بنزرت التونسية.. سحر الليل وروعة النهار

أقصى نقطة في شمال القارة الأفريقية

تعتبر بنزرت من أجمل المناطق التونسية
TT

ليست هذه المرة الأولى التي أزور فيها مدينة بنزرت، ولكن، بين هذه الزيارة وآخر زيارة، هناك مسافة زمنية طويلة. ولم يكن التأخر عن زيارة مدينة بنزرت مقصودا، وإنما بسبب أوضاع لم تعد قائمة اليوم في تونس، وهي أوضاع اضطرت الآلاف للعيش خارج حدود «الخضراء».

و«اليوم» أعود إلى بنزرت لأتجول في المدينة العتيقة، وأزور موانئ وقلاع بنزرت، خاصة قلعة القصبة، وشواطئها الرملية والصخرية وجسرها المتحرك، وبحيرة إشكل، ومقبرة الشهداء الذين قضوا في حرب الجلاء (1956)، وما زالوا ينتظرون مع شهداء ثورة «14 يناير (كانون الثاني)» تحقيق أحلامهم التي ماتوا في سبيلها وهي تونس حرة مستقلة في ثقافتها وسياستها واقتصادها.

وبنزرت مدينة سياحية تونسية رائعة تقع في أقصى الشمال التونسي على الضفاف الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط، كما تعد أقصى نقطة في شمال القارة الأفريقية وتبعد 65 كيلومترا شمال العاصمة تونس. وتحتل مكانة استراتيجية بارزة أهلتها لأن تكون مركزا لمحافظة بنزرت وقطبا اقتصاديا مهمًا، ويبلغ عدد سكان بنزرت نحو 150 ألف نسمة تقريبا، وتبلغ مساحتها 4320 كيلومترا مربعا، تحدها من الجنوب محافظتا تونس ومنوبة ومن الغرب محافظة باجة.

وموقع بنزرت الاستراتيجي جعلها ملتقى لمختلف الحضارات التي توالت على حوض البحر الأبيض المتوسط مما ترك فيها آثارا عمرانية وعسكرية تعد من المآثر السياحية لبنزرت والمدن التونسية الأخرى.

تستقبلك بنزرت بطرق كثيرة حسب الطريق الذي تسلكه باتجاهها، ترخي للضيف جناحها (الجسر المتحرك الذي يؤمن حركة المرور بين ضفتي قنال بنزرت) حتى إذا ما جاوز رفعته في احتضان زائر جديد، سواء عن طريق البحر، حيث يرفع الجسر لمرور البواخر، أو عن طريق البر لتضع ذراعها ليمر عليه الزائرون، وبذلك تعبر برمزية كبيرة عن مستوى الود وكرم الضيافة وروح المودة لمن يزروها بقطع النظر عن الطريق الذي يسلكه.

ها أنا في قلعة القصبة التي تعلو الضفة الشمالية للقنال المفضي إلى الميناء القديم في شكل مستطيل منتظم بدقة فوق أرض منبسطة نسبيا. وللقلعة باب واحد من جهة الغرب، حيث المدينة العتيقة أو المدينة العربية الباقية حتى اليوم من إرث متنوع يعود لقرون عديدة خلت. وتحتوي القلعة على ثمانية أبراج، وهي عبارة عن أجزاء مربعة ومستطيلة الشكل. ويقع كل برج في زاوية من زوايا القلعة؛ واحد في الجدار الغربي، واثنان في الجدار الشمالي، وواحد في الجدار الشرقي، وهناك مسلك دائري مهيأ في أعلى السور خلف الجدران الحاجزة، ويسمح للحرس بالجولان على الواجهات الثلاث الشمالية والشرقية والغربية.

ولأن للقلعة بابا واحدا؛ فهو يفتح على المدينة العتيقة وهي الساحات الأشد ازدحاما والأكثر شعبية لوجود الأسواق بها.

وتتمركز مختلف الأنشطة التجارية والحرفية حول الميناء القديم.. فهنا توجد أسواق منظمة حسب الاختصاص؛ الجزارة، وصناعة النحاس، والحدادين، والنجارين، والعطارين وسوق الفواكه والخضراوات.

تحولت بعد ذلك إلى حصن باشا الجزائر العلج، الذي لم يستطع إكماله بسبب الغزو الإسباني، في يوليو (تموز) سنة 1570 وأصبح يسمى «حصن إسبانيا»، وهو مقام فوق ربوة «الكدية»، وفي 1579 استولت القوات الإسبانية على الحصن قبل أن تطرد على يد العثمانيين. وهو في شكل نجمة ذات خمس أذرع. ويسمح موقعه الاستراتيجي المهم بالإشراف على مدينة بنزرت ومينائها.

وتتمتع بنزرت أو «ضفة المرجان»، بثروات طبيعية هائلة جعلتها رافدا مهما للتنمية في تونس؛ ففيها الزراعة والصيد البحري والصناعة. وتمثل بحيرات، بنزرت، وإشكل، وغار الملح، أبرز الخصوصيات الطبيعية للمنطقة، إلى جانب جزيرة جالطة الزاخرة بجمال الطبيعة والثروة السمكية. فيما يعد الرأس الأبيض أعلى نقطة في القارة الأفريقية.

ويمر عبر حدود محافظة بنزرت نهر مجردة الذي يغذي بمياهه المتدفقة مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية. وبالتالي، فإن بنزرت ككثير من المدن التونسية تحتوي على الخضرة والجبال والثلوج والشواطئ الساحرة والمناظر الخلابة.

ومن الأماكن التي زرتها هذه المرة أرخبيل «إشكل» الذي يضم أكبر بحيرة للمياه العذبة في المغرب الكبير، وتعد الحديقة الوطنية بـ«إشكل» من أهم المحميات الطبيعية بتونس، وقد تأسست في 1980 على مسافة 25 كيلومترا جنوب غربي بنزرت ونحو 70 كيلومترا شمال شرقي تونس العاصمة.

وتبلغ مساحة الحديقة 12600 هكتار منها 8500 هكتار «بحيرة» و1360 هكتارا «جبل» و2740 هكتارا «سباخ». وقد تم تسجيلها في قائمة التراث العالمي الطبيعي سنة 1991. وبالحديقة 600 نوع من النباتات و200 ألف إلى 300 ألف طير من الطيور المائية وتنتمي إلى 180 نوعا مختلفا.

وتمثل بحيرة إشكل، مصبا لستة أنواع رئيسية من المياه العذبة الآتية من أودية، دويمس، وسجنان، وغزالة، وجومين، وتينة، مما يتسبب في ارتفاع نسبة الماء في البحيرة وانخفاض نسبة الملوحة.

وقد أقيمت 3 سدود فوق الأودية المذكورة لتأمين حاجيات البلاد من المياه.

وفي فصل الربيع يمكن للزائر أن يرى في جبل إشكل مئات الأنواع من الزهور التي تم تحديدها بـ500 نوع من النباتات. ويتمتع زوار إشكل، في فصل الشتاء بمشاهدة أسراب الطيور المهاجرة الآتية إليها من أوروبا وأفريقيا ويناهز عددها في ذروة الفصل، وفق معلومات يجدها الزائر في متناوله، مائتي ألف طائر منها البط الصفار، والعفاس الأحمر، والعديد من الطيور المائية والبطيات كالغرة والأوز الرمادي، وهو شعار المحمية.

كما توجد طيور مقيمة وأخرى معششة خاصة من الجوارح والجواثم. وتسكن المحمية أنواع من الجواميس، والخفافيش، وكلاب الماء، والسلاحف، والخنازير البرية، والثعالب، وحيوانات أخرى عديدة.

وبالمحمية مقهى ومطعم ومحل تسوق ومكاتب ومتحف بيئي.

وتتكون محافظة بنزرت (وهو الاسم الذي أطلقه عليها القائد الكبير حسان بن النعمان سنة 698 ميلادية بعد فتحها على يد القائد الفذ معاوية بن حديج عام 41 للهجرة الموافق 661 ميلادية وأصبحت بنزرت منذ ذلك الحين مدينة عربية مسلمة، وأقاموا فيها رباطا عظيما لرد هجمات الروم) من عدد من البلدات مثل راس الجبل، ورفراف، وعوسجة، وغار الملح، وماطر، ومنزل بورقيبة، ومنزل جميل، ومنزل عبد الرحمن، والعالية، وأوتيك، وهي منطقة أثرية فينيقية. فبنزرت جزء من تونس التي عرفت غزاة كثيرين عبر تاريخها، حاولوا منحها هويتهم، فهي، هيبو زاريتوس، في أصلها اليوناني، وبالفينيقية هيبو أكرا. وقد درمها القائد الصقلي أغاطو سنة 309 قبل الميلاد، وعند حلول يوليوس قيصر ببنزرت أطلق عليها هيبو ديارتوس. وقد عانت بنزرت كما هي حال تونس من حروب الآخرين فوق أرضها كالفينيقيين، والرومان، والوندال (439م) والبيزنطيين (534م) ولم تستقر الأوضاع طويلا سوى في العهد الإسلامي. من القرن السابع وإلى اليوم، رغم الاحتلال الفرنسي المباشر (1881 وحتى 1956).

أما العهد العثماني، فقد بدأ بطرد الإسبان من تونس، وشهدت بنزرت في هذا العهد نهضة عمرانية واقتصادية مكنتها من أن تكون جسرا للتبادل التجاري مع أوروبا، خاصة بعد حفر القنال وتهيئة الميناء العسكري والتجاري؛ الأمر الذي جعلها على كفاءة عالية من الدفاع والمراقبة.

وفي بنزرت العديد من الفنادق بفيئاتها المتنوعة التي يطل الكثير منها على الشواطئ الرملية مثل فندق، «بنزرت ريسورت»، وهو على بعد 15 دقيقة من وسط المدينة. وتحتوي فنادق بنزرت على جميع الخدمات التي يحتاجها السائح من قنوات فضائية وتكييف الهواء، والسونا، والحمامات التركية، وأحواض السباحة المغلقة، أو في الهواء الطلق، ومقاهي الشاي، والمطاعم الفخمة والأنيقة. وهناك فندق «جالطا» الذي يوفر الوجبات الخفيفة وتتوفر داخله أفنية جميلة ونظيفة وغرف تطل على البحر. كما تتوفر في كثير من الفنادق ملاعب التنس، والكرة الطائرة، وكرة السلة، وكرة المضرب وغيرها من الرياضات كالمشي والجري وركوب الخيل وغير ذلك.

وتوفر الفنادق الدراجات وخدمات روضات الأطفال، وتحويل العملات، واستجار السيارات، إضافة لخدمات الإنترنت بالمجان. كما توفر مواقف مجانية للسيارات، والإقامة المجانية للأطفال دون السنتين بينما يدفع الأطفال حتى 10 سنوات 50 في المائة من تكلفة الإقامة.

كما توجد غرف تتسع لسرير لشخص واحد وغرف تتسع لأكثر من اثنين.

وفي بنزرت العديد من المرافق المهمة مثل قصر المؤتمرات، ودار الشباب، والمكتبة العمومية، والمكتبة النموذجية، والمسرح الصيفي، ودار الثقافة بسيدي سالم، وقاعة المطالعة بحشاد، وقاعدة المطالعة بجرزونة. والمسبح البلدي والقاعة المغطاة بجرزونة، والقاعة المغطاة بعين مريم، وقاعة محمد الفطانسي. وكما يوجد العديد من الملاعب الرياضية كملعب قسطنطينة، وملعب الشمال، وملعب أحمد البصيري، وملعب «15 أكتوبر» لكرة القدم. والملعب الفرعي المعشب للتمارين، والمركز الرياضي لتكوين الشباب بالناظور، والملعب البلدي للتنس.