ليبيا ما بعد الثورة.. تتجمل للسياح

كثبان رملية ومسارح ومعابد رومانية و600 حديقة وأكثر

ليبيا بلاد التاريخ والحضارات
TT

تتمتع ليبيا بالكثير من الأماكن الخلابة التي تمتزج بالطبيعة الساحرة التي وهبها الله لها، فنجد واحات وكثبانا رملية وسلاسل من الجبال والمرتفعات والهضاب وسهولا ممتدة مكسوة بالأعشاب والنباتات الخضراء، بالإضافة إلى الآثار المتبقية التي خلدتها لها الحضارات من فينيقية ورومانية وبيزنطية، التي مرت عليها واستقرت بها لقرون من الزمان.

فعلى مرمى البصر ومنذ الدخول إلى الأراضي الليبية من الناحية الشرقية للبلاد حيث تنتهي الحدود المصرية، يلفت الانتباه وجود الرمال الصفراء وقِطعان الجمال التي تسير في الصحراء دون أن يعترضها شيء، فالرمال شديدة الحرارة وتلمع تحت أشعه الشمس، مما يعطي شعورا بأن ليبيا هي بلد رملية فقط ولا يوجد بها أماكن خضراء.

لكن بعد ما يزيد عن 300 كيلومتر يتضح لك أن الفكرة التي تتعلق بكون ليبيا صحراء جرداء أمر خاطئ، فمع وصولك إلى مدينة البيضاء، وبخاصة الجبل الأخضر، ترى أمام عينيك جبالا خضراء وأشجارا مزروعة على امتداد بصرك، كما يحظى الجبل الغربي بأهمية تاريخية، حيث كان سدا منيعا استخدمه المجاهدون بقيادة عمر المختار عام 1913م في وجه الاحتلال الإيطالي، الذي لم يستطيع التوغل داخل الجبل حيث كان قلعة المجاهدين الحصينة.

على إحدى قمم الجبل الأخضر تقع مدينة «شحات» أو «قوريني» والبعض ينطقها «كيريني»، وهي مدينة أثرية أسسها بعض المغامرين الإغريق عام 631 ق.م، وشهدت أوج ازدهارها من نشاط زراعي وتجاري في القرن الرابع قبل الميلاد، وتعتبر من أكبر المدن الأثرية الواقعة في شمال ليبيا، وتحوي آثارا تعود إلى عهود مختلفة تجعلها من أشهر معالم الحضارة المتميزة.

وتتمتع «شحات» بمناخ رائع وطبيعة ساحرة، حيث تحيطها الجبال الخضراء من كل الاتجاهات، ومن أبرز معالم المدينة التي تعد أقدم مدينة إغريقية أسست في ليبيا، الحمامات اليونانية ومعبد «زيوس» الفخم ومعبد أبولو والأغورا ومجلس الشورى، وقلعة الأكرابوليس، وفي العهد الروماني أدخل بعض التحوير على المباني اليونانية وشيد الكثير من المباني الجديدة، منها الحمامات الرومانية والمسرح ورواق هرقل والكثير من المعابد والنصب، والسور الخارجي الذي بني في القرنين الأول والثاني للميلاد، كما يوجد الكثير من الكنائس التي تعود إلى العهد البيزنطي.

كما تضم المدينة جبانة قوريني التي تتكون من مجموعة كبيرة من المقابر الرومانية المتنوعة، موزعة بين الجبانة الشمالية والجبانة الشرقية والجبانة الغربية والجبانة الجنوبية. وعلى بعد 15 كلم شرق المدينة يوجد كهف يرجع تاريخه إلى ما قبل التاريخ، حيث وجد فيه جمجمتان للإنسان النيدرتال.

فازت «شحات» بجائزة السياحة العالمية بمعرض لندن الدولي لعام 2009، بينما طالبت منظمة اليونيسكو في مارس (آذار) الماضي بحماية المواقع الأثرية في ليبيا من القصف والتدمير، وفي رسالة وجهتها المديرة العامة لليونيسكو، إيرينا بوكوفا، اعتبرت فيها أن ليبيا تضم آثارا ذات أهمية كبرى للإنسانية جمعاء. ويشار إلى أن هناك خمسة مواقع في ليبيا تصنفها اليونيسكو ضمن المواقع الأثرية العالمية التي طالبت اليونيسكو بحمايتها من القذف جراء الثورة التي اندلعت في 17 فبراير (شباط) الماضي، وأهمها مدينة غدامس البربرية القديمة الواقعة في الصحراء قرب الحدود التونسية والجزائرية، ومواقع تادرارت أكاكوس، وموقع شحات (قوريني)، وموقع لبدة وموقع سبراطة.

ويؤكد مجموعة من سكان مدينة شحات لـ«الشرق الأوسط» أن المدينة تحوي مسارح ومعابد متكاملة لا توجد في أي مكان في العالم إلا ليبيا، إلا أن نظام العقيد الراحل معمر القذافي طوال فترة حكمه، التي امتدت 42 عاما وانتهت بمقتله، كان لا يهتم بالسياحة ولا الآثار، حتى إن أماكن كثيرة أهملت ولم يروّج لها، مؤكدين أن السياحة في ليبيا ستحظى بإقبال شديد من زوار العالم بعد انتهاء ثورة 17 فبراير.

على بعد 20 كلم من مدينة شحات تقع مدينة سوسة، وهي مدينة ليبية صغيرة تقع على ساحل البحر المتوسط في الجبل الأخضر، التي تغنى بها المطربون والشعراء، ومدينة سوسة موجودة على أنقاض لمدينة أبولونيا القديمة التي تعتبر متحف آثار مفتوحا.

وتحظى سوسة بتاريخ عريق، حيث إنها ترجع إلى القرن السابع قبل الميلاد، أنشأها أول الأمر الإغريق بعد تأسيس مدينة شحات، وسموها أبولونيا تيمنا بالإله الإغريقي أبوللو إله الجمال والموسيقى لديهم، وكانت بادئ الأمر ميناء لمدينة شحات، إلا أنها تطورت إلى أن أصبحت عاصمة لإقليم المدن الخمس في القرن الخامس الميلادي في العصر البيزنطي، فعندما احتل الرومان الجبل الأخضر في القرن الأول قبل الميلاد أطلقوا على تلك المنطقة منطقة المدن الخمس لاحتوائها على خمسة مراكز عمرانية كبيرة هي قوريني (شحات)، أبولونيا (سوسة)، بطوليمايس (طلميثة)، يوهيسبرديس - برنيقي (بنغازي)، وتوكره (العقورية).

ويوجد بسوسة موقع أثري ما زال تحت البحث والتنقيب يحتوي على آثار إغريقية ورومانية وبيزنطية، وللمدينة سور خارجي تم بناؤه في العصر الهليني وأعيد ترميمه في العصر الروماني، ومن معالم المدينة الباقية الجزء الحصين من المدينة، أي «الأكروبوليس» والكنيسة ذات الحنية الثلاثية التصميم القائمة خارج الأسوار، والحمامات التي تجاور آثار القصر البيزنطي مقر الحكم في القرن السادس الميلادي.

أما مدينة «طلميثة» الأثرية فتقع في شمال شرقي ليبيا، تبعد عن مدينة المرج 20 كلم شمالا، وهي محرفة عن اسم المدينة القديمة بطوليمايس، وقد أسست في القرن السادس قبل الميلاد كمرسى لمدينة بارشي، المرج حاليا، وهي مركز يمتاز بجمال الطبيعة بين البحر والجبل والغابات، ومن آثارها المدافن البطلمية، الصهريج العظيم، المسرح الروماني، وتعتبر المدينة من أهم المواقع الأثرية بالمنطقة. في مدينة صبراتة ستجد أن أهم معالمها المسرح الروماني، وهو أفضل مسرح روماني في العالم، كما أنها تشتهر بشاطئ رملي على البحر الأبيض المتوسط تطل عليه غابات الصنوبر والمتنزهات، مثل متنزه صبراتة العائلي، وحديقة الحيوانات. إذا وصلت إلى جنوب غربي ليبيا فإنك تكون في منطقة جبال أكاكوس أو تدرارت أكاكوس، تلك الجبال الصخرية التي تمتاز بألوانها الجميلة والأحجار والصخور الضخمة، التي كانت تعرف بـ«فزان» وقت العهد الملكي، وتقع ضمن الصحراء الكبرى، وأقرب مدينة إليها هي غات الأثرية.

يوجد في أكاكوس مجموعة مختلفة من المناظر الطبيعية، من الرياح الرملية الملونة إلى الأقواس الصخرية والأحجار الضخمة إلى الوديان، ومن أهم المواقع في المنطقة قوس افازاجار وقوس تن خلجة، ورغم أن المنطقة من أشد المناطق القاحلة في الصحراء الكبرى، فإنه يوجد بها بعض النباتات مثل نبات الكالوتروبيس.

وتحمل الصخور في كهوف أكاكوس في ليبيا رسومات ونقوشا لحيوانات وبشر، مثل الزرافات والفيلة والنعام والجمال وأيضا مجموعة من الناس والأحصنة، وصور رجال تصور مواضع الحياة المختلفة للإنسان القديم، مثلا في حالة عزف الموسيقى والرقص، وهو ما يعكس التغير في الطبيعة في المنطقة. وتشتهر هذه المنطقة بكهوفها القديمة، الغنية بمجموعة المنحوتات واللوحات المرسومة على الصخر، وقد أعلنت اليونيسكو في عام 1985 أن المنطقة موقع للتراث العالمي، بسبب أهمية هذه اللوحات والمنحوتات التي يعود تاريخ بعضها إلى 21 ألف عام.

لعل أكثر المناطق في ليبيا جاذبية هي بحيرة «قبر عون»، التي تقع في عمق الصحراء الليبية جهة الجنوب، ويطوق البحيرة حزام من أشجار النخيل، وتعانقها الكثبان الرملية من جميع النواحي، ومياهها شديدة الملوحة، وإلى جانب البحيرة ولأمتار معدودة إذا تم الحفر باليد فمن السهل وجود مياه عذبة يستطيع المارة الارتواء منها.

أما منطقة «واو الناموس» فهي تعد لوحة زاخرة بالجمال، لاحتوائها على مناظر طبيعية خلابة، وكأن تضاريسها وألوانها لوحة لسطح القمر أو المريخ، فهي تعد من بين المواقع النادرة التي تتسم بطابع الغرابة الموجودة على كوكب الأرض، فهي عبارة عن جبل بركاني خامد منذ أمد بعيد يقع في أقصى بقاع الأرض الصحراوية، تزخرفه ثلاث بحيرات هلالية الشكل.

من أهم مناطق الجذب السياحي في ليبيا، صحراء «بحر الرمال العظيم»، وهي صحراء تقع في شمال أفريقيا، وتشمل الصحارى الموجودة في جنوب غربي مصر وشرق ليبيا وشمال غربي السودان، ومن ظواهر الجذب الصحراوية الأخرى أراضي السرير والحمادات، وأهمها سرير تيبستي، أما الحمادات فأشهرها الحمادة الحمراء وحمادة تنغرت، وتعتبر التكوينات الصخرية المتأثرة بعوامل التعرية الهوائية كالحصى المتعدد الأشكال من الظواهر الفريدة التي تغطي سطح الحمادات والسرير.

أما العاصمة طرابلس فهي مقامة على رأس صخري مطل على البحر الأبيض المتوسط، وتعد المدينة القديمة في وسط طرابلس أحد أبرز أماكن الجذب السياحي فيها، وتعود الحركة النشطة فيها إلى تاريخ ليس بالقريب، وأبرز تلك المراحل كانت أثناء العهد العثماني والقرنامللي، حيث كانت طرابلس مركزا للتجارة العابرة للصحراء إلى البحر الأبيض المتوسط عبر ميناء المدينة، ولا تزال المباني المشيدة في تلك المرحلة، خصوصا الفنادق القديمة، باقية ومستقطبة للزوار، ومن أبرز الفنادق السياحية القديمة فندق «زميت»، الذي يعود إنشاؤه إلى عام 1883م، والذي تم صيانته وإعادة توظيفه عام 2006.

وتتنوع الأنشطة السياحية في طرابلس بين سياحة ثقافية وترفيهية، من متاحف وحدائق وأماكن تسوق ومطاعم تقدم الوجبات التقليدية الليبية، ومطاعم حديثة، كما تحوي المدينة عددا من الفنادق والقرى السياحية الحديثة التي تنشط صيفا.

على بعد 120 كيلومترا شرق طرابلس تقع مدينة لبدة، التي كانت من أبرز مدن الشمال الأفريقي في عصر الإمبراطورية الرومانية. وهي مصنفة من قبل اليونيسكو ضمن قائمة مواقع التراث العالمي في ليبيا، وذلك منذ عام 1982.

وفي عام 2006 قام فريق من الأثريين التابعين لجامعة هامبورغ الألمانية باستكشاف أرضية من الموزاييك طولها 30 قدما في لبدة، تعود إلى الفترة بين القرن الأول والثاني ميلادي، هذه القطع تبين محاربا في معركة مع غزال، و4 رجال يصارعون ثورا بريا على الأرض، ومُصارع يسترخي على الأرض في حالة إعياء، وهذه القطعة الجميلة تزيين حماما في فيلا رومانية، وهي معروضة حاليا بمتحف لبدة.

ولعل أهم معالم المدينة مبنى السوق البونيقية الذي أنشئ في عام 8 ق.م، والمسرح نصف الدائري الذي أنشئ في السنة الأولى قبل الميلاد، ومبنى الكالكيديكوم في سنة 11م، ثم توالى إنشاء المباني الأخرى خلال القرن الأول والثاني الميلاديين، التي من بينها حمامات الإمبراطور هادريان (أقيمت بين عامي 126م و127م) وجددت في عهد الإمبراطور سبتيموس سويروس.

أما مدينة بنغازي فلا تحوي أماكن أثرية، رغم توقع الكثير من الأثريين وجود آثار غارقة أسفل المدينة، لكن بدأ الاهتمام بالنشاط السياحي في المدينة خلال السنوات القليلة الماضية، وذلك عبر عدة مشاريع سياحية وفندقية متوقعة لاستهداف السياحة الأوروبية المتزايدة، بالإضافة إلى المشاريع السياحية التي يتم تنفيذها في بنغازي كمشروع البحيرات الشمالية، ويبلغ عدد الحدائق العامة مختلفة الأحجام في المدينة 600 حديقة عامة، كما تشمل الكثير من الفنادق الرائعة التي تطل على البحر مباشرة.