مصر: استراحة «ماستر» بالطريق الصحراوي.. تجذب الرؤساء والفنانين والمصطافين

من زواره الأمير تشارلز والقذافي وهافيل وهيوغرانت وريتشارد غير

استراحة مميزة تجذب المشاهير العرب والأجانب («الشرق الأوسط»)
TT

ما أجمل أن يجد المسافر أو السائح مكانا يلتقط فيه الأنفاس، ويعيد شحذ البدن والخيال، من أجل مواصلة متعة السفر أو السياحة.. في مصر يبرز «الريست» أو «ماستر» حاليا، كمحطة متكاملة للراحة من عناء سفر طويل على الطريق الصحراوي، الذي يربط العاصمة القاهرة بعدد من المدن، من أبرزها الإسكندرية، ومنتجعات الساحل الشمالي على البحر المتوسط، ومدينة مرسى مطروح الساحلية.

كانت بداية مشروع «الاستراحة» مجرد فكرة عابرة طرأت في ذهن صاحبها في بداية الثمانينات من القرن الماضي، حين تساءل: «ما الذي يحتاج إليه المسافر على طريق سفر طويل كي يصبح مثل المسافرين على طرق السفر في أوروبا؟». كانت الإجابة عن هذا السؤال كما تقول شيرين ثابت كريمة رجل الأعمال الراحل إسماعيل ثابت صاحب هذه الاستراحة الشهيرة، ومديرتها حاليا، لـ«الشرق الأوسط»: «هي حجر الزاوية لتدشين أكبر وأقدم نقطة التقاء لكل مسافري مصر على الطريق الصحراوي، وقد تحول (ماستر) أو (الرست هاوس قديما) إلى منطقة التقاء ممتدة الأطراف بعد أن كانت في بدايتها مجرد محطة (ترانزيت) لراحة المسافر».

وتشير شيرين قائلة: «كانت البدايات صعبة، فالمنطقة كلها كانت صحراوية تماما في بداية الثمانيات، والبعض اعتبر ما فكر فيه والدي بأنه ضرب من الجنون، لكن والدي، أكرم الله مثواه، كان يتحسر كثيرا على حال المسافر المصري عندما يسافر مقارنة بطرق السفر الطويلة ما بين دول أوروبا مثل فرنسا وإيطاليا وألمانيا، فقرر أن يقدم خدمة مماثلة في مصر. وكان أهم ما أراده للمسافر (دورة مياه نظيفة، فنجان قهوة أو شاي مضبوط، خدمة سريعة للسيارة) على طريق السفر وبسعر مناسب لسائق السيارات الملاكي، والنصف نقل، والنقل، أو أي مسافر سواء كان معه عائلة أو كان بمفرده أو مع أصدقائه».

وعلى الرغم من صعوبة المنطقة وكيف كان وقتها طريق القاهرة - الإسكندرية المعروف لدى العامة بـ«مصر - إسكندرية» الصحراوي وعرا وغير معبد في بدايته، فإن حلم والدها كان أكبر من كل الصعوبات، وحسبما تتابع: «لقد كان التحدي الحقيقي هو إيجاد عمالة وموظفين يعملون في هذا المكان الذي ينتصف الطريق (220 كلم) ما بين القاهرة والإسكندرية، ولا يوجد أي عمران أو مناطق سكنية في عمق الصحراء! لكن اليوم يمكن القول إن الحلم تحول إلى حقيقة وأصبح هناك بلد اسمه (وادي النطرون)، أحد أهم المزارات الدينية المسيحية في مصر، تكونت بعد مرور 25 عاما من إقامة الاستراحة، وأصبح كل سكانها تقريبا يعملون معنا في (ماستر)».

وبمرور الوقت كبر الحلم وتحول إلى واقع ممتد على أطراف مترامية، يشمل مجموعة مطاعم، ومحلات للتسوق، وحديقة حيوان صغيرة، وملاعب للأطفال، ومزارع، وكافيهات، وغيرها، كما تقول شيرين ثابت: «يمكن القول إن الخدمة المتميزة والسمعة الطيبة والسعر المناسب والقيادة (الأبوية) التي أسسها والدي كأسلوب إدارة للمكان هي مفردات المعادلة الناجحة لأي مكان خدمي، فقد كان والدي رجلا عسكريا سابقا، وقد انعكس هذا في الانضباط والحرفية العالية مع التواضع، وقد أصبح هذا أساس التعامل مع كل الزوار، يحرص عليه أصغر عامل في المكان، وهذه أهم مسببات نجاح المكان واجتذابه في ما بعد لكل أطياف المجتمع، بداية من رؤساء الدول والحكام وصولا إلى البسطاء من المصريين الذين يدخرون أموالهم طوال العام لكي يحصلوا على أسبوع مصيف في مدينة الإسكندرية بأقل التكاليف، لدرجة أن الكثير من المصريين أصبحوا يقولون لي إذا لم نعرج على (ماستر) ونجلس فيه ولو لبضع دقائق فإننا لا نعتبر أنفسنا صيفنا».

وتكشف شيرين عن أن المكان استطاع أن يصنع لنفسه سمعة طيبة من خلال إطباق خاصة ومأكولات معينة أصبح يأتي لتناولها كبار رجال الدولة وصفوة المجتمع لدرجة أن الكثير من رؤساء الدول كانوا يمرون على «ماستر» كمعلم له شهرته في مصر، ويطلبون إطباقهم الخاصة التي سمعوا عنها، قائلة: «لقد زارنا الكثير من رؤساء وملوك الدول العربية والأجنبية، مثل الأمير تشارلز، والعقيد الراحل معمر القذافي، وابن عمه أحمد قذاف الدم، وفاتسلاف كلاوس (الرئيس التشيكي الراحل)، وتوني بلير (رئيس الوزراء البريطاني السابق)، كما كان يزورنا الرئيس السابق مبارك ونجلاه جمال وعلاء مبارك، والدكتور أسامة الباز، والدكتور مصطفى الفقي، والشيخ الشعراوي، وكمال الشاذلي، وفتحي سرور، وأحمد زويل، ومعظم رؤساء ووزراء مصر وأعضاء مجلس الشعب (البرلمان)، كما زارنا الكثير من أمراء دول الخليج العربي، مثل أمير الرياض، وأمير جدة، وسفراء الدول الأجنبية والعربية، خصوصا السفير البريطاني والأميركي السابقين، وسفراء المملكة العربية السعودية وقطر والكويت، بالإضافة إلى كل فناني وفنانات مصر، ومن بينهم عادل إمام وعمر الشريف ويسرا ومحمود عبد العزيز، كما زارنا عدد من الممثلين العالميين الذين كانوا يحضرون إلى مصر في إطار مشاركتهم في مهرجانات عالمية مثل هيوغرانت، وريتشارد غير».

وتتذكر شيرين بعضا من طرائف مشاهير المكان قائلة: «كانت زيارة العقيد الراحل معمر القذافي لنا دوما بها (شو) كبير، حيث كان يأتي إلينا بـ(رتل) من السيارات المصفحة وكل سيارة عبارة عن غرفة منفصلة، فهذه السيارة غرفة نوم، وهذه الصالون، وهذه المكتب، وهكذا. وكان عندما ينزل عندنا تصطف فرقة كبيرة من الكوماندوز السيدات الأفريقيات السوداوات جدا (وكنّ يتمتعن بأجساد قوية ملحوظة) على طرفي المعبر إلى داخل صالة المطعم، ويمشي هو في المنتصف تحت تأمينهن، وفي إحدى المرات طلب مدير المطعم أن يأخذ صورة تذكارية معه فوافق، وبعد أن التقطت الصور وخرج من صالة المطعم قبضت عليه إحدى كومندات القذافي بقسوة وأخذت منه الكاميرا وحطمتها تحت قدميها! مع أن القذافي لم يأمر من البداية بمنع التصوير وكان يبتسم وهو يلتقط الصور مع مدير المطعم!!».

وتروي شيرين كيف أن أسامة الباز، المستشار السياسي السابق للرئيس السابق مبارك كان يأتي إليهم طوال سنوات عمله بسيارة صغيرة 128 لونها أزرق ولم يغيرها حتى بعد خروجه من رئاسة الجمهورية! قائلة: «هذا الرجل عصامي للغاية، وأذكر أنه لم يغير سيارته الصغيرة طوال فترة عمله برئاسة الجمهورية، بل إنه كان يحمل فوق سقفها أثناء توجهه إلى الإسكندرية للاصطياف (مراتب) لاستخدامه الشخصي عند تأغير شقة في المصيف كما قال لي!».

وإذا كان «ماستر» يشتهر بأطباق مميزة أصبح يأتي إليها عشاقها من كل أنحاء مصر ولم تعد تقتصر على مسافري الطريق فقط، فإن شيرين تكشف بعضا من أسرار الأطباق الشهية التي يفضلها الكثير من مشاهير زوار «ماستر»، قائلة: «الأمير تشارلز حينما كان في مصر عام 2006 حضر إلينا مع علاء مبارك وتناول لأول مرة في حياته طبق (أرز باللبن)، وكذلك العسل الأسود بالطحينة مع الخبز البلدي، وقد أعجبه الأكل للغاية، ثم شرب كوبا من القهوة الأميركية، أما علاء مبارك فكان يفضل البول شيكولاته (كرات الشيكولاته) والشاي بالنعناع الأخضر الطازج، بينما تناول توني بلير وقرينته شيري الأرز بالكبدة، وقد أعجبهما كثيرا، فضلا عن الكباب والكفتة المصرية. أما القذافي فكان يحب المأكولات البحرية بصفة عامة والتونة تحديدا، بالإضافة إلى فواكه البحر وكل أنواع الأسماك».

بينما تصف كمال الشاذلي - النائب البرلماني الشهير والأقوى في حكم مبارك - بأنه كان يحب الأكل كثيرا، وكان يعد له خصيصا الفطير المشلتت، والدجاج المشوي، والكفتة المشوية على الفحم، بالإضافة إلى كل أنواع الجاتوه الذي يصنع من مكونات فرنسية معينة.

وتضحك شيرين قائلة: «من أغرب التعليقات التي سمعتها من الممثل العالمي هيوغرانت تعليقه على طبق الملوخية التي أحبها كثيرا، حينما سألني (هل هي مصنوعة من البيض؟)، نظرا لأن الملوخية المتقنة على الطريقة المصرية (بتشدّ)، أي بها لزوجة معينة، ولهذا اعتقد أن هذا بفعل زلال البيض!!».

وتشير شيرين إلى أن «ماستر» حصل الأسبوع الماضي على شهادة الجودة الأيزو ISO 22000 - HACCP، وهي الشهادة التي تؤسس لنظام إدارة الصحة الغذائية (FSMS) أو food safety management system، وتشمل كل العمليات «بدءا من التصنيع والتخزين والتوزيع لكل الأغذية حتى الاستهلاك النهائي، وبالتالي ضمان أن المنتجات الغذائية لا تسبب تأثيرات ضارة على الصحة، وهي الشهادة التي جاءت تعزيزا لمصداقية وثقة 25 عاما متواصلة ما بين المكان ومحبيه، وتتويجا لعمل وجهد سنوات بدأه والدي رحمه الله، وقد صنف (ماستر) بعد هذه الشهادة على أنه منشأة 5 نجوم بالتقييم الفندقي المتعارف عليه.