«عالبال».. فندق «ولا في الخيال»

غرفه تحمل أسماء أغاني فيروز.. وصوتها يصدح في ثناياه

الفندق ينطق تراثا
TT

بسبب الأحداث التي تشهدها سوريا وتأثيرها السلبي على قطاع السياحة، لم يكن هناك أي نزيل في فندقهم الذي ولد قبل عدة أشهر كأحدث بيت دمشقي قديم يتحول إلى فندق تراثي في المدينة القديمة، إلا أن أصحاب فندق «عالبال» مصرون على أن يصدح صوت المطربة اللبنانية فيروز في أروقة الفندق منذ ساعات الصباح الأولى وحتى المساء. إنه نهج ساروا عليه منذ افتتاحهم لفندقهم كما فعلوا قبل ذلك عندما غامروا وأطلقوا أول كافيتريا وغاليري قبل نحو عشر سنوات أخذت الاسم نفسه (عالبال) في حي القيمرية بدمشق القديمة، فكانت المغامرة الناجحة لهم سببا في انتشار هذا النمط من المقاهي التراثية وصالات العرض الفنية في حارات وأزقة المدينة القديمة، والتي وصل عددها لأكثر من 500 مقهى ومطعم ونزل تراثي وفندق.

وفندق «عالبال» الذي جاء كأحدث فندق تراثي دمشقي مستنسخا تجربة الكافيتريا الناجحة جاء مغايرا أيضا للكثير من الفنادق الأخرى التي ربما تتشابه معه في مكوناته الداخلية ولكنه جاء مختلفا بنواح كثيرة تعطيه تميزا وتفردا، ولعل أبرزها إطلالته على أهم ساحة وبوابة تاريخية في دمشق القديمة وهي (باب توما)، حيث يمكن مشاهدة بناء الفندق وإضاءته مساء من أي مكان في الساحة الشهيرة التي تنطلق منها أجمل وأكثر سوق دمشقية ازدحاما وهي سوق القصاع من جهة الشمال في حين ينطلق من جنوبها واحد من أهم الشوارع السياحية بدمشق القديمة وهو شارع القشلة، والذي ينطلق وبشكل تدريجي مرتفعا قليلا عن الساحة لينتهي في الشارع المستقيم، هنا في بداية شارع القشلة من جهة (باب توما) وحيث الشارع المتعرج المتواتر ارتفاعا يتوضع فندق «عالبال» في بداية دخلة تدعى دخلة حمام البكري، والتي توصل هي الأخرى في نهايتها إلى حارات وأزقة دمشق القديمة، ولعل ما يميز الفندق أيضا ذلك المدخل العريض التراثي، حيث يصل طوله لعشرة أمتار تقريبا، والذي عليك أن تلجه قبل أن تصل لبابه الرئيسي وأنت تسير في بداية دخلة حمام البكري لتنعطف يمينا، حيث ترى مفردات الزقاق الدمشقي بكل جمالياتها متجسدة في هذا المدخل الأنيق، إذ حرص أيضا أصحاب الفندق على تزيينه بالورود والنباتات الدمشقية وعلقوا على جدرانه لوحة زجاجية كبيرة تضم صورا للفندق وأخرى لمعالم المدينة القديمة وخريطة جغرافية كدليل سياحي لمن يريد معرفة أين هو وكيف يتجه لمواقع تاريخية وسياحية في دمشق القديمة.

نقرع جرس الباب الرئيسي يستقبلنا مدير الفندق الشاب عطا نعمة، والذي كنا على موعد سابق معه ومع صوت فيروز يصدح في كل مكان بالفندق نتجول مع عطا، والذي يبتسم هو يوضح لنا أن السياح الأجانب من رواد الفندق تعودوا على صوت فيروز وهم يطالبوننا أحيانا بوضعها حتى في الساعات التي نوقف فيها صوت المسجل فأغاني فيروز نضعها من الصباح وحتى الظهر ومن ثم من المساء وحتى ساعات الليل الأولى لنضع بعدها أغاني تراثية وعزف على العود، نتجول مع عطا بحرية بين الغرف والأجنحة التي خلت في ذلك اليوم من النزلاء نتعرف معه على جماليات عمارة وتصميم هذا الفندق الجميل، والذي ينطق بالتراث في كل بقعة وزاوية منه فالفندق يتميز أيضا بكبر مساحته قياسا بالنزل الأخرى، حيث يمتد على مساحة 250 مترا مربعا بطابقين يضم 12 غرفة، ست في كل طابق وهناك غرفة مستقلة لوحدها ولها درج خاص بها جاءت في مفردات عمارة البيت وكأنها منزل مستقل أطلقنا عليها. يوضح عطا «اسم (درج الورد) وهناك التراس الذي يعلو سطح الفندق، حيث خصص لجلسات النزلاء الذين يمكنهم تناول فطورهم الصباحي فيه أو شرب الشاي والقهوة والكولا والعصير في المساء مع صوت فيروز والإطلالة الجميلة على ساحة باب توما ومنطقة القصاع ومشاهدة الكثير من معالم دمشق القديمة،وكما التراس يتيح هذه الرؤية الجميلة فإن هناك غرفة تسمح للنزلاء فيها بمتعة هذه الإطلالة وقد أطلق عليها اسم (الغرفة المنسية) وسبب التسمية كونها تتوضع على مسافة بعيدة نسبيا عن غرف الفندق الأخرى»، والفندق كان عبارة عن بيت قديم متهالك تم ترميمه وإصلاحه على مدى خمس سنوات ويتميز بمكونات تراثية حتى إن هناك، كما يقول عطا «غرفة في الفندق ندعوها (حنين) تضم مفردات معمارية أثرية متميزة، حيث ما زالت توجد فيها الزخارف والأقواس الأثرية».

وكما حرص أصحاب الفندق على المحافظة على عمارة الفندق التاريخية كانوا حريصين أيضا على تغطية فسحته السماوية بنموذجين متحركين وهما الشادر القماشي والغطاء الزجاجي مختلفين عن غيرهم من الفنادق الأخرى الذين يكتفون بالغطاء الزجاجي المتحرك فقط، والذي يتيح للضوء بالدخول للفسحة والباحة في حين يحجب أشعة الشمس في الصيف ومطر وبرودة الشتاء في حين أن الشادر القماشي يزيد من عتمة الليل ويعطيه طقسا شاعريا، كما كانوا حريصين على تزيينه وفرشه بأجمل المقتنيات التراثية ففي غرفه وأجنحته وبين زواياه نشاهد الخزائن الخشبية القديمة المزخرفة بالصدف البحري والنهري، والتي أنجزها حرفيون دمشقيون بشكل يدوي كما نشاهد الأرائك والكراسي والمرايا والطاولات المنفذة بفن الموزاييك وهناك الأسقف المتزاحمة بألوان العجمي الرائع، حيث يحتار النزيل والزائر إلى أي الأشياء ينجذب، ففي السقف مهرجان ألوان من الخشب المزخرف تتدلى منها الثريات التراثية القماشية والنحاسية وفي الجدران نوافذ رائعة مزودة بالزجاج المعشق التراثي الملون مع زخارف الخط العربي، بينما تزين بعض الجدران بلوحات فنية لرسامين معاصرين تم اقتناء أعمالهم من قبل إدارة الفندق وهي بمعظمها أعمال مستوحاة من دمشق القديمة وحتى أرضيات الغرف تحولت هي الأخرى إلى لوحة فنية من خلال تناوب رصفها بالبلاط التقليدي بأشكال هندسية وفي الباحة الرئيسية، والتي تزينها شجرة نارنج كبيرة ومعمرة وبجانب بحرته ونافورته والشلال الجميل الذي يتصدر أحد جدران الفسحة السماوية المبنية من حجر البازلت الأسود وفي ليوان الفندق وبين أروقته تنتشر النماذج التراثية التي كان الشوام يستخدمونها قبل عشرات السنين مثل محامص البن اليدوية وأواني دق الكبة النحاسية (الهون) والسماوة (الذي يحتفظ بالماء الساخن) لتقديم الشاي وبخاخة العطر القديمة التي كان يستخدما حلاقو أيام زمان وهناك الأواني الفضية المزخرفة والصواني النحاسية وغيرها.

الفندق كما يؤكد عطا يحاول جذب النزلاء وخاصة السياح الغربيين من خلال خدمات كثيرة يقدمها لهم ومنها استقبالهم في المطار والمجيء بهم إلى الفندق وتقديم القهوة العربية المرة ما إن تطأ رجلاه أرض الفندق مع حلوى شعبية بسيطة تدعى القضامة السكرية والقمر الدين بشكله الأسطواني والمغلف بالنايلون كما يقدم لهم (ميني بار) مجاني في الغرف، فيما يودع النزيل الذي يجلس في الفندق لفترة تزيد على عشرة أيام هدية للذكرى وهي عبارة عن صندوق خشبي مزين بالموازييك وبداخله شوكولاته دمشقية وملبس، وأخيرا كان لا بد أن يودعنا المدير الشاب عطا بمعلومة جميلة وهي أن عشق أصحاب الفندق لصوت فيروز جعلهم يطلقون على غرفه أسماء مأخوذة من أغاني فيروز فهناك غرفة: صبح ومسا، وحدن، ريما، زهرة البيلسان، درج الورد، حنين، المنسية، وحتى إنهم أطلقوا على واحدة من أجمل غرف الفندق اسم المطربة فيروز.

للمزيد من المعلومات www.albalhotel.com