وما بعد الحداثة.

لكن الأهم من كل ذلك بالطبع، هو النواحي الثقافية والأكاديمية والعمرانية والسياحية، حيث تقول الموسوعة الحرة، كالكثير من الأدبيات السياحية التعريفية بالمدينة، إنها كانت تضم أفضل «الجامعات والكليات والأكاديميات وقاعات الألعاب الرياضية في إيطاليا» كجامعات البوليتكنيك التي يعتبرها البعض واحدة من أرقى الجامعات في إيطاليا والعالم في مجالات الهندسة خصوصا الهندسة المعمارية، وكلية تورينو للعلوم التطبيقية والمعهد الأوروبي للتصميم وجامعة عوني باجيو.

كما تعرف المدينة بـ«معارضها الفنية ومطاعمها وكنائسها وقصورها ودور الأوبرا وساحاتها ومتنزهاتها وحدائقها ومسارحها ومكتباتها ومتاحفها». وأكثر ما تعرف المدينة به هو فن الروكوكو الخاص بها. وتعني الكلمة في اللغة الفرنسية الصدفة أو المحارة التي لا تنم عن أشكال منتظمة وتضم خطوطا منحنية. وقد اختص هذا الفن بفن التزيين الداخلي في القرن الثامن عشر. كما تعرف تورينو أيضا بفنها وعمرانها الباروكي الذي بدأ في نهاية القرن السادس عشر ويتمتع بسعة الخيال والتفاصيل والجمع بين شتى الفنون الأدبية. ولا يمكن تجاهل أسلوبي الكلاسيكية الحديثة والآرت نوفو، والأخير أسلوب دولي في الفن والهندسة المعمارية (بلغ ذروته في القرن العشرين.. ويتميز بتصميماته المتجددة جدا.. وتصميماته ذات خطوط منحنية وأشكال الأزهار والأشكال المستوحاة من النباتات).

وتشير المعلومات المتوافرة بهذا الشأن إلى أن المهندس المعماري فيليبو يوفارا الذي ولد في جزيرة صقلية بنى الكثير من الساحات العامة والقلاع والحدائق والقصور في هذه المدينة الرائعة والمهمة. وقد كان يوفارا مغرما بالطرازين الباروكي والفيرسايي الكلاسيكيين، ولذا اعتمد عليهما في تصميم وبناء القصر الملكي، وبازيليكه سوبيرغا في جبل ساسي التي تعتبر من أهم النقاط الساخنة على صعيد السياحة الدينية المسيحية في البلاد. أضف إلى ذلك أيضا أن تورينو تضم متاحف مهمة جدا خصوصا المتحف المصري الذي يحتوي على كمية كبيرة من التحف والآثار المصرية القديمة والمتحف الوطني للسينما، فضلا عن القصر الصغير المعروف بـ«بالاتسينا دي كاكشيا» في ستوبينيجي إحدى ضواحي بلدة نيكيلينو الذي كانت تستخدمه عائلة سافوي الملكية ويعتبر تراثا بشريا يفترض الحفاظ عليه من قبل منظمة اليونيسكو التابعة للأمم المتحدة، إلى جانب كل القصور التي استخدمتها عائلة سافوي في الماضي كقصر ريالة. ولهذا ومن الناحية السياحية تأتي المدينة بين أهم مائتي محطة سياحية حول العالم وعاشر نقطة سياحية ساخنة في إيطاليا نفسها.

مهما يكن، فإن المدينة تقدم للسائح وجبة تاريخية دسمة لا تعوض كما هو الحال في بقية المدن الإيطالية التقليدية المعروفة، وتضم إلى جانب تلك المعالم، مبنى موله أنتونيليانا الذي يعتبر من أهم معالمها على الإطلاق. ويحمل المبنى اسم مصممه أليساندرو أنتونيليانا، وتم العمل في البداية لجعله كنيسا يهوديا قبل أن يتحول اليوم إلى متحف وطني. وتضم المدينة أيضا كاتدرائية سان جيوفاني التي يعود تاريخها إلى القرن الخامس عشر. وتقول الموسوعة الحرة إنها «أشهر كنيسة لكونها تحتوي على الغطاء التوريني الذي يعتقد أنه كان غطاء المسيح عليه السلام الذي كفن فيه». ولذلك أصبحت محجا للمسيحيين من كل حدب وصوب منذ سنوات طويلة. ومن المعالم التي لا يخطئها السائح أيضا قصر ماداما الذي يعود تاريخه إلى العصر الروماني، وقد تم بناؤه ليكون بوابة للمدينة في السابق ثم تحول في العصور الوسطى المظلمة إلى قلعة حصينة، قبل أن يتحول إلى قصر مع الوقت. وهناك تمثال عوني باجيو الشهير وسط المدينة الذي يجذب مئات آلاف من السياح سنويا، وكاتدرائية تورينو وكاستيلو ديل فالنتينو والملعب الأولمبي، المتعدد الاستخدامات. ويستخدم الملعب كل من ناديي يوفنتوس وتورينو.

تاريخيا، أنشأ الرومان المدينة في القرن الأول قبل الميلاد كمعسكر للجيش استخدمه لاحقا الإمبراطور أغسطس. ولا تزال بعض معالم تلك المدينة القديمة مثل شبكة الطرقات التقليدية ظاهرة للعيان حتى الآن في المدينة الحديثة. وبعد سقوط الإمبراطورية الرومانية، أصبحت تحت سيطرة ما يعرف باللومبارديين ثم الفرنجة. وتم ضمها في نهاية القرن الثالث عشر إلى دوقية سافوي وبناء العديد من الحدائق والقصور في القرن الخامس عشر عندما أعيد تصميم المدينة وتأسيس جامعة تورينو نفسها. وفي القرنين السابع والثامن عشر تم توسيع المدينة عمرانيا وإضافة الساحة الملكية المعروفة ببياتزا ريالي أو ساحة سان كارلو. وفي عام 1706 و«خلال معركة تورينو حاصر الفرنسيون المدينة 117 يوما دون الاستيلاء عليها». وبعد معاهدة أوتريخت ألحقت تورينو بمملكة سردينيا، وقام فيليبو يوفارا بإعادة تصميمها. وفي القرن التاسع عشر خسرت المدينة مكانتها كعاصمة للمملكة الإيطالية لحساب فلورنسا وبعدها إلى روما عام 1871.

وللهاربين من المواقع المهمة والمتاحف والقصور والتاريخ بشكل عام، يمكن لهم التمتع بالأحوال الجوية التي تتمتع بها المدينة، فالمدينة محاطة بسلسلة جبال الألب من الشمال والغرب وتلال بتورينو العالية من الشرق وبعض الأنهار، لذا عادة ما يكون مناخها مناخا رطبا شبه مداري وقاري لقربها من الجبال الباردة، فالشتاء فيها بارد وجاف، والصيف معتدل في المناطق المرتفعة وحار جدا في المناطق الزراعية الواطئة.

ويمكن للسياح القادرين على التنقل بسهولة استخدام تورينو كمحطة، يمكن من خلالها التعرف وزيارة الكثير من المدن الأوروبية المهاة كما ذكرنا سابقا، مثل مرسيليا وجنوا وميلانو وزيوريخ.

من فنادق تورينو:

• «فندق برينسيبي دي بييمونتي» (Hotel Principi di Piemonte).. العنوان: «Via Gobetti 15, Piazza Castello, 10123 Torino»، وهو فندق من فئة 5 نجوم وتكلف الغرفة الواحدة فيه ما لا يقل عن 144 يورو. ويضم الفندق 99 غرفة، ويتبع سلسلة فنادق «أتاهوتيلز». ويعتبر هذا الفندق من الفنادق الكبيرة والحديثة الفاخرة في المدينة ويعرف بواجهته المربعة والطويلة، ويقع في وسط المدينة بالقرب من المتحف المصري المعروف. وفضلا عن الخدمات الممتازة على مدار الساعة، فإنه بالإمكان من الفندق الإطلال على وسط المدينة بأكمله ورؤية معالمها ومحيطها الجميل من دون عائق. ويضم الفندق حماما تركيا إلى جانب المطاعم الممتازة وغرف النوم الرائعة الديكورات.

• فندق إيه سي تورينو التابع لفنادق ماريوت (AC Torino).. العنوان: «Via Bisalta 11, Lingotto, 10126 Torino».. وهو فندق من فئة الـ5 نجوم وتكلف الغرفة الواحدة فيه ما لا يقل عن 80 يورو، ويضم 89 غرفة من الطراز الأول. لا يبعد هذا الفندق أكثر من خمس دقائق عن مركز لينغوتو في الوسط التجاري للمدينة. وكان مبنى الفندق في الأساس مصنعا للمعكرونة في عام 1906، لكن تم تحويله بأناقة إلى فندق حديث من الطراز الأول ويتمتع بكل الخدمات التي تتمتع بها الفنادق الممتازة. ومن هذه الخدمات صالات التمارين الرياضية والحمامات التركية وشاشات التلفزيون الكبيرة بالإضافة إلى الحدائق والبلاكين. لا يبعد الفندق القريب من محطة سبيزيا أكثر من عشر دقائق عن محطة تورينو المركزية للقطارات، وهناك مواصلات على مدار الساعة للوصول إلى جميع أنحاء المدينة والمناطق المحيطة بها.