نابل.. عندما يختلط حابل الترفيه بنابل الانبهار

مدينة تونسية تدهش وتأسر القلوب وفيها كل شيء حتى «حليب الغولة»

أسواق نابل العتيقة
TT

مدينة نابل صيادة ماهرة، وليس أدل على ذلك من اسمها، ومن رسمها، ومن تاريخها، ومن واقعها، ومن آفاقها. فنابل، اسم الصياد بالنبال، غير أنها لا تقتل، وإن كانت تدهش، وتأسر القلوب لكنها لا تؤلم. وليس لها ضحايا، بل عشاق يستمتعون بجمالها الخلاب، وتقاليدها العريقة، واستضافتها الكريمة. وهي تعتز بنفسها ومعروفة باحترامها للذات.

وتمثل نابل شبه جزيرة، مما يجعل منها مكانا رائعا للراحة والاسترخاء، وتاريخها عامر بالمآثر مما يضفي عليها طابعا تاريخيا سياحيا، لا سيما أن نابل كما هو الحال في أماكن ومدن كثيرة بتونس، تعاقبت عليها حضارات وثقافات وأمم مختلفة قبل أن تستقر على هويتها الجامعة قبل نحو ألف عام.

وتزخر نابل اليوم بالكثير من الأسواق الشعبية، والصناعات التقليدية، كالنقش على الحجر، والنقش على الخشب، صناعة الحرير (التطريز) وإنتاج العطور الطبيعية المستقاة من الزهور المحلية، مثل ماء الزهر، وتستعمل مياه الزهور في صناعة المرطبات، وتعطير المواد الغذائية، كالبسكويت ونحوه.

وتباع قوارير ماء الزهر في الكثير من المحلات التونسية، كما يصدر منه كميات كبيرة للخارج، ولا سيما أوروبا، حيث تضاف عليه بعض المواد ويباع كعطور عالمية.

وفي نابل يجد السائح، النخيل رمز الصحراء، والزيتون رمز الخصب، والخضرة رمز الحياة. في نابل زرقة السماء، وزرقة البحر، وزرقة أبواب ونوافذ المنازل الجميلة. في نابل هناك الشواطئ العامرة، والشمس الساطعة، والجمال الأخاذ.

وهنا سياح على الطرقات المنبسطة والمعبدة بطريقة جيدة بسياراتهم الخاصة التي قدموا بها من بلادهم، أو التي استأجروها، وبطائراتهم الشراعية التي تعبر الأجواء أحيانا، وفي البحر يحلو السهر.. زوارق خاصة أو مؤجرة يقضي فيها البعض سويعات سرقها في غفلة من زمن السرعة، والاستغراق في العمل، ومتابعة البورصة، والأخبار على الشاشات، ليستمتع بطعم السمك المشوي مع الأسرة، أو رفاق السهر. وهناك من السياح من يجد متعته في صيد السمك بنفسه عن طريق صنارة مستأجرة بثمن بخس بعد أن يتعلم سريعا طريقة صيد السمك.

كما يعد ريف نابل الغني بجميع أنواع الطرائد كالأرانب، والغزلان، والضباء وغيرها موطنا مهما للصيد بالصقور. ولا يحتاج زائر نابل لانتظار الساعات، ولا لقطع المسافات الطويلة حتى يصل إليها، فهي لا تبعد سوى نحو 60 كيلومترا عن تونس العاصمة، ترافقه في سفرته القصيرة حدائق الفل والياسمين المزروعة على جانبي الطريق، وعلى مسافات طويلة.

لذلك ليس من الغريب أن تكون نابل من الأماكن التي يقصدها السياح من مختلف القارات، ومن مختلف الأذواق والأصناف الاجتماعية، ولا سيما مشاهير الفن والسينما والإعلام والسياسة الذين يجدون ضالتهم في نابل، فهنا كما يقول الأهالي «كل شيء موجود حتى حليب الغولة».

ورغم أن الغولة وحليبها، أسطورة، فإن نابل الأسطورة، والكلام للأهالي «تنسي السائح بسحرها أساطير الأساطير». ففي نابل مطاعم فاخرة، وفنادق من جميع الفئات، فيها أكثر من 160 فندقا بطاقة استيعابية تزيد على 5 آلاف سرير، منها أكثر من 10 فنادق من فئة 5 نجوم وأكثر من 30 فندقا من فئة 4 نجوم وأكثر من 40 فندقا من فئة 3 نجوم وأكثر من 30 فندقا من فئة نجمتين ونحو 10 فنادق من فئة نجمة واحدة. كما تمتاز نابل بالكثير من أماكن التسوق، وأماكن الاستشفاء بالمياه المعدنية والكبريتية، وخاصة في قبرص التونسية، التي ينصح مرضى الكلى، والروماتيزم، والأمراض الجلدية، والربو، وأمراض الأنف والحنجرة بارتيادها، وطلب الاستشفاء في حياضها وعياداتها. وليس بعيدا من ذلك كله هناك المتاحف التاريخية والمتخصصة.

وتمتاز نابل، بإنتاج البرتقال الذي يصدر منه آلاف الأطنان إلى مختلف أنحاء العالم، حيث تساهم نابل بـ15 في المائة من الإنتاج الزراعي التونسي، وتبلغ المساحة الصالحة للزراعة نحو 300 ألف هكتار. وقد زادت الاستثمارات الفلاحية بنحو 40 في المائة، وقد تم تكثيف زراعة العنب بالجهة في الحقبة الماضية، حتى بلغ إنتاج نابل نسبة 80 في المائة من الإنتاج العام التونسي من هذه الثمار.

وتعد نابل من أهم مواطن صناعة الحصر التقليدية المصنوعة من السعف والحلفاء والسمار الذي ينبت في السباخ، وكان ولا يزال (إلى حد ما) يفرش به المساجد، والاستراحات، وتزخرف وتجمل به الحوائط، حيث تمنع تسرب البرودة أو الحرارة للمستند عليها.

وتعد نابل أيضا موطنا لصناعة الخزف التي تعد الأرقى حتى على المستوى العالمي، حيث تنتشر ورشات تلك الصناعة العريقة، والتي تعد من أقدم الصناعات تاريخيا. وكذلك الأماكن الأثرية، التي تعد عامل جذب للسياح من مختلف أنحاء العالم، وخاصة الموقع الروماني القديم، لينيابوليس، وكان قد تم اكتشافه سنة 1965 وهو مطعم روماني متخصص في صناعة مرق سمك الغاروم، وتصديره للمناطق المجاورة. ويحتوي المكان الأثري على أحواض كبيرة كانت تستخدم لوضع أحشاء الأسماك، ومكان لحفظ الأسماك لمدة طويلة، وحي سكني تحت الأرض، ومنزل فخم يبدو أنه لأحد كبراء القوم في ذلك العهد الغارق في القدم.

وتشتهر نابل إلى جانب ذلك بصناعة الملابس المطرزة، والتي تجعل من الملابس تحفا متنقلة، ولا سيما ملابس العروس ليلة الزفاف، وأسعارها مرتفعة جدا حيث تصل إلى أكثر من 2500 يورو أحيانا.

كما تعد من الأماكن التي تعرف بصناعة النحاس، من أباريق، وأوان، وجفان رائعة، مع إضافة لمسات عصرية عليها، ومنها وضع خيوط من الفضة على واجهاتها. وهي صالحة للاستخدام المطبخي، كما هي صالحة لتكون بمثابة لوحات داخل قاعات الجلوس، وحتى غرف النوم.